الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«قرية السجاد» في انتظار عودة الرواج السياحي إلى مصر

«قرية السجاد» في انتظار عودة الرواج السياحي إلى مصر
9 أكتوبر 2011 20:58
(القاهرة) - لا يزال سكان قرية الحرانية في محافظة الجيزة يحافظون على أقدم حرفة تشتهر بها قريتهم منذ مئات السنين وهي حرفة نسج الكليم والسجاد اليدوي الذي تشتهر القرية بتصديره للأسواق العالمية بنحو 100 مليون دولار سنويا مما جعل القرية مقصدا لكثير من السياح القادمين إلى مصر لاسيما من منطقة الخليج العربي وأوروبا لمشاهدة كيف تغزل الأنامل هذه اللوحات الفنية الفريدة في خاماتها وبساطة الرسوم التي تزينها والتي تعتمد ‏على التخيل والذكاء الفطري. حالة تناغم تعد القرية التي تتوسط الطريق لهرم سقارة بمثابة مصنع كبير في مساحته يمتد لنحو خمسة كيلومترات يعيش ويعمل به غالبية أهل الحرانية، البالغ تعدادهم نحو ستين ألف نسمة، إلى جانب آخرين يجدون في العمل أمام النول مصدر رزق إضافي إلى جانب أشغالهم الأخرى في التدريس والزراعة والمهن الأخرى. لا يندهش زوار الحرانية من ازدحام الحارات والأزقة بالورش التقليدية ومشاهدة الأنوال الخشبية التي يجلس أمامها بالساعات صناع مهرة من كافة الأعمار، ويغلب عليهم الصمت والتأمل لحالة التناغم بين الخيوط والألوان، كما لو كانوا يرسمون لوحات فنية بديعة من وحي البيئة التي حولهم من دون الاستعانة ‏برسوم محددة أو نماذج أو أجهزة الكمبيوتر. ويقول محمود عبدالرازق (44 سنة) أحد صناع الكليم اليدوي بالقرية “غالبية الرسوم التي تزين قطع السجاد والكليم اليدوي لأبناء الحرانية مستمدة من البيئة الريفية والتراث المصري والإسلامي فهناك رسوم لطيور وحقول ورسوم فرعونية كالأهرامات وتماثيل ملوك الفراعنة وعين حورس، وأخرى إسلامية للمساجد والقباب والمآذن والهلال إلى جانب أخرى تحتوي على آيات قرآنية بالخط الكوفي أو النسخ، لاسيما وأن غالبية تلك القطع الفنية يكون الغرض منها تزيين الحوائط لاسيما في الأماكن الراقية كالقرى السياحية والفنادق الكبرى وقصور ومنازل الأثرياء”. ويضيف أن تميز منتجات القرية بين السياح وفي الأسواق الدولية يرجع لسمعة متوارثة منذ عشرات السنين حيث أصبحت منتجات قرية الحرانية نموذجا فريدا لمهنة نسج الكليم والسجاد اليدوي خاصة وأن أبناء القرية يعتمدون في عملهم على الخامات الطبيعية كالأقطان والأصواف إلى جانب الألوان الطبيعية المستخلصة من نبات الكركديه ونبات المضر الذي تستخرج منه الصبغة الحمراء ونبات ليبيتولا الذي تستخرج منه الصبغة الصفراء وتعد أفضل بكثير من الأصباغ الكيميائية. ويوضح أن أسعار السجاد والكليم الذي ينتجه أهل القرية تعتمد على القيمة الفنية والجهد المبذول فهناك قطعة سجاد صغيرة قد يستغرق إنتاجها عشرة أسابيع متواصلة. القرية تضم ورشا كبيرة يعمل بها المئات من العمالة المدربة، إلى جانب ورش صغيرة داخل كل بيت بالقرية وغالبا ما تكون في إحدى الحجرات حيث تحرص كل أسرة على مزاولة المهنة في أوقات فراغ أفرادها كنوع من الدخل الإضافي، لأن تعلمها يسيرا وتحتاج إلى صبر ومقدرة على تذوق جمال الألوان وقدرة على العمل والإبداع لساعات متواصلة في صمت، فالضوضاء هي الخطر الأول أمام أي صانع وتفقده التركيز الذي يحتاج إليه في تناغم الألوان، ووضع الخيط تلو الآخر في المكان الصحيح فأي خطأ يستلزم إعادة فك الخيوط من جديد. رأس المال أمام خيوط النول الخشبي قضى حسن عبدالله أكثر من 45 عاما بين عامل بأجر يومي، ثم صاحب ورشة كبيرة تنتج من 15– 20 قطعة سجاد وكليم يتم توريدها للمحال الكبرى في نهاية كل شهر، والآن وبعد أن تجاوز الخامسة والخمسين يحرص يوميا على نقل خبرته للأجيال الجديدة من صناع النسيج اليدوي إذ يقف عن بعد يراقب عملهم ويضيف ملحوظة أو تعليقا قبل أن يجلس ليتابع سير العمل. يقول “مهنتنا رأس مالها قوة البصر والقدرة على تحمل الجلوس أمام النول بالساعات ومع التقدم في العمر يصعب على امثالي مواصلة العمل وينتقلون إلى الإشراف ونقل خبراتهم إلى الأجيال الجديدة وبذلك تستمر المهنة ولا تموت كغيرها من المهن اليدوية لاسيما وان منتجات القرية من الكليم والسجاد تحظى بالتقدير والإقبال في المعارض والأسواق الدولية التي تعرض خلالها في دول الغرب ويقبل أبناء تلك الدول على اقتناء سجاد الحرانية اليدوي بالاسم كماركة عالمية لها بريقها وسمعتها منوها إلى أن أبناء القرية يشاركون من حين لآخر بإنتاجهم في المعارض الدولية بدول أوروبا والولايات المتحدة وأحيانا تأتي للبعض ترشيحات من هيئة المعارض المصرية ووزارة الثقافة لعرض منتجاتهم في المعارض الفنية بالخارج. ويضيف “يفضل لمن يرغب في تعلم تلك المهنة أن يبدأ صغيرا من عمر السابعة أو الثامنة كي يعتاد الصبر والعمل في صمت وقوة التحمل، إلى جانب تنمية الذوق الفطري لديه ولذا تستعصي المهنة كثيرا على من يريد تعلمها في الكبر والرسوم التي تزين اي سجادة أو قطعة كليم من وحي خيال الصانع فلا يوجد كتالوج يلتزم به”. ويوضح أن المهنة لا تقتصر على الذكور وهناك أعداد كبيرة من نساء القرية يعملن بها سواء في الورش الكبيرة أو داخل منازلهن لتحسين دخولهن، خاصة أنهن تعلمن الصنعة في سن مبكرة وتستمر كل منهن في العمل حتى بعد الزواج والإنجاب لمساعدة زوجها على الوفاء بمتطلبات الحياة. ويقول عبدالله إن قطعة الكليم اليدوي أقل سعرا من قطعة السجاد اليدوي حيث يبدأ سعر متر الكليم من 50 إلى 100 جنيه بينما السجاد من 300 إلى 1500 جنيه، وكل منهما ينتج من الصوف ولكن كثافة الغرز والعقد في السجاد أضعاف الكليم، كما أن السجاد يحتاج إلى فترة كبيرة من الوقت للانتهاء من سجادة واحدة بينما قطعة الكليم المتوسطة الحجم 3 أمتار لا تتجاوز خمسة أيام. ويشير إلى أن الإقبال على الكليم اليدوي كبير لاسيما لمن يحبون استخدامه في تزيين الحوائط. والكليم في مصر نوعان الأول شعبي يصنع في الحرانية وفوة بكفر الشيخ والآخر يدوي تشتهر به واحة سيوة بالصحراء الغربية ومدينة العريش بسيناء، ولكل طريقة تطريز وعقدة مختلفة وألوان أيضا، حيث يميل كليم الحرانية إلى الألوان الحمراء الداكنة ودرجات البني والأصفر الداكن، بينما الكليم الآخر يميل إلى الألوان البيضاء والأسود والأزرق للنساء أيضا تقول زينب صابر ربة منزل وأم لطفلين “تصنيع الكليم والسجاد اليدوي مهنه تناسب المرأة كثيرا فهي لا تحتاج إلى خروج من المنزل فالنول يمكن وضعه في ركن بأي من الحجرات وفي أوقات الفراغ للمرأة يمكن العمل لعدة ساعات”. وزينب، التي تمتلك خبرة تزيد على 16 سنة في نسج الكليم والسجاد اليدوي، تقول إنها تعلمت المهنة إلى جانب أشقائها الذكور وقت أن كانت في الثامنة من العمر وبرعت فيها إلى جانب الدراسة حيث انتهت قبل ثماني سنوات من إتمام دراستها المتوسطة بالثانوية التجارية ورغم أنها تزوجت عقب ذلك مباشرة وأنجبت طفلين فإنها استمرت في مزاولة عملها بعد أن اشترى زوجها الموظف نولا خشبيا ووضعه في غرفة المعيشة ويتبادلان سويا العمل عليه ويبيعان منتجاتهما لأصحاب البازارات بنزلة السمان. ويتفق غالبية أبناء قرية الحرانية على أن حال الكليم والسجاد اليدوي في مصر اليوم لم يعد كما كان من قبل فقد تراجع الإقبال كثيرا منذ مطلع العام الجاري بسبب النتائج التي ترتبت على ثورة 25 يناير وتراجع أعداد السياح الوافدين إلى مصر وهم العميل الأول لمنتجاتهم. ويقول عادل سالم، صاحب بازار بالقرية “قبل الثورة كانت قريتنا مزارا يوميا للسياح الأجانب والعرب ومشاهير المجتمع المصري من فنانين ورجال أعمال وسيدات الأسر الراقية وكل من يعرفون قيمة الشغل اليدوي ويسعون لاقتنائه ولكن منذ قيام الثورة وتدهور الأوضاع الأمنية والرزق يبدو شحيحا لأن إقبال السياح قل كثيرا كما أن غالبية الأسر المصرية لا تقبل على شراء منتجاتنا لغلاء ثمنها”. وفي قرية الحرانية يوجد متحف دار الفن وهو معلم بارز في القرية يقصده السياح دوما لأنه يخلد ذكرى الفنان المصري العالمي ويصا واصف وزوجته الفنانة صوفي حبيب جورجى وما قاما به من نقل إبداعات أبناء القرية إلى العالمية ومساعدتهم عقب ثورة يوليو 1952 على نقل إنتاجهم إلى الأسواق العالمية بتعليمهم ما يناسب أذواق السياح في الغرب، وما يرغبون من رسوم باستخدام الخامات الطبيعية وعلما ودربا العشرات من أبناء القرية ضمن فكرة تبناها ويصا آنذاك لتحويل القرية المصرية إلى قرية منتجة عالمية تسهم في بناء اقتصاد مصر في مرحلة ما بعد ثورة يوليو، ورغم وفاة ويصا منذ سنوات فإن أهل القرية لا يزالون يذكرونه بالخير ويقدرون ما قام به من أجلهم.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©