أحمد عوض سعداوي:
هذا الكتاب لمحمد عبد الحميد الحمد الصادر عن دار الأهالي بدمشق يتناول العلاقة بين صابئة حران وحركة إخوان الصفا التي ظهرت في الدولة الإسلامية ··· حيث يذكر الكاتب أن حران أو مدينة الأعراب كما يقال عنها قد سكنها العرب منذ الألف الثالث قبل الميلاد، وكانت ملتقى العديد من الحضارات والثقافات القديمة التي انصهرت فيما بينها على أرض حران لتخرج لنا الثقافة الحرانية وهي ثقافة وثنية، بحيث أُطلِق على حران (العش الوثني) ···· ولكن في عصر الاسلام أظهر بعض الحرانيين إسلامهم اتباعاً لمبدأ التقية، وعند مطلع القرن الرابع الهجري هاجرت بعض العائلات الحرانية، وبدأ انفراط عقدهم، حيث انصهروا تماماً مع المسلمين، ومع نهاية القرن السادس الهجري لم يبق لهم أي أثر···
أنواع النفوس
يقول المؤلف إن المؤرخين المسلمين أطلقوا اسم الصابئة على الحرانية، وقسموا الصابئة إلى قسمين :- عبدة النجوم ، وعبدة الأوثان، وبالنسبة لطوائف الديانة الحرانية، فهما طائفتان الأولى تسمى الروفسيين والثانية طائفة الربانيين، وكانت معظم تعاليم تلك الديانة مستمدة من هرمس( اختلف الباحثون هل هو هرمس المصري أم هرمس البابلي؟)، وهنا يشير الكاتب إلى أن الأفكار الهرمسية مازالت تستولي على بعض مفكري الغرب ومنهم الشاعر الألماني جوته ··· كما يخبرنا أن فلسفة النفس عند أصحاب العقيدة الحرانية تقوم على أن النفوس نوعان: إلهية، وتركيبية··· أما عن التناسخ والنسخ، فهم يرون أن أرواح أهل الخير إذا خرجت دخلت في أبدان خيرة واستراحت، و أن أرواح أهل الشر تدخل في أبدان شريرة فتحمل عنها المشاق، وبعد ذلك يتحدث عن حياة ثابت بن قرة الحراني وعن علاقته بالخليفة المعتضد، حيث كان واحداً من جلسائه، وقد نال ثابت هذه المكانة لدى المعتضد بفضل عقليته الموسوعية في الفلسفة والرياضيات والفلك والطب، ثم يوضح لنا الكاتب أن فلسفة الحرانية مستمدة من تعاليم فلاسفة اليونان القدامى مثل أفلاطون وآرسطو وفيثاغورث وأفلوطين، ثم يلقي الضوء على علاقة أهل العقيدة الحرانية الذين هم إخوان الصفا بالديانات الأخرى من حيث تفضيلهم بعض هذه الديانات على بعض، ويقول إن رسائل إخوان الصفا وهي إحدى وخمسون رسالة قامت على أساس ربط العلم بالدين، وأن إخوان الصفا هي دعوة فلسفية ظهرت في القرن الرابع الهجري في مجتمع متعدد الثقافات والأجناس والعقائد، ويتمتع بأعلى درجات الحرية الفكرية، ثم يتناول الكاتب علاقة رسائل إخوان الصفا بالفكر الإسماعيلي والحراني، حيث أكد العديد من الباحثين أن تلك الرسائل تأثرت وبشدة بأفكار دعاة الإسماعيلية وأفكار صابئة حران التي تعتمد في الأساس على التفسير الفيثاغورثي للعالم من خلال الأعداد والحروف·
المرتكزات النظرية
إن أهم المرتكزات النظرية في رسائل إخوان الصفا تتمثل في··· أولاً:- طريق المعرفة، حيث يحصل الإنسان على علمه عن طريق الحواس أو البرهان، أو عن طريق التأمل العقلي، وهم يعلون من شأن علم الفلك والنجوم وتأثيرها على الناس والأحداث، وثاني هذه المرتكزات يتعلق بالمباحث الأربعة المتضمنة في رسائل إخوان الصفا، و منها مباحث الحكمة الطبيعية وتدور حول السماء والعالم وماهية الطبيعة وكيفية تكوين المعادن والموت والحياة، وكذلك النبات وأصناف الحيوان وماهية اللذات والآلام الجسمانية والروحية ··· ثم مباحث الحكمة الرياضية والتعليمية وتتعلق بعلوم الهندسة والحساب والمنطق والتنجيم والموسيقى والرسم··· وكذلك المبحث المتعلق بخلق العالم، حيث إن لديهم رأيا في خلق العالم مغايرا تماما لما ورد في الكتب السماوية، وآخر هذه المباحث يتناول الرسائل النفسية والعقلية، وأهم ما في هذا المبحث هو نظرية الفيض الإلهي باعتبارها ذات تأثير خطير على الفلسفة الشرقية، كما أن هذا المبحث يتناول علاقة النفس بالفيض الإلهي، وكذلك العلاقة بين النفس والخطيئة والتناسخ من خلال الاعتماد على آراء فيثاغورث الذي كان يؤمن بالتناسخ، وبالنسبة للبعث والمعاد والجنة والنار كان تصور إخوان الصفا لتلك الأمور يتفق تماماً مع ديانتهم النجومية··· وفي النهاية يؤكد الكاتب على أن إخوان الصفا هم أنفسهم صابئة حران وأن رسائل إخوان الصفا هي مزيج من الشريعة الإسلامية والفلسفة اليونانية، وأن تلك الرسائل ما كانت لتظهر إلا في مناخ الحرية والتعددية الفكرية الذي كان سائداً في الدولة الإسلامية آنذاك·
عدد اليوم
