السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

استقالة حالوتس تُعري أزمة النخبة العربية

23 يناير 2007 00:01
أكرم ألفي: أخيرا استقال دان حالوتس رئيس الأركان الإسرائيلي، علقت الزينات في الصحافة العربية وفضائياتها احتفالاً برحيل مسؤول إسرائيلي· صحيح أن إسرائيل في أزمة منذ 5 أشهر بعد فشلها في تحقيق أهداف عدوانها الغاشم على لبنان وشعبه، ولكن نحن نعيش هزيمة أكثر قسوة بفعل إعلامنا الذي يدغدغ مشاعر الجمهور ولا يخاطب عقله، ويرفض أن يجعلنا نتعلم من الآخر حتى لو كان ''عدواً''· الحقيقة أن ''العدو'' ينتقد نفسه بحزم ويغير من استراتيجياته في واشنطن وتل أبيب، بينما نحن وقادتنا وإعلامنا نرى أن انتقاد المسؤول الكبير ''رجس من عمل الشيطان''! ومن هنا لا نتحرك للأمام بل نغرق في مستنقع التكلس العقلي والنقدي باحثين عن الانتصار في صحف ''العدو''· بينما كان الجميع يهلل فرحاً بـ''طيران'' حالوتس من منصبه وتزايد الضغوط على رئيس الحكومة الإسرائيلية أيهود أولمرت ووزير دفاعه عمير بيريتس، تذكرت جملة ''سبينوزا'' الشهيرة ''لا تضحك لا تبك·· فكر''· أفكر في سبب بقاء الكيان الصهيوني قوياً طوال أكثر من نصف قرن، بينما العالم العربي يزداد وهناً، ويهلل لانتصارات ''إيرانية'' الصنع· إن المنظمة الصهيونية منذ تأسيسها أدركت أن سر قوتها ليس فقط في الدعم الخارجي من بريطانيا والقوى الاستعمارية بل في حيويتها الداخلية التي تسمح بتأهيل وتنشئة ثم انتخاب الأصلح للقيادة ومراقبته دائماً، هذه الحيوية المؤسسية جعلت المؤسسة العنصرية الصهيونية قادرة على تجاوز الأزمات الداخلية والاستفادة منها لتصبح اقوى، فهذه المؤسسة أصبحت ''عقلا ديناميكيا'' و''ذاكرة جماعية'' للقيادات الجديدة تتعلم داخلها وتستفيد من خبرات وأخطاء السابقين· في نفس الفترة، أجهض العسكر إرهاصات التجربة الديمقراطية ''الضعيفة'' في العالم العربي، واستفادت ''قبائل'' السياسة من تحالفاتها مع الاتحاد السوفيتي أوالقوى الاستعمارية في إبقاء سيطرتها واستمرار الحراك مقتصراً على أبنائها من المؤسسة العسكرية أوالحزبيين، مانعة أي تجديد أومسألة لرباني السفينة· هكذا أدركت المؤسسة الصهيونية أن ''الديمقراطية العرقية'' سفينة النجاة لوجودها ''الغريب'' في المنطقة، بينما ثبتت مؤسسات السلطة العربية ''ديكتاتورية الأبناء'' لتحافظ على قيادة السفينة، بينما بقيت اتجاهات الرياح والبحث عن مرفأ الرفاهية والقوة بعيداً عن الفكر السياسي العربي· منذ تلك اللحظة، دخلت النخبة العربية نفقاً طويلاً هو نفق البحث عن أزمات الغير بعد أن منعت قسراً بسيف المعز أو طواعية بذهبه عن المشاركة في تحديد اتجاهات السفينة التي تركبها· انطلاقا من هذه الرؤية، يمكن أن نرى من زاوية مختلفة ما حدث في الدولة العبرية باستقالة ''دان حالوتس''، فهو تعبير جديد عن ديناميكية المؤسسة الصهيونية التي عبر عنها المخضرم ''شيمون بيريز'' بقوله: ''لن أغمض عيني نحن في أزمة، ولكنها أزمة أقل خطورة من تلك التي أعقبت حرب أكتوبر 1973 وسنعبرها كما عبرنا غيرها·· فنحن ننهض من الأزمات''· البدائل الجاهزة إن استقالة ''حالوتس'' جعلت شريكيه ''اولمرت'' و''بيرتيس'' يتحولان إلى ''بطتين عرجاوين'' وفقا للصحف الإسرائيلية، فحالوتس هو العسكري بين ''الفرسان الثلاثة'' الذين قادوا الحرب على لبنان، وبرحيله يجعل ''كرة البولينج'' تدحرج بسرعة نحو إقصاء الآخرين· ''أولمرت'' يواجه اتهامات متزايدة بالفساد في قضية بنك ليؤومي وتدهور رصيده الشعبي إلى حد أن 14% فقط من الإسرائيليين يوافقون على بقائه في سدة السلطة، وبيريتس الذي أصبح كرسيه كزعيم لحزب العمل يهتز بقوة بفعل دخوله في منافسة شرسة على رئاسة الحزب مع رئيس الوزراء الأسبق ايهود باراك والقائد الماهر عامي ايالون· في لحظة اللحظة تتردد عربياً عناوين مثل ''أزمة الفراغ في إسرائيل'' و ''الهزيمة السياسية العبرية''· ولكن في المقابل نجد أن السياسة الإسرائيلية تتحرك في اتجاه آخر وفقا لآليات المؤسسات الصهيونية، فحالوتس لم يستقل إلا بعد 5 أشهر من عدوان لبنان حتى لا تهتز المؤسسة العسكرية تحت وطأة فراغ القيادة المفاجئ عقب حرب صعبة، بل انتظر واستجاب لتحقيقات حول أدائه وأداء قياداته في الحرب عرفت بلجنة ''فينوجراد''· وبعد أن اقتنع حالوتس أن الجيش الإسرائيلي أصبح في مناعة ضد الهزات الارتدادية لزلزال الحرب، حاول حماية مسقبله السياسي والحفاظ على ماء وجهه بالاستقالة قبل أن يقال عنوة بعد انتهاء التحقيقات· فحالوتس أمامه تجربة ارييل شارون الذي أقيل بعد غزو لبنان 1982 من وزارة الدفاع ليعود فيما بعد ويصعد السلم السياسي ليصل إلى رئاسة الحكومة، بعد 20 عاماً من اعتقد البعض أنه مات بـ''السكتة اللبنانية''· في الوقت نفسه، فإن بدائل حالوتس جاهزة، فهناك موشيه كابلينسكي نائب حالوتس ومدير وزارة الدفاع جابي اشكنازي الذي يفضله بيريتس، وهذان سيتحولان غداً إلى رقم جديد في السياسة الإسرائيلية· في المقابل، فإن بدائل بيريتس كوزير للدفاع وزعيم للعمل جاهزة، فهناك يقف باراك ''نابليون إسرائيل'' الذي يرغب في العودة بقوة لإعادة إحياء أمجاده التي فقدها حين كان رئيسا للوزراء في نهاية التسعينات، قادما بخلفية عسكرية لا يختلف عليها اثنان في إسرائيل، وبتجربة سياسية غنية، ومتعلما من أخطائه السابقة الخاصة بالفردية في القيادة· وينافسه عامي ايالون رئيس جهاز الأمن العام السابق (الشاباك) وصاحب وثيقة (ايالون- نسيبة) الشهيرة لحل القضية الفلسطينية· يبقى بديل اولمرت هو الأصعب في المرحلة الحالية، حيث إن المؤسسة الإسرائيلية لا ترى أنه من الحكمة إجراء انتخابات مبكرة اليوم، وتفضل تأجيلها، ومن هنا فإن على منافسيه سواء كانت تسيبي ليفيني او شاؤول موفاز أوحتى بنيامين نيتانياهو أن ينتظروا، فأولمرت يدرك أن لا احد قادر على أن يجعله يترك كرسيه اليوم خشية اهتزاز الأمور، ويراهن على عامل الوقت أن ينجح من خلاله في التخلص من ''المنغصات''، سواء كان بيريتس أو ملاحقات قضايا الفساد، واستعادة ثقة الرأي العام الإسرائيلي· هكذا فإن البديل موجود من داخل المؤسسة الصهيونية، ولكن يبقى السؤال كما يطرحه الكاتب العبري يوسي فيرتر''هل يأتي صاحب رؤية؟''· فإسرائيل اليوم تعرف أن لديها رصيداً جاهزاً من القيادات في كافة المناصب الحكومية، بسبب ديناميكية مؤسساتها والانتخاب وفقاً لـ''الكفاءة'' وليس ''الولادة'' كما يحدث عندنا في عالمنا العربي، ولكنها تبحث عن قائد صاحب ''رؤية'' يمكنها من اختراق حاجز الصمت والتراجع الذي صاحب فقدان شارون· حوار عبري وليس عربياً هنا نصل إلى مركز الحوار الإسرائيلي- الإسرائيلي اليوم في الصحف العبرية، فهو حوار يقوم في البحث عن الأفضل لقيادة الدولة في هذه اللحظة الفاصلة استراتيجيا، بفعل التهديد الإيراني وتزايد أهميته لدى الولايات المتحدة بفعل انشغال الأخيرة بالعراق، والبحث عن حل سياسي يحجم قوة ''حماس'' في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وجس نبض سوريا التي تبدو كأنها تغازل تل أبيب من بعيد· وفي السياق يمكن فهم المقالات المتناثرة في الجرائد العبرية هذه الأيام، فكثير من الكتاب الإسرائيليين يرون أن التخلص من عبء حالوتس هو مفيد للدولة الصهيونية لتعيد النظر في قدراتها العسكرية في المرحلة المقبلة بدون رزوح قيادتها تحت ثقل عدم تحقيق أهداف عدوان لبنان، ويبحثون عن إمكانية إعادة فرز القيادة السياسية بعيداً عن ثقل الماضي القريب ليمكنها أن تتعاطى مع مستقبل اللحظة السياسية في المنطقة وفي العالم· هكذا يفكر ''الأعداء''، أما نحن فحوارنا هو نفس حوارهم ولكن بـ''المقلوب'' فنحن نناقش كيف نجحنا في إزاحة ''حالوتس''، بينما ثلث البلدان العربي في حالة شلل تام، فلبنان ''المنتصرة نظرياً'' يشلها إضراب المنتصرين منذ نحو شهرين، والفلسطينيون لا يخرجون من دائرة ''الانتقام''، والعراق يغرق في بحر دماء لا ينتهي، وأما الباقي فالصمت أفضل كما ينصحني الأصدقاء! حوارنا كيف أن التغيير يعني ''عدم استقرار''، واستقالة المسؤول السياسي هي ''أسطورة'' كتبت في ألف ليلة وليلة، فنحن أبناء ثقافة القيادة التي لا تخطئ، وقادة النضال الذين ينتصرون دائما، فنحن لا نعرف منذ زمن ماذا تعني مؤسسة سياسية، في النهاية قبل أن نعلق زينات فرح إقالة حالوتس أو حتى أزمة بوش، علينا أن نسأل أنفسنا هل أقلنا مسؤولا عربيا أخطأ؟، هل شكلنا لجانا لتبحث ما الخطأ في استراتيجيتنا؟ ربما تكون هذه الأسئلة بداية لنتعلم من الأعداء بدلاً من أن نغرق في حالة ''تشفي'' هرباً من واقع أليم نعيشه·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©