الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

"أردوغان" الطامح نحو المجد يريد الحكومة والرئاسة معاً

20 يناير 2007 23:36
أنقرة- سيد عبدالمجيد: المعد طرح السؤال والضيف أجاب لكن باستفاضة يحسد عليها، الجمل التي قيلت بدت وكأنها اختيرت بميزان من الذهب بيد أن مفرداتها جاءت مرتبة بمنتهى الدقة، ورغم أن شخصية الحوار هو رجب طيب اردوغان رئيس الحكومة إلا أن المجال لا يتحمل الخروج على النص، فالحوار خاص للقناة الإخبارية الشهيرة الـ NTV· ومع لحظة انتهاء البرنامج كان طبيعياً أن يطرح هذا السؤال: ما الذي يمكن استخلاصه من الحديث الذي أذيع على الهواء مباشرة ولمدة ساعتين كاملتين؟ الإجابة لا شيء! فالرأي العام بدا مترقباً يريد أن يسمع كلاما محددا بخصوص السجال الدائر منذ شهور حول من يخلف الرئيس الحالي أحمد نجدت سزر والذي تنتهي ولايته في نهاية إبريل القادم· والحق بدت قطاعات عريضة من الرأي العام تواقة في أن تسمع من اردوغان نفسه أنه لن يرشح نفسه للمنصب الرفيع· غير أن الأخير خالف الظنون، وراح يلف ويدور بالعبارات المرتبة سلفا دون أن يفصح عن عزمه· اللا شيء يساوي أزمة اللا شيء هذا يعني أن الأمر ليس يسيرا، فالقضية ـ التي صارت العنوان الرئيسي في الإعلام اليومي ـ باتت معقدة خاصة مع تناقض رؤى القوى الفاعلة في الحياة السياسية من جانب، ومخاوف جماعات المصالح كرجال المال والأعمال في أن تصبح القضية أزمة مستعصية تعيد مؤشر البورصة إلى الوراء من جانب ثان، ومن جانب ثالث وهذا هو المهم رفض المؤسسة العسكرية والذي لا يحتاج إلى إعلان في أن يكون الجالس على مقعد الرئاسة بشنكاياي (القصر الجمهوري) هو اردوغان تحديدا والأخيرة لا تتحرك من فراغ فهناك قوى اجتماعية تساندها بل وتطلب منها صراحة عدم الابتعاد· أضف إلى ذلك الفاعلين سواء في السلك القضائي أو العملية التعليمية الموصوفين بالعلمانيين المتشددين فهم إجمالا ضد العدالة والتنمية واردوغان بشكل أساسي· المثير في هذا الصدد هو أن رئيس الحكومة نفسه يعلم كل ذلك بيد أنه كان - ولا زال- يتمنى لو أن المشهد السياسي غير ذلك، بمعنى أن يكون أقل كراهية وأكثر تسامحاً، والدليل على ذلك عدم إفصاحه عن رغبته الحقيقية· والهدف تأجيل ساعة المواجهة على أمل أن يرضخ الجميع للأمر الواقع، وللعملية الديمقراطية خاصة وأن الأغلبية التي يتمتع بها حزب العدالة والتنمية هي السند الوحيد لمرور اردوغان إلى سدة الرئاسة · المنصب قبل فوات الأوان ولأن الأغلبية لم تعد مطلقة هنا يأتي إصرار رئيس الحكومة برفض فكرة إجراء انتخابات برلمانية مبكرة وقبل الاستحقاق الرئاسي تحديدا والذي يتم من خلال البرلمان كل سبع سنوات حسب الدستور، وهو ما تطالب به المعارضة متمثلة بصورة أساسية في الشعب الجمهوري، بالإضافة إلى الرئيس الحالي احمد نجدت سزر والسبب معروف وهو أن العدالة الحاكم لا يضمن حصوله على الأغلبية في حال إجراء الانتخابات النيابية وحتى يزداد الأمر تعقيدا والتباساً يدرك الواقع السياسي أن اردوغان بطموحه الجارف لا يريد فقط منصب الرئيس، الشرفي أكثر منه تنفيذي، بل يسعى لأن يصبح رئيسا لتركيا، وليس رئيسا للجمهورية التركية· والفارق هائل بيد أن الكواليس بمقر الحزب بحي بلجت الشهير بالعاصمة أنقرة تتحدث حتى هذه اللحظة عن نزوع جارف من قبل رجب طيب اردوغان نحو النموذج الرئاسي الأميركي فقيل نقلاً عن لسان اردوغان نفسه: هل سمع أحد في العالم من يقول بوش رئيس للجمهورية الأميركية ؟! هذا هو بيت القصيد !! الماضي يعيد نفسه قبل أسابيع خرج شقيق تورجوت أوزال بحديث مثير تنبأ فيه باغتيال اردوغان مثلما اغتيل الرئيس الراحل الذي تولي رئاسة الجمهورية التركية في الفترة من 1989 وحتى وفاته الدرامية في 17 إبريل ،1993 ورغم أنها كانت غيبوبة سكر تلك التي أصيب بها رئيس الحكومة الحالي في 17 أكتوبر الماضي إلا أن قطاعاً من الرأي العام سرعان ما ربط كلام الاغتيال بتلك الواقعة· لكن بعيداً عن ادعاءات عائلة الرئيس الراحل المصرة على أن أوزال مات مسموماً سنتوقف عند دلالة المقارنة فاتورجوت أوزال كان يحلم بان يكون رئيسا لتركيا وفقا للنموذج الأميركي والدليل على ذلك أنه ما أن صعد إلى منصة الرئاسة حاول أولا أن يحصل على صلاحيات تنفيذية لم يستطع أن ينالها بحكم الدستور فأخذها عنوة بفضل كاريزمته الطاغية والتي كادت تقترب من كاريزما مصطفى أتاتورك مؤسس تركيا الحديثة وثانيا حاول أن يكون انتخاب رئيس الجمهورية بالانتخاب المباشر وليس عن طريق البرلمان إلا أن رئيس الحكومة آنذاك سليمان ديميريل وقف له بالمرصاد ووأد كافة المحاولات الرامية إلى تغيير طريقة اختيار رئيس الجمهورية ومن سخرية الأقدار أن ديميريل نفسه وعندما أصبح رئيسا للجمهورية حاول المسلك نفسه لكن البرلمان أجهضه وها هو اردوغان يعود من جديد لطرح الماضي وبنفس التفاصيل فهل سينجح ؟؟ لا لفض الاشتباك الإجابة من الصعب التكهن بها لكن الثابت هو أن تغيير طبيعة منصب الرئيس من الصعوبة بمكان، أما مسألة تولى اردوغان منصب الرئيس فهذا أمر كما سبق الإشارة مرهون برضاء أطراف عديدة منها المؤسسة العسكرية· صحيح أن علاقة الجيش بالسياسية موضوع قديم نسبياً ـ إذ أنه تلازم مع صعود الجمهورية الكمالية على جسد الإمبراطورية العثمانية في عشرينات القرن الماضي ـ وصحيح أيضا وجود مسعى لتقليص نفوذ هيئة الأركان العسكرية في سياق سعي أنقرة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وهو ما تم بالفعل عبر تغيير بنية مجلس الأمن القومي بعد أن كانت الأغلبية فيه للعسكريين صارت الغلبة فيه للمدنيين، ثم انعقاده مرة كل شهرين وليس كل شهر، كل هذا أعطى انطباعاً أن زمن سيطرة الجيش ولى إلى الأبد· لكن يبدو، أن هذا الاعتقاد غير دقيق، فعلى حسب قول صادر من داخل المؤسسة النافذة: لا لفض الاشتباك بين الجيش والسياسة زاد على ذلك خروج تصريحات على لسان مسؤولين عسكريين عكست بدورها توتر حاصل بالفعل بين هيئة الأركان والحكومة وفي مصادفة غريبة لا يمكن أن تغب دلالتها عن فطنة أي مراقب أذاعت شبكة NTV الإخبارية تقريراً صادراً من جهاز الاستخبارات التركي يشير إلى أن الفعاليات الدينية الرجعية حسب التسمية التركية في زيادة مستمرة، وأن الأحزاب السياسية ومن أجل المزايدة على معاناة المواطنين من جراء الأوضاع الاقتصادية فتحت أبوابها للمتشددين تحسباً لانتخابات قد تكون على الأبواب· المفارقة هنا أن المستهدف من التقرير، التيارات الأصولية والأحزاب السياسية معاً، مع ملاحظة أن استخدام صيغة الجمع بالنسبة للأحزاب السياسية جاءت لتجنب ذكر حزب العدالة والتنمية وأن كان هو المقصود الأساسي التشدد يعود لهيئة الأركان ومع صعود الجنرال يشار بويك آنك المعروف عنه تشدده وتصلبه في القضايا القومية فضلا عن إيمانه المطلق بمبادئ الجمهورية الكمالية لمنصب رئاسة الأركان خلفاً للجنرال حلمي أوزكوك الذي أحيل للتقاعد بات واضحاً أن فصل الجيش عن السياسة لا يعدو كونه إجراءً مكتوباً فقط على الورق دون سند حقيقي له في الواقع المعاش وها هو جان جوندر الصحافي الشهير يدير ندوة في كبرى القنوات الإخبارية بعنوان واحد فقط ألا وهو: الجيش والسياسة· ولم يعد الأمر خافياً على أحد أن القائد الجديد لا يكن أي ود للحكومة الحالية وكذا رئيسها· ''فآنك'' لن ينسى بطبيعة الحال ما كان يحاك ضده في الخفاء على خلفية قضايا فساد حاولت الحكومة زيادة حدتها أثناء توليه منصب قائد القوات البرية، وكان واضحاً أن اردوغان حاول عرقلة صعود آنك إلى رئاسة الأركان لإدراكه أنه سيكون حجر عثرة في طريق صعوده لرئاسة الجمهورية، الطريف أن رئيس الحكومة وبطريقة ما حاول تسريب معلومة تفيد أن الحكومة لن تمانع في مد خدمة الجنرال حلمي أوزكوك رئيسا للأركان لكن مكتب الأخير أصدر بياناً أكد فيه أن المؤسسة العسكرية لها تقاليد ليس من بينها حب البقاء في السلطة وأن الجنرال أوزكوك سينهي خدمته في الميعاد المقرر دون تغيير· وهكذا تتضح صعوبة الموقف أمام اردوغان وعلى الرغم أن عملية اختيار رئيس الجمهورية باتت قاب قوسين بيد أنها أمامها ثلاثة أشهر فقط إلا أن هذه الشهور تبدو بالنسبة للعدالة والتنمية الحاكم وكأنها سنوات فالمعركة ليست سهلة، والطيب رجب اردوغان يعلم أن لديه أغلبية بالبرلمان، لكن ما الذي يضمن أن تستمر الأغلبية بنفس عددها حتى موعد قيام البرلمان بانتخاب الرئيس الجديد للجمهورية التركية···
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©