الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ألف شاعر·· لغة واحدة يضيئون دبي بسحر الكلمة

ألف شاعر·· لغة واحدة يضيئون دبي بسحر الكلمة
11 مارس 2009 23:14
تعتبر المبادرة التي أطلقتها ونفذتها مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم بإقامة ''مهرجان دبي الدولي للشعر ''2009 (بين الرابع والعاشر من مارس الجاري)، واحدة من أكبر المبادرات، إن لم تكن الأكبر عربيا، في مجال جمع أكبر عدد من الشعراء من أنحاء العالم كافة (من 45 دولة)، فقد تم تحت شعار ''ألف شاعر لغة واحدة'' جمع أكثر من مائة شاعر وعدد من النقاد في الدورة الأولى من هذا المهرجان الذي يشكل حلقة في سلسة استضافة الألف شاعر على مدى خمس سنوات· لم يسبق لمهرجان عربي أن استقطب هذا العدد من الشعراء المحليين والعرب والعالميين، لكن هذا المهرجان الذي يرأس لجنته العليا جمال بن حويرب المهيري، ويتابع تفاصيله الشاعر علي الشعالي المدير التنفيذي للمهرجان، تمكن من ذلك في واحدة من المبادرات التي تطلقها دبي بين الحين والآخر، جنبا إلى جنب مبادرات مهمة مثل ''اقرأ'' و''ترجم'' و''اكتب'' وسواها من مبادرات تتعلق بالثقافة والمعرفة والتعليم· في البداية كانت هناك إشارة إلى أهمية الشعر للحياة، وكما قال جمال المهيري فإن هذه الأهمية تشبه أهمية النجوم للسماء، وإن المهرجان يهدف لاستقطاب شعراء العالم للحضور إلى دبي والإسهام في خلق بيئة حية للتواصل الإنساني والثقافي بلغة الشعر· وإذ تتعدد الألسن التي يلقي بها الشعراء قصائدهم، فإن إدارة المهرجان بدت حريصة على توفير الترجمة من مختلف اللغات إلى العربية والإنجليزية، بحيث تكون روح القصائد الملقاة في متناول الجمهور· المهرجان من خلال شعاره ''ألف شاعر، لغة واحدة''، جاء ـ حسب منظميه ـ معبرا عن ''رسالة إنسانية المضمون، ساعيا إلى رفع راية الشعر عالياً بوصفه لغة التخاطب الأرفع مكانة والأكثر شفافية ونقاء بين مختلف الألسن، في مكان يجمع بين شاعرية الصحراء ورومانسية البحر، وبين جموح العمران وطموح الإنسان، وبين عبق التاريخ وآفاق المستقبل الرحبة، وملتقى لشعراء العالم، كي يتواصلوا في ما بينهم بلغة تسمو على كل ما هو آنٍ وطارئ''· مهرجان دبي الدولي للشعر عده الكثيرون حدثاً فريداً من نوعه في المنطقة، سواء من ناحية المضمون الذي اتسم بالتنوع الكبير ليشمل مختلف قوالب الشعر المحلي والكلاسيكي والحديث، أو من حيث حجم المشاركة واتساع نطاقها عالمياً، وأيضا من جانب الهدف حيث قامت فكرة المهرجان على توفير منبر للشعر، بكل ما يمتلك من قوة ورقي وبلاغة في التعبير، كوسيلة فعالة لتعزيز الحوار الثقافي بين الشعوب من خلال حوارات الشعراء العرب والأجانب ولو على نحو ضئيل يمكن أن يعد تأسيسا لعلاقات عميقة في ما بعد· تمكن المهرجان منذ دورته الأولى من استقطاب عدد من الشعراء العرب والعالميين، فكان من أبرز العالميين النيجيري وول سوينكا والجنوب أفريقي برايتن برايتنباخ، وعربيا جاء أحمد عبدالمعطي حجازي ومريد البرغوثي وعلي الشرقاوي والمنصف المزغني وشوقي بزيع وزاهي وهبي وعبده وازن وعلي جعفر العلاق وسيف الرحبي، ومحليا حضر شعراء كثر من أبرزهم نجوم الغانم وإبراهيم محمد إبراهيم وخالد البدور وعادل خزام وأحمد راشد ثاني وسواهم· تعددت الفعاليات ما بين قراءات شعرية وجلسات نقدية واحتفاليات تكريمية لعدد من الراحلين من رموز الثقافة العربية والإنسانية، فكانت هناك أمسيات شعرية تمتد أكثر من أربع ساعات يوميا، وأتيحت الفرصة لعشرات الشعراء أن يتعاقبوا على المنبر في مسرح مدينة جميرا أو في قاعات الأندية الثقافية العربية أو في الجامعات· وكان عدد الشعراء كبيرا في كل أمسية، حيث حفلت كل أمسية بما لا يقل عن ستة أو سبعة من الشعراء· ضمن هذا التعدد كان التنوع الكبير، وكان قوس الشعر مفتوحا على ألوانه السبع، لكن التقنيات خانت الترجمة والتواصل إلى حد ما، في بعض الأمسيات، والحضور القليل للجمهور كان واحدا من معالم الصورة، وهذه سمة في أمسيات الشعر العربي ومهرجاناته، مع استثناءات قليلة مثلها ظهور الراحل محمود درويش والباقية جسدها أدونيس في المهرجانات، وعدا ذلك فنحن نتحدث ـ في أحسن الأحوال ـ عن عشرات من المستمعين من فئات مختلفة· كان يمكن ببساطة أن يلحظ المتابع غيابا غير مفهوم للشعراء والأدباء المحليين عن حضور فعاليات المهرجان، فباستثناء عدد قليل منهم، ولنذكر أحمد راشد ثاني وخالد البدور وعادل خزام وإبراهيم محمد إبراهيم ونجوم الغانم، نكاد نقول إنه·· لا أحد· فما الذي يجعل المشهد على هذا النحو؟ هو سؤال برسم الإجابة من قبل المبدعين الإماراتيين كما هو من قبل المؤسسات· اللقاءات التي كانت تتم على هامش القراءات الشعرية، أو في الوقت الفاصل بين قراءتين، كانت تجمع شعراء عربا ببعض الشعراء القادمين من أوروبا وآسيا وأفريقيا، لقاءات يجري خلالها قدر من التواصل والحوار والتعرف إلى الآخر، ووعد بمزيد من التواصل، وذلك عبر لغة إنجليزية يتقن الجميع شيئا منها يكفي للتفاهم الأولي بين المشاركين الذين بدوا تواقين للتعرف إلى فضاءات شعرية غير معروفة في الكثير من دول العالم، فنحن هنا في العالم العربي لا نعرف شيئا عن الشعر في دول آسيا، لا نعرف ما يجري في الهند وإيران وإندونيسيا، وقدم المهرجان فسحة للتعرف إلى جزء من صورة الشعر في هذا العالم· وإلى أمسيات الشعر المألوفة، كانت هناك الأمسيات الشعرية ـ الغنائية التكريمية، بدءا بالأمسية التي أقيمت للاحتفاء بالشاعر عمر الخيام وتوقيع الترجمة الجديدة لأشعاره التي أنجزها الإماراتي صالح عيسى القرق، وما صاحبها من غناء الفنانة سحر شقير· ومن بين هذه الأمسيات تميزت أمسية مئوية أبي القاسم الشابي، أمسية جاءت بحضور نجل الشاعر الشابي وحفيده وبعض أفراد عائلته، وتضمنت تعريفا بحياته القصيرة جدا، فهو لم يعش أكثر من خمسة وعشرين عاما (1909 ـ 1934)، كما تضمنت قراءات من شعره قدمها الشاعر التونسي المنصف المزغني والشاعرة التونسية إيمان عمارة، اللذان اختارا عددا من قصائده الشهيرة وغيرها، فكانت قصيدة: سأعيش بين الداء والأعداء كالنسر فوق القمة الشماء كما حضرت بقوة قصيدته التي يعانق فيها إرادة الحياة: إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر ولا بد لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر وتكتمل الأمسية بغناء جميل من الفنانة علياء بلعيد، خصوصا لهذه القصيدة التي يلخصها قول الشابي: ومن لم يعانقه شوق الحياة تبخر في جوها واندثر الأمسية التكريمية الثالثة التي تميزت في المهرجان على نحو خاص ومؤثر كانت الأمسية المخصصة للراحل الكبير محمود درويش، أمسية بدا واضحا فيها مقدار الحزن وعدم التصديق بأن شاعر العرب وفلسطين قد رحل ويجري تأبينه اليوم مجددا، وربما لم يبق واحد ممن شاركوا في الأمسية إلا وبكى أو كاد، خصوصا كما قال البعض إن درويش كان أول المدعوين لهذا المهرجان وأول من وافق على حضوره وتدشين دورته الأولى، وكانت مؤثرة إشارة خيري منصور إلى توقف درويش قبل رحيله بقليل في دبي لمدة 6 ساعات في طريقه إلى كوريا واستقباله من قبل بعض الأصدقاء، لتكون هذه زيارته الأخيرة إلى دبي· وكما هي الحال مع أمسية الشابي، تضمنت أمسية درويش قراءات من شعره بدأها الفنان المسرحي اللبناني رفيق علي أحمد والشاعرة بروين حبيب بقصيدته الشهيرة ''أيها المارون بين الكلمات العابرة''، و''لاعب النرد'' و''في حضرة الغياب'' وقصائد من ''كزهر اللوز أو أبعد''· كما تضمنت الأمسية قصيدتين من زاهي وهبي كانت واحدة منهما مهداة إلى رواح والدة درويش ''حورية'' وكل الجليليات، وقصيدتين من إبراهيم محمد إبراهيم· وتخللت الحفل فقرتان للمطربة جاهدة وهبي التي أنشدت بصوتها العذب وبمرافقة القانون عددا من قصائد الراحل النثرية والموزونة· مفاجأة هذه الأمسية، وفي اعتقادي قد تكون مفاجأة المهرجان، هي مقاطع من قصيدة درويش الأخيرة التي لم ينشرها حتى الآن، وستصدر في كتاب قريبا، قرأها صديق درويش الملازم له المحامي الأردني غانم زريقات، قصيدة تزداد فيها حرارة الحوار بين الشاعر والموت، حيث الشاعر يخاطب الموت ''كان ليلي طويلا/ فلا تحجب الشمس عني''، فنرى الموت وقد ''أدى تحيته العسكرية للغيب''، ثم يهدد الشاعر ''إذا ما أردتك يوما وجدتك/ فاذهب''· وهكذا فالشاعر كان يشعر باقتراب الموت ''اقترب الموت مني قليلا'' يقول، ويؤكد ''سمعت هسيس القيامة/ لكنني لم أكن جاهزا لطقوس القيامة بعد''· من قصيدة محمود درويش التي انفردت ''الاتحاد'' بنشر مقاطع منها قبل أيام ننشر هذا المقطع الجديد: ليس المكان هو الفخ في وسعنا أن نقول لنا شارع ههنا وبريد وبائع خبز ومغسلة للثياب وحانوت تبغ وخمر وركن صغير ورائحة تتذكر ليس المكان هو الفخ لم أنتظرك لتنتظريني فمثلك من يأمر الحكم بالانتظار الطويل على ركبتيها خذيني إلى اللامكان المعد لأمثالنا الضالعين بتأويل ذاكرة الغيم بين الربيع وبين الخريفْ
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©