الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحراك العربي... رهانات صعبة

12 أكتوبر 2011 01:23
إدريس لكريني كاتب مغربي تكلفة الاستبداد في المنطقة العربية باهظة، وقد أعادت الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها بعض الدول العربية الاعتبار والأمل للشعوب نحو غد أفضل. وإذا كانت هذه التحولات تفرض اعتماد إصلاحات جذرية تروم تحقيق الديمقراطية والتنمية داخلياً، فإنها تحيل أيضاً إلى أن واقعاً إقليمياً عربياً جديداً يمكن أن يتشكل إذا ما تم استثمار هذه التحولات والفرص للخروج من المأزق الذي تعيشه مختلف هذه الأقطار في عالم متغير، وبخاصة على مستوى مواجهة تحديات العولمة، واستثمار الإمكانات البشرية والطبيعية والاقتصادية للدول العربية في بناء نظام إقليمي متطور ووازن، وإيجاد موقع ضمن القوى الدولية الفاعلة، ومواجهة التدخلات المتزايدة لبعض القوى الإقليمية والدولية في المنطقة ودعم القضية الفلسطينية. ففي الوقت الذي حققت فيه مجموعة من الأقطار في كل من أميركا وأفريقيا خطوات مهمة وبناءة نحو تحقيق التنمية والديمقراطية، في أعقاب نهاية الحرب الباردة، كانت الدول العربية من أسوأ الدول تفاعلاً مع المتغيرات الدولية، حيث ظلت الأوضاع السياسية على حالها في كثير من الأقطار، وتطورت ببطء في أقطار أخرى فيما تم التراجع في دول أخرى عن الكثير من المكتسبات. فعلى المستوى المحلي، تفاقمت أزمة التنمية وتنامت هشاشة القطاعات الاقتصادية والاجتماعية وانتشر الاستبداد والفساد بمختلف صوره ومظاهره. وتم تهميش الشباب، فيما ظلت النخب صامتة وغير مواكبة لما يجري في المنطقة. وبرزت مشاكل تتهدد الدولة المركزية في عدد من الأقطار (الصومال، لبنان ، فلسطين) نتيجة لسوء تدبير قضايا التنوع المجتمعي. وعلى المستوى الإقليمي والدولي، تمت إزاحة العراق من معادلة التوازن في الشرق الأوسط، وتم تقسيم السودان، فيما تأزمت وضعية القضية الفلسطينية بتنامي التعسف الإسرائيلي وموت خيار السلام واستمرار الانقسام داخل الصف الفلسطيني واستمرار الاحتلال الإسرائيلي لعدد من المناطق العربية. وتزايدت التدخلات في المنطقة العربية بمختلف أشكالها، مما أزّم من وضعية النظام الإقليمي العربي وأدى إلى تصاعد أدوار قوى إقليمية غير عربية في المنطقة. إن رهانات التحول الجاري في المنطقة ترتبط في الغالب بتحقيق التنمية ودعم دولة الحق والقانون واحترام حقوق الإنسان والقطع مع الفساد والاستبداد، وإعلاء قيم الحرية والعدالة الاجتماعية، وتجاوز هدر الثروات والطاقات، إضافة إلى بناء نظام إقليمي عربي بناء وفاعل وتدبير مختلف الأزمات والصراعات العربية الداخلية والبينية ودعم المكانة التفاوضية العربية إزاء المحيط الإقليمي والدولي وتبوؤ مكانة فعالة ومحترمة بين الأمم.. فعلى مستوى الصراع العربي - الإسرائيلي، أفرزت التحولات أجواء من الترقب والارتباك في الأوساط الفكرية والسياسية الإسرائيلية، نظراً لفجائية هذه التحولات وغياب نخب تقليدية تقودها وتوجهها، إضافة إلى بروز الحركات الإسلامية كقوى محدودة ضمن هذه "الثورات" والاحتجاجات، وتراجع مشروعية النظام السوري الذي كان محسوباً على "قوى الممانعة". وعلى مستوى النظام الإقليمي العربي، يبدو أن هناك فراغاً كبيراً أحدثه إزاحة مصر والعراق من لعب أدوار إقليمية فاعلة، ودخول أطراف غير عربية للعب أدوار استراتيجية في المنطقة، وتنامي التدخل الدولي الذي قزّم من هامش التحرك العربي في المنطقة. لقد أضحى التكتل في عالم اليوم خياراً ضرورياً تفرضه التحديات الدولية التي تجعل من التجمعات الإقليمية وسيلة للتعاون الاقتصادي وللاحتماء من المخاطر الخارجية المتزايدة في أبعادها العسكرية والاقتصادية والسياسية. التحولات الجارية يمكن أن تسهم أيضاً في بلورة سياسة خارجية وزانة منفتحة على تطلعات الجماهير، ذلك أن القرارات والمواقف الخارجية تظل مجرد شعارات إذا لم تكن هناك مقومات سياسية وتقنية واقتصادية تدعمها، ومعلوم أن الدول العربية تتوافر على إمكانات: بشرية، طبيعية، مواقع استراتيجية، يمكن أن تستثمر خدمة للقضايا العربية الملحة في علاقتها بالمحيط الخارجي. الرهانات الاستراتيجية بصدد التحولات التي تشهدها المنطقة العربية تظل مشروطة باستثمار التضحيات والجهود المبذولة بعدد من الدول نحو بناء أسس تدعم دولة القانون والمؤسسات وباستيعاب نظم أخرى لتحديات المرحلة قبل فوات الأوان، وإعمال إصلاحات استباقية، كما تظل بحاجة إلى توافر مجموعة من المرتكزات التي يمكن أن تسهم في توجيه هذه الأحداث خدمة لقضايا الدولة والمجتمع داخلياً وخارجياً، من قبيل: انخراط النخب ومختلف مكونات المجتمع لدعم وقيادة وتوجيه الحراك المجتمعي وبلورة رؤية استراتيجية تقطع مع التخلف والاستبداد، ناهيك عن التعامل بحذر وبراغماتية مع المحيط الدولي وعدم المجازفة والمخاطرة بقرارات عشوائية يمكن أن تنعكس بالسلب على مآل التحول والتغيير سواء بالضغط أو الاعتراف.. واعتماد العدالة الانتقالية كسبيل مرن للانتقال نحو الديمقراطية والسلم. والتدرج في تحقيق الأولويات. يبدو أن مسار التغيير والإصلاح في المنطقة سيكون صعباً وبطيئاً ولن يتم بالسرعة المطلوبة وبالحجم الكبير لوجود مقاومة محلية وإقليمية ودولية. وأمام هذه المعطيات، نتساءل: هل ستنحرف هذه "الثورات" والاحتجاجات؟ وهل سيتكرر سيناريو الاستبداد مع تنامي التهافت الأجنبي على المنطقة، وبقاء رموز الأنظمة الراحلة؟ إنها أسئلة مشروعة وتنطوي على قدر من الموضوعية في غياب رؤى استراتيجية منفتحة على المستقبل. ينشر بترتيب مع مشروع «منبر الحرية»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©