الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سانتوس ... مرحلة جديدة في السياسة الكولومبية

1 يناير 2011 00:15
في السابق كان الرئيس الفنزويلي، هوجو شافيز، المعروف بلهجته النارية دائم الانتقاد لخوان مانويل سانتوس باعتباره "الأميركي رقم 1"، لكن اليوم وبعدما أصبح سانتوس رئيس كولومبيا الجديد، نسي كل النعوت السلبية التي رماها في وجهه الرئيس الفنزويلي، وبدأ "سانتوس" يدعوه "بأفضل صديق جديد أمتلكه". والحقيقة أن هذا الموقف يمثل تغيراً جوهرياً في السياسة الكولومبية بالمنطقة، لا سيما وأنها الحليف الأكبر لأميركا في القسم الجنوبي من الكرة الأرضية، بالإضافة إلى تلقيها ما لا يقل عن تسعة مليارات دولار على امتداد الإدارات الأميركية الثلاث السابقة. وليس الموقف من فنزويلا وحده هو ما يؤشر على التحول اللافت في السياسات الكولومبية، بل يأتي في إطار سلسلة من التغييرات المدهشة المختلفة تماماً عن السياسات التقليدية التي كان ينتهجها الرئيس السابق، "ألفارو أوريبي"، المقرب كثيراً من الولايات المتحدة. واعترف سانتوس خلال لقاءين صحفيين بمشاعر الاستغراب التي تثيرها توجهاته الأخيرة لدى المسؤولين الأميركيين، وهي مشاعر امتدت إلى الداخل الكولومبي نفسه بالنظر إلى العلاقات الوثيقة والتقليدية بين أميركا وكولومبيا والشراكة الحقيقية التي جمعت البلدين في مجالات عدة مثل التصدي لتجارة المخدرات والتمرد الماركسي في بعض مناطق البلاد، لكن الفوز الكاسح لسانتوس في الانتخابات الرئاسية الأخيرة جاء ليؤكد دعم الشعب وتأييده للتغيير الحاصل في السياسة الخارجية الكولومبية. لكن هذا التغيير الملحوظ في سياسة كولومبيا التي دشنها "سانتوس" ليست سيئة بالنسبة للولايات المتحدة كما قد يتوقع البعض، بل هناك من المحللين من يرى أنها تصب في المصلحة الأميركية لأن "أوريبي" المدعوم من قبل واشنطن كان ينظر إليه في المنطقة على أنه مفرط في ميوله العسكرية وتوجهاته الأمنية الأمر الذي أضر بسمعته وبالسياسات الأميركية. وضمن هذا التغير حظي التوجه الكولومبي نحو رأب الصدع مع فنزويلا والمحاولات التي انخرط فيها "سانتوس" لترميم العلاقات مع شافيز بالقدر الأكبر من التأييد لدى الإدارة الأميركية، التي ترى أن هذا التقارب بين البلدين بعد فترة من الجفاء والتراشقات الإعلامية يخدم بالأساس المصلحة الأميركية، بحيث لم يعد شافيز من تبرير لاتهام واشنطن بأنها تهيئ لغزو بلاده عبر كولومبيا، وهو الادعاء الذي كثيراً ما اعتمد عليه شافيز في تعبئة المناصرين. الارتياح الأميركي لما يجري حالياً بين كولومبيا وفنزويلا من تقارب عبر عنه "مايلز فريشيت"، السفير الأميركي السابق في العاصمة الكولومبية، بوجوتا، قائلًا": "إن سانتوس أدخل كولومبيا إلى القرن الحادي والعشرين من البوابة الدبلوماسية، كما أن حملته الخارجية لتحسين العلاقات مع محيطه تتعدى فنزويلا لتمتد إلى البرازيل وباقي دول أميركا اللاتينية". واللافت أن المشرعين الأميركيين "الجمهوريين" منهم والديمقراطيون يقفون في صف واحد وراء توجهات سانتوس لتحسين العلاقات مع دول الجوار، رغم أن الجمهوريين كانوا من أشد منتقدي سياسة أوباما تجاه شافيز، معتبرين أنها رخوة ولا تتسم بالحزم، والأكثر من ذلك تباشر حكومة سانتوس مجموعة من الإجراءات الداخلية التي من شأنها التخفيف من حدة الاحتقان الاجتماعي والتصالح مع فئات هُمشت تاريخياً، إذ يمكن الإشارة في هذا السياق إلى تشريع طرحته الحكومة يهدف إلى تعويض ضحايا الصراع الداخلي في كولومبيا الذي عمر لعقود طويلة، بمن فيهم ضحايا قوات الأمن العمومي. ويعمل المسؤولون الحكوميون أيضاً على إعادة أكثر من عشرة ملايين فدان من الأراضي التي سرقها السياسيون الفاسدون إلى أصحابها، هذا في الوقت الذي يتم فيه دراسة مشروع قانون يخصص جزءاً من مداخيل المناجم لدعم التعليم، وهي سياسات يقول السيناتور الكولومبي السابق، رفائيل باردو، ما كانت لتجد طريقها إلى التنفيذ في عهد أوريبي، فهذا الأخير الذي كان يعد محافظاً شرساً سعى إلى التقارب مع واشنطن للحصول على الدعم والإرشاد، كما أنه عمد طيلة الثماني سنوات التي قضاها في الحكم إلى الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة مع الميلشيات المسلحة لاستئصالها، لكن سياسته الداخلية كثيراً ما انتُقدت من قبل المراقبين على أنه أكثر تودداً للنخبة من ذوي الحظوة والنفوذ وأكثر محاباة لكبار ملاك الأراضي. ويسعى بعض المحللين إلى تفسير الاختلاف بين الرئيس الحالي سانتوس وسلفه أوريبي إلى الخلفية التي جاء منها الرجلان، ففيما ينحدر الرئيس السابق من طبقة المزارعين الكبار ذوي الميول المحافظة في كولومبيا ينتمي سانتوس إلى النخبة المدنية في العاصمة بوجوتا، حيث أمضى جزءاً مهماً من حياته في الخارج يتابع دراسته ثم تولى بعدئذ العديد من الحقائب الوزارية، مظهراً ما يراه بعض المراقبين تكيفاً ذكياً مع المستجدات والتطورات. وعن هذا التأقلم الذي ميز مسيرة سانتوس يقول "فابيان سانبريا"، من جامعة بوجوتا "إن السياسة هي فن الممكن، وهي أيضا القدرة على الإبحار وسط الأنواء وتغيير المواقف عندما تستدعي الظروف ذلك، وهو ما فهمه سانتوس منذ البداية". هذه الحربائية في مواقف سانتوس تدلل عليها سياسته تجاه الحركات المسلحة إذ في الوقت الذي ضيق عليها الخناق عندما كان وزيراً للدفاع حتى السنة الماضية ووجه لها ضربات قاسية بما فيها قصف معسكر للميلشيات داخل الأراضي الإكوادورية وقتله لقائد بارز للميلشيات المعارضة ما أدى إلى اندلاع أزمة دبلوماسية مع الإيكوادور وأميركا اللاتينية بأكملها، أضحى سانتوس اليوم أكثر مرونة في التعامل مع المسلحين في محاولة لطي صفحة التوتر مع الإيكوادور؛ لكن تبقى الأولية الأهم بالنسبة لسانتوس في هذه المرحلة هي استعادة العلاقة مع فنزويلا إلى طبيعتها وتسوية الخلافات العالقة بين البلدين. خوان فوريرو - واشنطن ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبورج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©