الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أساطير الطاقة الجنسية عند المرأة

أساطير الطاقة الجنسية عند المرأة
11 مارس 2009 23:55
تنطلق الباحثة وينيفريد لوبل في كتابها ''تحولات باوبو: أساطير الطاقة الجنسية عند المرأة'' من سجل أدبي صغير يتضمن نكات باوبو وحركتها في رفع التنورة لتقدم دراسة مقارنة شاملة ابتداءً من العصور القديمة ومروراً بالعصور الوسطى، ومن أوروبا ومصر حتى سيبريا والأميركيتين تتناول فيها الأشكال القديمة المحفورة والمنقوشة والمنحوتة التي ترمز للطاقة الجنسية عند المرأة والتي تستدعي القمع على الرغم من أن صورة باوبو والضفدعة تحملان المعنى الجوهري المنحدر من طقوس الخصب منذ الزمن الزراعي الذي شكل أساس الحضارات القديمة· وقد نشأت تلك الصور تعبيراً عن الرعب الذي كان يعيشه الرجل في مواجهة الجنس المؤنث والطاقات الإنجابية للمرأة· تؤكد الباحثة في مقدمة الكتاب أن فكرة هذه الدراسة المقارنة تولدت عندها من خلال إشارة ظهرت في رسوم وحفريات وأشكال مختلفة تتضمن وضع القرفصاء الذي اتخذته تلك الأشكال على أعضائها الجنسية الخارجية مما استدعى منها العمل على جمع تلك الرسوم التي تكرر ظهورها في أيقونات مختلف حضارات العالم وقد قادها التدقيق فيها إلى اكتشاف الطريقة الخاصة للإغريق في تصميم إشارة مشابهة تتضمن كلمة تحمل معنى أن ترفع المرأة تنورتها، كما أن التراث الكلاسيكي القديم تضمن تلك الإشارة المرتبطة غالباً بشخصية خادمة تدعى باوبو الذي هو اسم مزور لأيامبي مما حفزها على فهم دور تلك المربية القديمة، ولذلك تخصص الفصل الأول من الكتاب للإجابة عن سؤالها حول حقيقة تلك الشخصية ومن أين جاءت وما الذي تحمله من دلالات، إذ تؤكد أن باوبو هي اسم من أسماء إمرأة يونانية ميثولوجية كانت خادمة أو مربية مدمنة على الخمر لربة القمح ديميتر لكنها ترى أن هذه الشخصية تمثل رمزاً أقدم لقوة الجنس وطاقته عند المرأة، وهي لم تكن ربة أو شيطانة ليلية، وإن كان اتهمت بهاتين الصفتين· الأصل الزراعي للأسطورة تعيد الباحثة أصل تلك الشخصية الميثولوجية إلى الشعائر الزراعية الإخصابية القديمة جداً لكنه في الثقافات الأبوية المتأخرة تلاشت تلك الشعائر تحولت باوبو إلى مخلوقة غامضة من طقوس نسيت منذ زمن بعيد حيث اختلطت رمزيتها بالفحش، ثم تشير إلى أنه لا يمكن فهم تلك الشخصية بوصفها شخصية محلية أو رمزاً ثقافياً فريداً لأن صورتها عابرة للثقافات والعصور وهو ما توضحه من خلال مجموعة من الأساطير الحثية والمصرية والسومرية واليابانية والفلبين المعاصرة· أما شخصية إيامبي الحكيمة فظهرت في أقدم دليل مكتوب بوصفها شخصية ميثولوجية فاعلة وقد تحولت تلك الحكيمة إلى باوبو الخشنة في القصائد الأورفية في القرون المتأخرة لكنها تبحث في أصلها من خلال دراسة جذر الاسم عند الأغريق والذي يشير إلى أصلها الغريب الذي يحتمل أنه يعود إلى الثقافة السومرية ـ البابلية التي كانت تشتمل على ربة بدائية تدعى باو حكمت على المياه المظلمة في الأعماق أو الفراغ وقد كان لهذه الربة أسماء متعددة مثل بايف أو بعلات ومن هناك انتقلت إلى جميع مناطق العالم· ومن خلال مراجعتها لما قدمه الباحثون الذين جمعوا الأساطير والصور الخاصة بباوبو تكتشف عدم الاتفاق حول أصولها ومعنى إشارتها وأهميتها الأسطورية وتقدم أمثلة كثيرة مما كتبه هؤلاء الباحثون عنها كما تعرض للعديد من الدراسات الخاصة بالطاقة الجنسية حيث تعيد بعضها باوبو إلى مصر البطليموسية· وفي نقلة سريعة تقوم الباحثة بالانتقال من شخصية إيامبي/ باوبو إلى الكهوف والملاجئ الصخرية التي كان يأوي إليها أبناء العصر الجليدي الأخير حيث يتبين من خلال الأشكال القديمة أنها صنعت لتخدم حاجات روحية وليس للإثارة فالفرج كرمز لقوة مقدسة لم يكن خاصاً بأوروبا بل وجد في بوليفيا ونظراً لأن تلك الأشكال وجدت مع صور الصيد فقد فسرت على أنها علامات خصب لإثارة الصياد للحيوانات· الجسد المقدس والمدنس وتفرد الباحثة لموضوع الجسد في الفن القديم فصلاً خاصاً تتناول فيه الإشارات التي تحيل عليه حيث ظهر فيها لباوبو ثلاث صور هي رفع الذراعين وإشارتها لرفع التنورة وجلوسها القرفصاء ثم تقوم بدراسة الوضعية الأولى باعتبارها ترمز في منطقة البحر المتوسط إلى الحزن واحترام الموتى إضافة إلى كونها إشارة قديمة لما هو مقدس أو علوي وتقدم العديد من الأشكال التي توضح ذلك في الثقافات القديمة أما إشارة القرفصاء التي تظهر متكررة في الفن القديم فهي تدل على الولادة في حين أن معاني شكل الضفدع أو العلجوم فإنها تشترك مع وضعية القرفصاء واستخدمت منذ العصور الباليوليثية المتأخرة كرموز للأنثى باعتبارها واهبة الحياة المقدسة وقد اتخذت الربات المصريات هذا الشكل امرأة برأس ضفدع في حين يرى باحثون أن أصل مفهوم باوبو يعود إلى بلاد ما بين النهرين ومنها تسرب إلى مصر ومن هناك إلى اليونان· ولعل قصة ميدوزا تشير إلى التحول الكبير الذي طرأ على باوبو باعتبارها فرجاً مقدساً واهباً إلى الشمطاء الداعرة التي تمثل خلاصة المخاوف الذكورية عن قوة وأخطار جنسية الأنثى· وإذا كانت إيزيس هي أنا باوبو المعدلة، فإنها كانت تمثل ربة شعبية جداً يدل عليها العدد الضخم من التماثيل التي اكتشفت وقد تحولت من رمز للخصب السحري إلى باوبو الساحرة التي تجلس على ظهر خنزيرة والتي ترمز للمتعة والشر· وتؤكد الباحثة أن الصور الهلينية المكتشفة تتداخل مع حيوانات مأخوذة من التقاليد القديمة التي كان المقدس فيها يعبد في شكل حيوان وشكل إنسان معاً، ولعل المقدسات في مصر قد ظهرن في مظهرين شكل حيواني وشكل إنساني وقد تجلت روح باوبو في عبادة الرب الثور المصري· باوبو وأخواتها الشريرات استمرت الاحتفالات بشعائر الخصب في الأمبراطورية الرومانية حتى القرن الرابع حيث سادت فيما بعد العقائد اليهودية والمسيحية وأثناء ذلك كانت باوبو قد انفصلت عن إيزيس التي تدنت إلى مستوى أمومي وتدريجياً أصبحت صورة إيزيس مع أنها حورس في حضنها تتسرب في ليجندة مريم العذراء وتخيلاتها وفي عبادات مادونا المتأخرة ما قاد إلى تحول باوبو المريرة من الشعيرة المقدسة إلى شعائر الإزدراء حيث لم تغب صورتها ولكنها تحولت في الشكل، إذ لم تعد الطاقة الجنسية للمرأة والتي كانت جزءاً متمماً لعبادة باوبو/ إيزيس تنسجم مع مبادئ الكنيسة المسيحية التي تحول فيها الجسد العاري للمرأة مشخصاً بحواء هو الضلع الفاسد من أضلاع آدم فأصبحت حواء رمزاً للخطيئة والجنس والموت وهذا ما تفسره الصور الأنثوية المضحكة الموجودة في الكنائس الرومانية إذ إن وظيفة تلك الصور هي تثبيت موضوع الخوف من المرأة· وفي نهاية الكتاب تثبت الباحثة مختارات من أساطير تعكس روح باوبو وهي أساطير مستمدة من ثقافات مختلفة لكنها تتشابه في بنيتها حيث نجد فيها أن كل ربة تنسحب غاضبة مخزية بفعل سوء أفعال الآخر الأمر الذي يشير إلى انسحاب القوى الحيوية للتناسل بحيث يصبح الوجود البشري معه مهدداً، في حين يكرر السرد الأسطوري موضوع الطاقة الجنسية للنساء وقوتها·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©