الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

احتكار دور الضحية.. فن إسرائيلي بامتياز

22 يناير 2007 23:57
غادة سليم: منذ أقدم العصور نشط اليهود في تضخيم تاريخهم وترديد أكاذيب تدعي أنهم وحدهم العنصر الأرقى والجنس الأذكى والشعب المختار· ومع الوقت نجحت المنظمات اليهودية عبر تغلغلها في العديد من المجتمعات الغربية والمنظمات الدولية في وضع استراتيجيات تجرم أي شخص يعارض احتلال إسرائيل لفلسطين أو ينتقد اجتياح غزة أو لا يوافق على إقامة المستوطنات أو يدين جدار الفصل العنصري أو يشجب حرب إسرائيل على لبنان· لأن تهمة معاداة السامية باتت جاهزة دوما للتنكيل بكل من يجرؤ على معاداة إسرائيل حتى وإن كان يهوديا من أبناء جلدتهم· وفي الآونة الأخيرة ارتفعت أصوات الكثير من المفكرين اليهود الذين يعتبرون الصهيونية العالمية وجوداً طفيلياً يفترس البشرية ويحاول السيطرة على العالم، ويتخذون من القضايا العربية مواقف منصفة ، بل ويلعبون دورا بارزا في تنوير العالم بأساليب إسرائيل المخادعة في لي الحقائق وسلب الحقوق· إلا أن العرب لم يحسنوا استغلال هذه الورقة لصالحهم في الصراع العربي الإسرائيلي ، ولم يحاولوا تقديم هؤلاء للعالم لكشف الوجه الحقيقي للممارسات الصهيونية ، خاصة وأن تلك الشخصيات اليهودية التي تغرد خارج السرب أصواتها مسموعة لدى الغرب وتتمتع بقدر كبير من المصداقية· ولا بد لنا هنا من وقفة لتوضيح الهدف من فكرة استعراض مجموعة من المفكرين اليهود المعادين للصهيونية فهي ليست من باب ''·· وشهد شاهد من أهلها'' أو من باب الترويج لفكرة الحوار مع الآخر أو الاختراق ولكنها محاولة للعثور على المفاتيح المنسية واستخدامها لعل أحدها يساهم في فتح الأبواب المغلقة· أعداء أنفسهم قد يكون من الصعب أن نعترف أن بعض اليهود اتخذوا مواقف للدفاع عن الحقوق الفلسطينية فاقت في فعاليتها وشجاعتها الكثير من كلمات الخطابة العربية· وإلا فكيف لنا أن نصف ما فعلته راشيل كوري، تلك الفتاة الأمريكية اليهودية ذات الثلاثة وعشرين عاما التي لقيت حتفها في رفح تحت جنازير جرافة إسرائيلية قبل ثلاث سنوات أثناء دفاعها عن بيوت فلسطين التي تهدم بغير وجه حق ويشرد أصحابها· فأثناء تحديها للجرافة الإسرائيلية دهستها عمدا ونفذت أمر الإزالة فوق جسدها· وعلى الرغم من روح التشفي والاستهزاء التي نعتتها بها الأقلام الإسرائيلية، إلا أن ما أحدثه موتها من صدى عالمي وما تبعه من أعمال مسرحية وسينمائية أكبر إدانة لجريمة سحق ليس فقط الجسد الفلسطيني بل أجساد المناصرين للشعب الفلسطيني أيضا· ومن بين هؤلاء الذين يطلق عليهم أنصار إسرائيل ''أعداء أنفسهم'' يبرز لنا المؤرخ الأمريكي اليهودي ''ديفيد بيال'' والذي قدم دراسة نادرة من نوعها تدين الصهيونية وتستنكر على الولايات المتحدة الأمريكية ذلك الدعم اللامحدود والمساندة غير المشروطة للكيان الصهيوني· والدراسة بعنوان ''القوة واللا قوة في التاريخ اليهودي'' والتي فضح بيال من خلالها أساليب اللوبي الصهيوني للسيطرة على صناعة القرار في الولايات المتحدة الأمريكية وخطف سياستها الخارجية· وقال فيها: ''إن مجرد ذكر مصطلح ''القوة اليهودية'' يفسر في دوائر السياسة الأمريكية بأنه معاداة للسامية، وهذا هو الدرس الذي تعلمه الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأب· ويضيف: ''سيأتي اليوم الذي يفتح فيه الأمريكيون أعينهم ليدركوا الثمن الباهظ الذي يدفعونه نتيجة قيام إسرائيل باختطاف السياسة الأمريكية· لقد سمحنا لهذه الدولة الأجنبية أن تضعنا في موقف يجعل شعوبا كثيرة عدوة لنا بينما كان بالإمكان أن تكون حليفة لنا· فمن الواضح أن إسرائيل لا تريد التوصل إلى سلام مع جيرانها العرب، وأنها اختارت الطريق الذي سيقودها إلى تدمير نفسها·'' ضحية حق العودة لا يخفى على أحد سيطرة اليهود على الإعلام الغربي بشكل عام والأمريكي بشكل خاص· ففي الولايات المتحدة الأمريكية يملك اليهود أكبر أربع صحف يومية في الولايات المتحدة تساهم بشكل أساسي في تشكيل الرأي العام الأمريكي بالإضافة إلى إدارتهم لعشرات المحطات التليفزيونية والإذاعية· ولقد أرخ الباحث اليهودي ج· ج جولديبرج لهذه الظاهرة في كتاب له بعنوان ''السطوة اليهودية داخل المؤسسة الأمريكية '' قائلا: ''لا شك أنها ليست مصادفة أن تكون نسبة سيطرة اليهود على صناعة الإعلام الأمريكي تتعدى بكثير نسبتهم العددية في المجتمع الأمريكي· ففي الوقت الذي تشير فيه الدراسات إلى أن نسبة اليهود لا تتعدى 5% من مجموع الشعب الأمريكي إلا أن نسبة الكتاب والمحررين والمنتجين والمخرجين اليهود تزيد عن ربع العاملين في نخبة صناعة الإعلام، بما فيها شبكات الأخبار والمجلات الإخبارية الأسبوعية الكبرى والصحف الأربع الرئيسية اليومية· ويضيف جولديبرج: ''ومع هذا لا يمكننا إنكار وجود صحافة حرة في الولايات المتحدة، وصحافيين ومفكرين أحرار لا يخضعون إلا لضمائرهم· ولا يتأثرون بضغوطات مجموعات الضغط بما فيهم اللوبي الصهيوني والجماعات الموالية لإسرائيل·'' ورغم تفنيد ''جولديبرج'' لأساليب الإخطبوط الصهيوني وضخامة أذرعه الخانقة لوسائل الإعلام الأمريكية، إلا أنه لم يؤرخ في كتابه لما تتعرض له الأقلام الحرة من تنكيل· ونذكر هنا على سبيل المثال ما حدث لـ''جوديث ستون''· فلقد كانت ستون صحفية يهودية أمريكية توصف بأنها الفتاة البارعة واللامعة ، هذا إلى أن كتبت مقالا تطالب فيه بحق عودة فلسطيني الشتات إلى وطنهم فلسطين· فكان مقالها ''طلب العدالة'' والذي نشر في شهر يناير عام 2001 آخر ما نشر لها في الصحف الأمريكية!!· ومما جاء فيه: ''أنا صحفية يهودية، شاركت بالأمس في مسيرة تطالب بحق الفلسطينيين بالعودة إلى بلادهم· وأرى أنني فعلت الشيء الصحيح· فنحن اليهود جيدون في المطالبة بحقوقنا· نرفع مئات القضايا سنويا نطالب أوروبا بالتعويض عن منازلنا وأراضينا وأموالنا التي سلبت إبان الحرب العالمية الثانية ونرفع قضايا نطالب فيها بالأجور الضائعة والعمل الإجباري بدون راتب والرواتب المتأخرة ولا نترك حقا لنا دون أن نلح في طلبه· فهل إذا أيدت حق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة لمسقط رأسهم وتعويضهم عن أملاكهم التي لا يمكن إعادتها لهم أكون بذلك يهودية خائنة؟''· وأضافت: ''آمل أن يكون لازال هناك شيء في أعماق كل يهودي صاحب ضمير يعلم أن ما كان ليس قرارا إلهيا، إن هذه الدولة لم تعلن بأمر إلاهي· فأعيدوا الأرض المقدسة لأصحابها· نحن نعلم بأن جورًا إنسانيًا كان ولا يزال يقع على شعب بريء، لم يتمكن من الحصول على السلاح والمال للدفاع عن نفسه أمام القوى الغربية التي تكالبت ضده''· واختتمت مقالها قائلة: ''لا يجوز الاستمرار في ما يحدث ، وأن نقول ماذا كان بإمكاننا أن نفعل؟ فالصهيونية ليست مرادفا لليهودية· إنني أدعم بكل قواي المسيرة التي طالبت بحق العودة للفلسطينيين''· كان مقالها في غاية الصدق والأمانة لكن نشره كان خطأ فادحا· وكان يجب أن يعاقب كل من تواطأ في نشره وأولهم جوديث ستون التي فصلت من عملها في اليوم التالي· أما الكاتبة الأمريكية اليهودية ''روزا بروكس'' فكانت أحسن حظا إذ لم تفقد وظيفتها بعد نشرها مقال تحليلي للعدوان الإسرائيلي على لبنان في صحيفة ''لوس أنجلوس تايمز'' تحت عنوان: ''انتقد إسرائيل تصبح معاديا للسامية'' بل أجبرت على الاعتذار عنه بمقال آخر· الشيطان يعظ هناك حادثة شهيرة نقدمها في هذا السياق تدل على أساليب إسرائيل في إجبار الإعلام الأمريكي على لي الحقائق· عندما اتهم ''تيد تيرنر'' مؤسس شبكة سي إن إن الإخبارية التلفزيونية الأمريكية كلا من الفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء في القيام بأعمال إرهابية· وبث شريطا عن عملية استشهادية في القدس أتبعه بشريط آخر عن اقتحام دبابات إسرائيلية لمدينة جنين· فما كان من الكيان الصهيوني إلا أن وصف ما قامت به ''سي إن إن'' بالانحياز السافر للفلسطينيين· وهدد متحدث باسم الكيان الصهيوني بوقف نقل إرسال الشبكة إلى أجواء إسرائيل· وحث يهود الولايات المتحدة والعالم على فرض مقاطعة اقتصادية على المحطة الإخبارية· فكانت النتيجة أن هرع نائب رئيس الشبكة يقدم اعتذاره إلى إسرائيل ويعترف بوقوع أخطاء فنية··! واسترضاء لهم قامت ''السي إن إن'' ببث برنامج تسجيلي إسرائيلي على مدى أسبوع كامل دعته الشبكة ''ضحايا الإرهاب''· وفي صحيفة ''أورلاندو سانتينل''' كتب ''شارلي ريس'' وهو محرر سياسي يهودي في مقال نشر له في شهر فبراير 2000 قال فيه: ''إن التحالف الأمريكي مع إسرائيل يسيء لمصداقية أمريكا· فالعالم كله يعلم أننا نتبنى سياسة الكيل بمكيالين وبأننا غير جديرين بوساطة السلام وأن كل ما نقوله لا قيمة له· فالعالم بات يعلم جيدا أننا نجبر بعض الدول على توقيع اتفاقية منع استعمال الأسلحة النووية بينما ندعم إسرائيل في موقفها الممانع لتوقيع نفس الاتفاقية·! والعالم يعلم أيضا أننا ندين بعض الدول التي تتبنى الإرهاب وفي الوقت ذاته نلتزم الصمت عندما ترسل إسرائيل عملاءها لاغتيال أعدائها السياسيين· عندها لا تعتبر الإدارة الأمريكية أن إسرائيل دولة تتبني الإرهاب!·'' ومن داخل الكيان الصهيوني نفسه نجد أقلاما تنتقد السياسة الإسرائيلية الإرهابية وتدين انحياز الإعلام العالمي الأعمى لها· وترى أن ما يقدمه الإعلام الغربي من كلمة وصورة وتعليق وتحليل يقدم للمتلقي الأمريكي حقيقة مشوهة بعين عوراء· ونجد أن أبرز مثال على هذه الحالة هو '' ألان برونفيلد'' وهو كاتب وأديب يهودي معاد للصهيونية ألقى محاضرات عديدة عن عدم دقة وسائل الإعلام العالمية في نقل ما يحدث في الأراضي المحتلة الفلسطينية وتعمد عرض صور غير صحيحة عن الأوضاع في فلسطين· وفي إحدى محاضراته التي توجد منشورة على موقع ''لا للصهيونية'' الإلكتروني، قال فيها: ''لا تخلطوا بين الصهيونية واليهودية لأن الصهيونية مرادف للنازية· فهؤلاء الذين يمثلون دولة إسرائيل يتصرفون مثل شبيبة هتلر··'' ويقول: ''إن وسائل الإعلام في الولايات المتحدة تغض الطرف دوما عن فظاعات إسرائيل وهذا يؤذي مصداقيتها الإعلامية''· فماذا كان موقفها من الحرب على لبنان؟ هل أدانت قصف إسرائيل لثلاث محطات توليد الكهرباء الرئيسية في لبنان·؟ وهل استنكرت الهجمات العشوائية على الأحياء السكنية؟ إن الأعمال الإرهابية الإسرائيلية يجب أن تصنف كجرائم حرب، ولكن الإعلام الأمريكي يكيل بمكيالين· فلقد واجهت المقاومة اللبنانية جيش الاحتلال الإسرائيلي على التراب اللبناني، بينما إسرائيل هاجمت منشآت البنية التحتية المدنية اللبنانية''· ربما لم يتسن لنا رصد كافة الشخصيات اليهودية المعادية للصهيونية والتي حملت آراء منصفة للحق العربي والواقع الفلسطيني· فهناك العديد من الأسماء والشخصيات التي لم تتسع المساحة لذكرها وأخرى تعمدنا إسقاطها مثل الحاخام اليهودي الأمريكي المر بيرجر - رغم عدائه المعروف للصهيونية- وذلك خشية الدخول في لبس خبث الادعاء واستغلال دعم الحقوق العربية طمعا في تحقيق مصالح يهودية خفية· إلا أن القصد من وراء هذا العرض هو دفع العرب إلى استخدام اليهود المعادين للصهيونية كورقة رابحة· فلقد كان العرب دوما الطرف الذي يلعب دون معرفة بأصول اللعبة ، الطرف الذي يلعب بأوراق شرعية لكنها مخلوطة مع خصم خبيث يكسب جولاته دوما بأسلحة الدعاية والإعلام· ربما آن الأوان أن نفهم أصول اللعبة ونبحث عن أوراقنا الرابحة·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©