الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الناقد عندما يكون ممثلا

الناقد عندما يكون ممثلا
11 مارس 2009 23:50
ليس من قبيل التوهم القول بأن المواجهة بين الأدب والناقد هي من حيث الجوهر درامية بحد ذاتها، ''إن ما أتذوقه في قصة من القصص ليس هو مضمونها مباشرة، ولا بنيتها ولكني أتذوق بالأحرى الخدوش، إنني أركض، وأقفز، وأرفع رأسي، وأعود للغوص ثانية''، إن رولان بارت يقرر حالات درامية يمر بها القارئ إزاء فعل النص، فكما أن الدراما فعل، فالنص فعل تكوين، لا يتحقق إلا حينما ينظر إليه كفعل تم واكتمل وتبلور في مادّة نصّية، فمثلما تكره الدراما الرتابة يكره النص السكونية لأنه صيرورة وتحويل وزعزعة وصعق وتحدّ للواقع والجمود وفي هذا تكمن دراميته أو ديناميته التي أطلق عليها نقّاد ''تيل كيل'' النص الأقصى، وبهذا نستطيع أن نسوّغ قول باتر: ''يطمح الأدب برمّته إلى بلوغ حالة الدراما'' بل يطمح القرّاء إلى بلوغ حالة الدراما مع النص، فإن كانت الدراما تولّد نوعا من الرد الفعل الجمعي فإن الدرامية تولّد نوعا من رد الفعل المنصب في القارئ، ومن قبيل المفارقة أن يشبه داوسن الممثل المحض بالقارئ، فهو ـ أي الممثل ـ يجب أن يجمع اهتمام القارئ المدقق في النص إلى ما يستطيعه من اهتمام شديد بضرورات التمثيل الفعلي وإمكاناته ليكون قارئا مثاليا· إن ثمة تواصل عميق بين المسرحية والرواية والملحمة والقصة والأسطورة والحكاية والنكتة والخبر، وذلك لأن جميع هذه الأنواع الأدبية تؤدي وظيفة واحدة في جوهرها وفي أعماقها، ألا وهي نبش الدرامية المبثوثة في الوجود والمجتمع والنفس البشرية، وكما يقول يوسف اليوسف: إن حربا بين جيشين، أو تعارضا بين قوتين اجتماعيتين، أو صداما بين كوكبين، أو شجارا بين رجلين أو طفلين، أو عملا يستهدف استصلاح الأرض للزراعة، كل هذا هو أنماط وتجليات متنوعة لجوهر واحد، هو الدرامية، بل والأكثر من ذلك أن في وسعنا أن نرى الدرامية في طفل يلعب وحده بكرة من الكرات، أو في خطيب يتفجر الكلام على لسانه كالسيل الهادر، وما ذلك إلا لأن الدرامية هي الحيوية والحركة قبل كل شيء، ولما كانت الأشياء حية على الإطلاق فإن الدرامية تنبث في كل زمان ومكان على الإطلاق، بحيث يسعنا أن نقول دونما تحفظ بأنّ ما هو بريء من الدرامية براءة متطرفة، بل مطلقة هو الجنة، حيث تسترخي القوة الروحية وكأنها في سبات أبدي·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©