الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«إيواء».. تعيد الحياة لضحايا الاتجار بالبشر

«إيواء».. تعيد الحياة لضحايا الاتجار بالبشر
23 أكتوبر 2014 23:58
لكبيرة التونسي (أبوظبي) مسحت دمعتها بكفها وطوقتني بيديها الصغيرتين، مسحتُ على رأسها، وانتظرتُ طويلًا قبل أن تستعيد هدوءها، فتاة لا يتجاوز عمرها 17 سنة، وقعت في شباك مجرمي الاتجار بالبشر. وهي إحدى نزيلات مراكز إيواء النساء والفتيات ضحايا الاتجار بالبشر في أبوظبي، الذي فتح أبوابه لـ «الاتحاد»، لتقصي أوضاع نزيلاته، اللواتي يحاولن التعافي من جروح نفسية غائرة بمساعدة متخصصين.. فقد جئن بحثا عن حياة كريمة، وما إن وصلن حتى أصبحن سلعة يتاجر بها. عالم خفي يحتضن المركز، الذي يتكون من فلل توحي بالحميمية، نزيلاته، ويقودهن إلى الأمان الروحي ويمكنهن من مهن وحرف، حتى بات فضاء تمسح فيه الدموع، وتندمل فيه الجروح، ما يخلق بيئة عمل مختلفة يصعب فيها تحييد المشاعر، وهو ما عبرت عنه المشرفة يسرا قدورة، التي تتعامل مع الضحايا بأمومة، محاولة تمكينهن من مهارات ومعالجتهن لمسح ذكريات أليمة. وتكشف حكايات الضحايا عالماً مختلفاً، يقتات على لحوم البشر، ولعل قصة الفتاة المطلقة، التي تبلغ من العمر 22 عاماً، خير دليل على ذلك، فبعد أن تدهورت حالة والدها الصحية فكرت في إيجاد عمل لتحسين ظروف عيش أسرتها الفقيرة، وتوسطت لها قريبة عند شخص يجلب تأشيرات عمل في الإمارات، مقابل 3700 درهم. وأكد لها أنها ستعمل خادمة براتب 600 درهم شهرياً، وعندما وصلت إلى مطار الشارقة عام 2012 نقلت إلى مكتب استقدام عمالة في إمارة عجمان، ثم حضرت سيدة وأخذتها لتعمل لديها في أبوظبي، واستمرت في عملها 7 أشهر، لكن انقطاع راتبها جعلها تهرب من منزل الكفيل. أوقفت سيارة أجرة لتفر، فاستغلها السائق، الذي أخذها إلى سيدة في دبي تدعى «روبي»، زاعماً أنها ستعمل لديها براتب أفضل. تقول الضحية: «دخلت الشقة فوجدت 3 فتيات آسيويات، وطلبت مني إحداهن أن أغير ملابسي، وآخذ قسطاً من الراحة، ثم أخبرتني أنها ستحضر رجالًا للبيت لاستغلالي». صرخت الضحية ورفضت وطالبت بإرجاعها لكفيلها، لكن روبي أكدت أنها «اشترتها» من سائق التاكسي، وإن أرادت المغادرة عليها أن تسدد لها المبلغ الذي دفعته، رضخت للأمر الواقع تحت التهديد، وظلت تتعرض للإهانة الجسدية يومياً. ظلت هكذا 8 أشهر، مؤكدة أنها لم تر يوما الشارع. واستمر الحال حتى ألقي القبض على روبي، فأخذها رجل آخر لفيلا في أبوظبي، وظلت تعمل لديه سنة كاملة، موضحة أنه كان يهددهن بإيذاء ذويهن، ولا يسمح لهن بالاتصال بعائلاتهن. واستمر الحال حتى ألقي القبض على العصابة وحولت الفتاة إلى إيواء. فلسفة التعاطي استقبلت مراكز إيواء للأطفال والنساء ضحايا الاتجار بالبشر، 16 ضحية منذ مطلع العام، وحول فلسفة التعاطي مع النزيلات، تقول سارة شهيل، مدير عام مراكز إيواء، إنها تسعى إلى إعادة البسمة إلى شفاه ضحايا هذه الجرائم التي تستهدف الإنسان في عمقه، بإعادة بناء مقومات الحياة قبل انطلاقهن في المجتمع من جديد، كما يهتم بأن يصبحن قادرات على الاندماج وتطوير ذواتهن، بحيث تقوده إلى الأمان النفسي، كما تمكنهن من حرفة يقدرن من خلالها تجاوز محنتهن، موضحة أن الهدف من تأسيس المراكز توفير الدعم العاجل وطويل المدى للضحايا والتنسيق مع الجهات ذات العلاقة وزيادة الوعي في المجتمع وبناء كادر بشري فعال، موضحة أن هناك ضحايا أصبح لديها وعي كبير بهذه القضية، وأصبحن ناشطات تقود حملات مناهضة للاتجار بالبشر. ووردت إلى «إيواء» في أبوظبي، حالات مؤثرة جدا، منها سيدة في الـ 45 من عمرها، تعد الضحية الأكبر سناً. تقول شهيل: «هذه الضحية غرر بها قريبها، وبعد قدومها للإمارات اكتشفت أنه جلبها لممارسة الرذيلة بالإكراه». وعن أصعب حالة جاءت للمركز، تقول شهيل إنها تتعلق بسيدة أفريقية كانت تستغلها سيدة من جنسيتها إلى جانب 12 سيدة أخرى. ولأنها كانت تصر على رفض ما يمارس عليها حُرمت من الطعام والشراب، ولدى إصابتها بنزيف حاد رمتها المرأة التي تستغلها في الشارع بعد أن اتصلت بالإسعاف، فتم نقلها إلى المستشفى والقيام بالفحوصات وأخذ أقوالها ليتبين أنها مصابة بفقدان المناعة المكتسبة (الإيدز) والسرطان في مراحله المتأخرة، وبعد علاجها وإنهاء كل الإجراءات تم ترحيلها إلى بلدها، حيث كان حلمها أن ترى ولدها البالغ من العمر 16 سنة، لتموت بقربه. وبعد أربعة شهور من مغادرتها توفيت. وتوضح شهيل أن «إيواء» استمرت بالتواصل مع ابنها ودعمه بعد أن كانت تساعد أمه في نفقات العلاج. وعن التأهيل النفسي، توضح شهيل «التمتع بصحة نفسية جيدة حجر الأساس في علاج الضحايا». وفي هذا الإطار، تذكر عايدة نور، أخصائية نفسية في مراكز إيواء أبوظبي، أن «الضحية تعاني عند استقبالها من اضطراب نفسي كبير، ولا تصدق أنها في أيد أمينة، وتشكك فيما تلقاه من حفاوة لأنها فقدت الثقة بالناس، حتى أن هناك من تضع سكينا تحت وسادتها ليلا». وتقول «من الطرق العلاجية التي ننتهجها تمارين الاسترخاء، والموسيقى، والتفريغ الانفعالي، والرحلات، والعمل بطرق مختلفة عبر خطة مدروسة لاستعادة الثقة بأنفسهن». وحول الحرف التي تحرص المراكز على إكسابها لنزيلاتها، تقول شهيل «نعلم الضحايا حرفاً يدوية وصناعات تناسب ميولهن، ونتعاقد مع فنادق لتدريبهن، ونعلمهن تنسيق الزهور، والرسم على أيدي خبراء ومدربين محترفين ومتطوعين، بالإضافة إلى مهارات منها تغليف الهدايا، وغزل الصوف والكروشيه». سد الثغرة حققت الدولة إنجازات غير مسبوقة في مجال محاربة الاتجار بالبشر، منها، وفق سارة شهيل، تأسيس مركز لإيواء الضحايا من الذكور العام الماضي، لم يستقبل أي حالة إلى اليوم. وتذكر أن التقارير الدولية عن الإمارات كانت تشير دائماً إلى ثغرة عدم وجود مركز للذكور، وبناء على ذلك أسسنا المركز، وهو جاهز لاستقبال أكثر من 20 حالة استغلال سواء السخرة كتشغيل عمال في أكثر من مكان مقابل أجر واحد، أو الاستغلال الجنسي». بلد بديل أفرزت الظروف المضطربة، التي تعيشها مناطق من العالم، تعاملات جديدة مع ضحايا الاتجار بالبشر، الذين كانوا غالبا ما يرحلون إلى بلدانهم بعد تأهيلهم، واستخراج أوراقهم، واستكمال التحقيق معهم، لكن نظراً لعدم الاستقرار الذي يشهده كثير من بلدان الضحايا، فإن إيجاد بلد بديل أصبح أمراً ملحاً بالنسبة لبعضهم. عن هذا الجديد، تقول سارة شهيل «هناك ضحايا لا يستطيعون العودة لبلدانهم، بسبب الحروب أو العار، أو الثورات والكوارث؛ لذا أصبحوا يطلبون ترحيلهم لبلد بديل، وفي هذا الإطار تم التعاون مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين لإيجاد بلدان مستعدة لاستقبال مثل هذه الحالات، وبعد استكمال الكثير من الإجراءات استفادت 3 ضحايا من هذا الإجراء، حيث استفدن من الجنسية، والسكن والدراسة والعمل، فيما هناك أربع أخريات بصدد استكمال الإجراءات». خطوات احتضان الضحايا إعادة تشكيل وجدان الضحايا وإشعارهم بالأمان، وإعادة ثقتهم في الحياة وفي الناس. إدماجهم في حياة أسرية، والاتصال بذويهم، والسماح لهم بمكالمتهم تحت إشراف مختصين، وتحويل مبالغ مالية لهم عبر منظمات حقوقية. إكسابهم مهارات وحرف يدوية تعينهم على تأمين الدخل. ترحيلهم إلى بلدانهم أو إيجاد بلدان بديلة تقبل استقبالهم.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©