الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

"نافذة" - نساء..

22 يناير 2007 01:22
هناك نساء يوقدن فينا شعلة الكلام، يفتحن بوابات التأمل، ويقدحن شرارة الفلسفة، فنتدفق بكل حواسنا وأفكارنا وذكرياتنا ومعارفنا وقراءاتنا، يجعلننا نقرأ مستقبلنا أكثر وضوحا، وواقعنا أكثر منطقية، ونحكم على ماضينا بعقل نقدي صاف، وكأننا على كرسي اعتراف· وهناك نساء يشاكسن الطفولة في عمرنا، ينبشن البراءة، ويجعلننا نستحضر وجوه أمهاتنا، فنقف أمامهن مسكونين بحالتين، حالة الشغب، وحالة قريبة من القداسة، وما بينهما توق للعودة إلى بيوتنا الأولى، حيث ماء الحياة، وبداية التشكل، واستعداد الجسد الطري لاستقبال الروح· وهناك نساء لا نملك إلا أن نكون شعراء في حضرتهن، مبدعين متجاوزين لكل مألوف روتيني وتقليدي، منطلقين نحو عوالم نتوحد فيها بمعنى الجمال، نسكن في تلك المسافة القصيرة جدا، والزمن الذي يكاد لا يدرك، والذي يفصل ما بين خفقة قلب وأخرى، ونبض وريد وآخر· وهناك نساء كالمرايا، نلجأ إليهن في كل وقت ، لا نخجل أمامهن من بعثرة أفكارنا، وارتباك ملامحنا، وارتجاف أطرافنا، واهتزاز أعصابنا، نساء يمتلكن خوفا يفوق خوف أمهاتنا علينا، ويتجاوزن حرص أخواتنا على صورتنا، ويفوق إحساسهن افتخار آبائنا بمنجزاتنا، نرى في عيونهن ما ليس فينا، فيقدننا نحو إيجاده وغرسه في مفاصلنا ووجوهنا· وهناك نساء كالأوطان، يحتويننا حتى الثمالة، بتناقضاتنا وانسجامنا، ببرنا وعقوقنا، بخياناتنا وولائنا، بهزائمنا وانتصاراتنا، برعونتنا وحكمتنا، بإقامتنا وهجرتنا، نساء يستحلن على التواجد، إلا أنهن حاضرات، نجدهن دائما منتصبات كأشجار السرو، حانيات كأحمال شجر البرتقال، مزهرات كنوار اللوز، يبللن وجوهنا بأمطار نظراتهن، ويغسلن أرواحنا بأنامل صباحاتهن، ويجففن عرقنا بمناديل الحب، تخترق نظراتهن جدران أسرارنا، نذوب من إحساسهن الملائكي، حتى نشفق عليهن، وفي واقع الأمر هن يشفقن علينا·· وهناك نساء كالشرفات، نتوحد بهن ونطل، فتكبر الرحمة في عيوننا·· وهناك نساء كالفراشات، ينبئننا بقدوم فصل الجمال والخصوبة والتكاثر والانطلاق·· وهناك نساء كالكتابة الإبداعية، يزودننا بمخيلة جامحة لإعادة ترتيب الحياة وإعادة تشكيل الذاكرة وتزويدنا بالمعارف الإنسانية ·· وهناك نساء مربكات، كلما هممنا بالكلام أوقفنا إحساس ما، فنحجم عن التدفق، عاجزين عن استنباط الأسباب، لكننا نستمتع بصمتنا أمامهن، مفسحين المجال للغة أخرى، قد تكون على غير ما نظن، مختلقين حوارا يوافق اتجاهات بوصلاتنا، وحين نغادر الصمت شرقا وغربا، نشعر وكأننا كنا على سفر ثقلت فيه الرؤوس ·· هناك امرأة واحدة تختزلهن، كلما سرقني وجهها تبدل وعيي·· وحدها·· تعزز عيناها وهما تغلفاني، معنى الخشوع ·· أنور الخطيب akhattib@yahoo.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©