الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

سيرة حياة حقيقية تفضح القسوة وتعلي التسامح في جنوب أفريقيا

22 يناير 2007 01:21
سعد جمعة: ''القبض على النار'' هذا هو عنوان فيلم للمخرج ''فيليب نويسي'' يتحدث عن سيرة احد مناضلي جنوب أفريقيا وبالتحديد في عام 1980 إبان نظام الفصل العنصري، وهو الاسم أيضا المأخوذ من البوم غنائي للمغني الجامايكي الأسطوري بوب مارلي Catch a Fire ·· ولكن كيف يتم قبض هذه النار؟ يروي الفيلم سيرة المناضل ''باتريك تشاموسو'' الذي دفعه المحتل غصبا إلى التمرد ليس على الحكومة العنصرية فقط، بل التمرد على حياته ومساقها التقليدي والهادئ منذ أن كان في سن الصبا، حيث ترعرع في أحد أهم حقول النفط إلى أن تدرج في عمله وأصبح رئيسا للعمال، وعلى الأسرة وعلى حبه لكرة القدم وانحرف تماما إلى حياة أخرى وهي التي لا تختلف عليها البشرية على أنها حياة العزة والكرامة· الحكاية يبدأ الفيلم بالرقص الذي يعد الهواء لكل القارة السوداء، حيث يكون بطل الفيلم ''باتريك تشاموسو'' الذي يقوم بدوره '' ديريك لوك'' في طريقه إلى حضور حفل زفاف وبرفقته زوجته الحسناء وابنتيه ووالدته، وفيما هذا الفرح يستمر بالرقص والغناء، يقوم أحد أعضاء المؤتمر الوطني بتفجير أحد سكك الحديد، وهكذا يتم استنفاد جنود الاحتلال لقطع الطرق وتوقيف كل من يمر قرب هذا الطريق والشك في الجميع واعتقال الرجال والنساء والأطفال، وبعد أن يتم التأكد من هوية باتريك شاموسو يتم اطلاق سراحه مع اسرته· وتتوالى بعد ذلك الأحداث، ويبرز سيناريو الفيلم باتريك على انه عاشق لكرة القدم، حيث يقوم بتدريب مجموعة من الأطفال على لعب كرة القدم وينجح في تشكيل فريق يخوض دورة للفتيان ويفوز بها ثم يقضي وقتا من الزمن مع امرأة قدمت على أنها عشيقته ولديه منها ابن لم يعترف به، ليقوم بعد ذلك بتوصيل الفريق المكون من الصبية إلى المنطقة التي يقيمون فيها·· وفي هذه الأثناء يتم التصاعد الدرامي لينتقل الفيلم في جزئه الثاني من خلال عملية تفجير تتم في حقل النفط الذي يعمل فيه باتريك · وهنا يعتقل باتريك على اعتبار انه من المسؤولين الرئيسيين الذين يملكون سلطة دخول حقل البترول الأرضي ويقدم كل الأدلة على انه بريء، إلا أن الشك بقي يدور حوله كون المحقق يكتشف بان هناك زمنا لم يحدد فيه باتريك تواجده وهو الزمن الذي يتم فيه التفجير داخل حقل النفط· وهذا الزمن هو الفترة التي قضاها باتريك عند عشيقته·ولكونه يحب زوجته يرفض الاعتراف بالمكان الذي قضى فيه هذا الزمن ليتعرض إلى أقصى صنوف التعذيب حتى انه يفقد احد أصدقائه الذين اعتقلوا معه·· وفي احد أبشع المشاهد التي تقدم الجلاد وهو مسعور وفاقد لكل القيم الإنسانية يكتشف باتريك وهو في زنزانة التحقيق بعد أن تفك العصابة التي على عينه بان زوجته'' بريشوس'' التي قامت بدورها '' بوني هينا'' أصبحت من المعتقلين وأنها تعرضت لكل صنوف التعذيب حيث بدا وجهها الجميل (وهي التي كانت ملكة جمال في يوم ما حسب ما قدمها الحوار في الفيلم) مكسورا وعليه الكثير من الكدمات، مما أثار باتريك ليوجه جملة إلى الجلاد بان ''أي نوع من الرجال أنت حتى تعذب امرأة'' ويعترف بذنب لم يرتكبه ولم يكن أبدا سببا فيه، ويقدم للجلاد نفسه على أنه من قام بالتفجير داخل حقل النفط· التحول يقدم الفيلم باتريك على انه رجل مسالم إلى أقصى حد، رجل يحب كرة القدم وزوجته وأمه وأبناءه حتى عشيقته انه يحب الحياة ولا يشارك مطلقا مع أي هتاف أو مشروع ضد حكومة الفصل العنصري، حتى حين كانت أمه العجوز تستمع لخطابات نيلسون مانديلا عبر المذياع يقوم بتغيير القناة ويطلب منها الانشغال بأشياء أخرى· عندما يشعر الإنسان بالظلم فإنه بالتأكيد يكون على استعداد بان يقوم بأي شيء لدحر هذا الظلم، لكن عندما يتعرض الإنسان للظلم شخصيا ويمعن الظلم بان يعتدي عليه جسديا بالتعذيب ويتمادى هذا الظلم بان يصادر حقك بالعيش بسلام في بلدك، فإن تحولا ما لابد أن يحدث في الشخصية، تحول هو سريع عند البعض وبطيء عند آخرين لكنه في الأخير يحدث، وهذا ما تحقق في الفيلم وحدث لشخصية باتريك، وذلك من خلال بعض المشاهد التي جسدت هذا التحول وهو أنه لم يعد يغير موجة المذياع عن أمه بل يرفع الصوت ليصدح صوت نيلسون مانديلا عاليا بخطبه الرنانة حول الحرية واستعادة الحق المغتصب، يترك أمه، يترك زوجته تلاقي مصيرها في الحياة يبتعد عن أبنائه، ويذهب بعيدا يذهب إلى '' موزمبيق '' حيث يتدرب عناصر المؤتمر الوطني على السلاح، ذهب هناك كي يكون مناضلا ضد نظام الفصل العنصري كما يرى كل إنسان حر بأن الذي يقاتل المحتل مغتصب الأرض ومصادر الحرية هو ''مناضل'' وليس ''إرهابيا'' حسب وجهة نظر المغتصب· وبما إن المؤتمر الوطني مخترق كثيرا من قبل مخابرات الفصل العنصري ( حسب ما يقدم الفيلم) يتم التصاعد الدرامي بشكل سريع جدا في الفيلم الذي مدته ساعة وواحدة وأربعون دقيقه، حيث هناك في ''موزمبيق'' يتم التعرف على الخلية التي تتدرب على السلاح ويتم مداهمتها وقتل العديد منهم، مما يدفع هذا الأمر للقيام بعملية رد فعل سريعة وقوية ضد نظام الفصل العنصري، ويتم هذا من خلال أن يقدم باتريك معلومات دقيقه عن حقل النفط وعلى أن يقوم بها هو شخصيا نظرا لمعرفته الدقيقة بالحقل، وهنا تتبع المخابرات حركة باترك وتسمح له بالدخول إلى جنوب أفريقيا بجواز سفر مزور لتتعقبه داخل الجنوب، ويكتشف باتريك ، الأمر ويتمكن من الإفلات من المخبرين، وهنا يشن فريق المخابرات حمله مكثفه لكل من يعرفهم باتريك وكان منهم والد احد فتيانه الذين كان يدربهم كرة القدم والذي اعتقل مع ابنه الصغير، ويتعرض إلى التعذيب، لكنه لم يعترف بمكان باتريك إلى أن جيء بالصبي الصغير ليشاهد أباه وهو تكال إليه صنوف التعذيب في مشهد دنيء للغاية يفضح بأن ما تحت القفص الصدري للمحتل هو قطعة من الحديد وليس قلب·· ويعترف الصبي بمكان باتريك، إلا أن بطل الفيلم يكون قد بلغ موقع الحقل النفطي وفجر فيه عددا من المواقع وفر هاربا· يحدث هذا إلى أن معلومات تصل لمخابرات نظام الفصل العنصري الذي بدوره يقدم معلومات مغلوطة لزوجة باتريك تمثلت في صور لباتريك مع امرأه حامل هي في الأساس احد عناصر المؤتمر الوطني والتي كانت بمثابة دليل لباتريك، وهنا تعمل الغيرة في صدر الزوجة ( حيث تعمى العين ويشل العقل عن التفكير وتتهاوى حتى اكبر القيم نظرا لأن القلب قد جرح وبقوة) وبدورها لم تتوان الزوجة من أن تدل المخابرات إلى مكان العشيقة التي قضى عندها باتريك الوقت الذي تم فيه التفجير الأول للحقل والذي اتهم بأنه كان من مدبريه أو منفذيه ولم يكشفه سوى الزوجة· وعند هذه العشيقة يتم اعتقاله·· يعلن في موقع التعذيب أمام المحقق وضابط المخابرات ''نيك فوز'' الذي قام بدوره '' تيم روبينز'' بأنه غير مهتم بأي شيء وانه ليس خائفا حتى من الموت مؤكدا بان ما فعله شيء مشرف ومدعاة للفخر وانه بمثابة تكريم لأبنائه وليس عارا·· ليوجه بعدها الكلام للمحقق: وأنت ماذا ستقول؟ تماما كما حدث لمانديلا، تم الحكم على باترك بالسجن أربعة وعشرين عاما وهذا ليس على سبيل الشفقه ولكن كي لا يتحول هؤلاء المناضلون إلى رموز عند شنقهم· درس السلام يعتني المخرج '' فيليب نويسي'' كي يقول احد أعظم دروس السلام في التاريخ الحديث من مدرسة مانديلا، حيث يقدم عددا من أهم قادة المؤتمر الوطني الأفريقي وهم عائدين بالباخرة إلى جوهانسبرج بعد أن خرج الأب والزعيم الروحي للمؤتمر الوطني الأفريقي نيلسون منديلا من معتقله ليقود حركة السلام في الجنوب بالرغم من كل القسوة التي مارسها نظام الفصل العنصري ضد المواطنين السود· ويشكل المشهد الأخير من الفيلم تحقق هذا الدرس، حيث تتاح الفرصة بكل وسائلها لباتريك بأن ينتقم ويسدد رصاصة في رأس ضابط المخابرات الذي قام بملاحقته وتعذيبه واعتقاله·· إلا أنه يصل إلى أن يقبض على الجوهرة البراقة في داخله، ألا وهي السلام والتسامح من خلال القبول بحياة جديدة يسودها الحب والرغبة في البناء، مؤكدا بذلك على جملة منديلا عندما علق على مشهد طفلين من جنوب افريقيا اسود وابيض يضعان يديهما في يد بعض في أحد احتفالات التخلص من نظام الفصل العنصري بقوله : هكذا نريد جنوب أفريقيا الجديدة ·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©