الأربعاء 17 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

توثيق القصص الملهمة فكرة تحتاج إلى شجاعة

توثيق القصص الملهمة فكرة تحتاج إلى شجاعة
7 يناير 2016 20:17
لكبيرة التونسي (أبوظبي) تحظى القصص الإنسانية الشخصية التي يتم نشرها على جميع وسائل التواصل الاجتماعي وتوثيقها بالكتابة بالكثير من الاهتمام، لما تحمله من مشاعر ولفتات إنسانية بالغة في التأثير، حيث اعتاد القارئ إعادة إرسالها والترويج لها. ورغم ما تعرفه هذه القصص التي تلامس القلوب وتحث على الصبر والوفاء وتلهم القراء من ترويج لها، إلا أن نشرها يبقى قليلاً، خوفاً من تفسيرها على نحو سلبي، أو تأويلها بشكل خاطئ. وتظل قصص الفشل أو التعثر في الحياة أو الانتصار على المرض الحكايات التي تتصدر قائمة القصص الملهمة، التي يتقاسمها أصحابها مع الباقين لمدهم بالقوة وشحذ هممهم في الندوات أو الجلسات الخاصة دون أن يتم تدوينها بين دفتي كتاب، ويتم تناولها بالسرد على استحياء، في حين هناك من يتحلى بالشجاعة والقوة ويرغب في تسطير قصته مع الفقر أو انتصاره على المرض ليلهم الآخرين ويعلمهم طريقة العبور لبر الأمان. ومن أولئك ريم الملاح «29 سنة»، التي لم يوقفها مرض السرطان الذي أصابها قبل أربع سنوات، عن طموحها، بل أصبحت أكثر إصراراً، وأقبلت على الحياة على الرغم من الصعوبات التي تعيشها. وعن إمكانية توثيق قصتها الإنسانية لتكون عبرة للناس. تقول الملاح إنها لا تخجل من وضع حكايتها مع المرض أمام الجميع، ليستفيد منها الآخرون، موضحة أن المرض زادها قوة وشغفاً بالحياة، وتؤكد أنها لا تمانع من توثيق قصتها، لكن لا تعرف الطريق الصحيح لذلك، لأنها لا تتوافر على تجربة سابقة في هذا المجال. وتقول: «لم أواجه المرض وحدي، كان بجانبي أهلي وزملائي ومديري الذي تفهموا مرضي وتقاسموا معي حالات الضعف والقوة كما شجعوني ولم يتخلوا عني وقت الشدة»، مضيفة: «عانيت عدم انتظام الدورة الشهرية، وفقر الدم الشديد، وفي يوم أصبت بنزيف حاد نقلت على أثره للمستشفى، وأجريت عملية فتح بطن يتبين فيها أنني مصابة بسرطان الرحم». تم تحويلها إلى مستشفى توام لتستكمل فصول القصة، حيث أخبروها بنية الطبيبة المعالجة استئصال الرحم والمبايض، وكان طلبها الوحيد أن تمهلها الطبيبة حتى تتزوج، وتقول: «انتشر السرطان في الحوض، وطلبت منهم إمهالي مدة 3 أشهر، وخضعت لـ30 جلسة كيماوي لتصغير الورم، وفقدت على أثرها 10 كيلوجرامات، وكان وضعي صعباً، ونفد صبري، ولكن والدتي كانت دائماً تحميني من نفسي ومن عصبيتي ومن غضبي ومشاعري، ولم تفلح جلسات الكيماوي في تصغير الورم، وخضعت لعملية استئصال الرحم والمبايض، وأكدوا لي أنني سأعيش حياة طبيعة». ورجعت الملاح للحياة من جديد، وأقبلت عليها محاولة استغلال وقتها واستثماره، فسجلت في الجامعة لاستكمال دراسة الماجستير. وعن إمكانية توثيق قصتها، تقول الملاح إن قصتها بها جميع عناصر النجاح، مؤكدة أنها ترغب في نشر قصة انتصارها على المرض وتوثيق كل اللحظات والمشاعر التي مرت بها، لافتة إلى أن التجربة علمتها حب الحياة وعيشها بشغف وحب. وتقول: «أتعجب لمن ينعم بصحة جيدة ويعاني الكآبة». نقل التجربة تقول سارة الشيباني، ناجية من سرطان الثدي، إنها لم تخف مرضها عن الناس، موضحة أنها تتدرب على فن الخطابة والإلقاء لتنقل تجربتها لمن تعاني المرض، ولا تجد حرجاً في ذلك. وتضيف سارة، التي تواظب على حضور المحاضرات التوعوية، إنها تسعى للمشاركة في حملات التوعية بمرض سرطان الثدي التي تشجع على الكشف المبكر والعلاج، بحيث حولت قصتها مع مرض السرطان الذي هزمته بقوة إيمانها وعزيمتها إلى حكاية ملهمة للناس. وتنوي الشيباني الالتحاق بدورات لتطوير مهاراتها الخطابية لتتمكن من إقناع النساء وتوعيتهن بالكشف المبكر عن سرطان الثدي. وعن قصتها مع سرطان الثدي تقول: «أصبت بصدمة كبيرة، تنازعتني مشاعر اليأس والحزن، في هذه الفترة كانت والدتي ووالدي بجانبي، وشكلت أمي خير سند لي، بحيث كانت تتحمل عصبيتي وتنام إلى جانبي في غرفتي، وبعد فترة قررت أن أتغلب على هذه المشاعر والعصبية، بحيث صقلت هواياتي كالرسم والكولاج والخياطة والسباحة، كما اكتشفت حبي للقراءة، وأصبحت أستمتع بمصاحبة الكتب. وأصبحت أستغل كل لحظة في حياتي وأستفيد منها». وتصر الشيباني على نقل تجربتها إلى مريضات السرطان بطريقة مختلفة، لذلك تعمل على صقل مهارات الخطابة لديها، وتؤكد أن سر تجاوزها لمرضها وقوف عائلتها إلى جانبها، مشيرة إلى أن والدها من قص شعرها بعد أن بدأ يتساقط وهي تخضع للعلاج بالكيماوي، وتوضح أنها لن تخجل من توثيق قصتها، بل تحب أن تنقل هذه التجربة للباقين ليتعلموا منها القوة والشجاعة وقت المرور بلحظات ضعف. قصة نجاح كثيرة هي القصص الملهمة الدالة على قوة بعض الأشخاص الذين استطاعوا تجاوز قسوة الحياة وكثرة الصعاب والعوائق واستطاعوا الوصول إلى الهدف، ومنهم من يتحلى بالشجاعة ويرغب في توثيق تجربته ومنهم من يقوم بذلك على استحياء، بحيث يقتصر حديثه عن هذه التجربة على بعض الأقارب فقط، وهؤلاء منهم محمد علي، الذي كان ينتمي لأسرة فقيرة، انتزع حقه في الدراسة، وتعلم إلى أن أصبح مهندساً، ورغم الصعاب التي اعترضته، فإنه استطاع أن يؤسس شركته الخاصة ويصبح منافساً لأكبر جهة متخصصة في هذا المجال في إحدى الدول العربية، كما أنه لم يكتفِ بتأسيس هذه الشركة، بل كان شغوفاً بالاختراعات التي تصب في مجال عمله، ما جعل نجمه يلمع في سماء بلده، وعلى الرغم من النجاح الذي حققه وثراء قصته، فإنه يتحاشى توثيقها، مكتفياً بسردها في كل المجالس العائلية وعلى أفراد أسرته وأبنائه لتزويدهم بالقوة والعزيمة، فهو ذلك الشخص المعتز بنفسه وتجربته كلما صعبت المواقف أمامه، تجده أكثر إصرار من ذي قبل، تعثرت حياته أكثر من مرة، فشلت مشاريعه وتعرض لأصعب المواقف، ورغم كل ذلك فإنه لم يقف مكتوف الأيدي وفي كل مرة كان أقوى من ذي قبل. كنوز المعرفة ويقول الدكتور عبد اللطيف العزعزي، خبير التنمية البشرية، إن المعرفة تنقسم إلى قسمين: معرفة صريحة ومعرفة ضمنية، فالمعرفة الصريحة هي التي يمكن أن ترى وتلمس وتقرأ ويتعامل معها، ولكن المعرفة الضمنية هي التي توجد في رؤوس أصحابها لا يمكن إدارتها أو استخراجها أو الاستفادة منها ما لم يقم صاحب المعرفة الضمنية بنقلها للآخرين إما مشافهة كالحوارات والقصص واللقاءات والمحاضرات وغيرها، أو ممارسة كالتدريب كما يحدث في الدورات التدريبية الإدارية والأسرية والتطوير وغيرها، والتدريب في الألعاب الرياضية وغيرها. وهناك في الحياة منذ القدم جرت لكثير من البشر قصص تحمل التجارب والمواقف والأحداث بدت في أولها بجانب مؤلم مظلم وانتهت بعد حين من الزمن بجانب مشرق يحمل في كثير منها الاعتزاز والفخر والنجاح، فالقصص التي عاشها كثير منا وخرجوا منها بالعبر والموعظة والنجاح وتحقيق المراد وغيرها، هي محفزات للآخرين ممن تقاعسوا وممن أحبطوا وممن لا يرون أن في نهاية النفق المظلم توجد شمس مشرقة، وأكبر مثال لقصة مسجلة منذ أكثر من 1400 سنة قصة يوسف عليه السلام التي ذكرها الله تبارك وتعالى في القرآن. ويقول مشجعاً الناس على توثيق قصص نجاحهم «لذكر القصص أهمية ودور كبير في تحسين الأفكار والمشاعر وتحريك الأجسام للقيام بما يجب بعزم وإرادة وإيجابية، فالقصص التي تحمل عبراً وتجارب وإنجازات مشرفة تحرك الأفكار وتكون باعثاً للآخرين بأن يحققوا الشيء نفسه ولو بدرجة معينة أو أحسن، فقد قال تعالى: (... فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)، «سورة الأعراف: الآية 176». ويذكر «بماذا تشعر عندما تقرأ عن قصة شاب كان خجولاً لدرجة أن هذا الخجل أثر على نتائجه في المرحلة الثانوية وحرمه الحصول على درجة الامتياز في إحدى المساقات في الجامعة، لأنه لم يقف خمس دقائق يتحدث أمام الطلاب في موضوع في المنهاج المقرر، فقاوم الخجل واجتهد في بناء نفسه ولم يرض أن يكون في تلك الحالة حتى أصبح محاضراً ومدرباً عالمياً ظهر على أكثر من 18 قناة فضائية وقنوات إذاعية؟ ذلك الشاب هو أنا «عبداللطيف العزعزي». القصص الإنسانية يعتبر الدكتور عبد اللطيف العزعزي، خبير التنمية البشرية، أن المعرفة الضمنية ثمينة، لما لها من تأثير على المتلقي يفوق النصح والإرشاد المباشر، ويقول إن «ما نقصه على الآخرين فيها الكثير من الحكمة والعبرة والفائدة طالما أنها صنعت منك شخصاً أنت تحبه الآن، أو جعلتك تدرك أموراً كنت غافلاً عنها وتعلمت منها دروساً قيمة، فكثير من الناس في كثير من الأحيان قد لا تنفع معهم النصيحة ولا الموعظة، ولكن تحركهم قصص يحكيها أصحابها فتغير فيهم وفي نفوسهم. دعيت قبل سنوات لعلاج شخص دخل في حالة نفسية سيئة استمرت معه أكثر من السنة لدرجة أنه أدخل مستشفى الصحة النفسية، فذهبت إليه وجلست معه أقل من نصف ساعة وهو لا يتكلم، فذكرت له مما ذكرت شيئاً يسيراً من سيرتي ثم خرجت، وبفضل الله تغير تفكيره وخرج في اليوم نفسه من المستشفى وتغيرت أحواله». استدلال قوي الاستشارية الأسرية ظلال الجابري الباحثة في العلاقات الزوجية وصاحبة كتاب «خواطر في المشاكل الزوجية» لا تستدل في محاضراتها إلا بالقصص الموثوقة للمشاهير والمعروفين، مؤكدة أن التوثيق عن طريق الكتابة وإصدار الكتب لبعض التجارب البسيطة والشخصية للناس العاديين قد يعرض صاحبه للاستهزاء والسخرية في بعض الأحيان، وتضيف موضحة رأيها: «أختار بعناية قصص الاستدلال التي أرويها خلال المحاضرات وأعزز بها قيمة ما، وأعتمد على القصص الإنسانية والدينية والتاريخية المعروفة حتى لا يكون هناك مجال للشكل أو التأويل، أما القصص الشخصية وللناس العاديين فإن الاستدلال بها يبقى ضعيفا وغير موثوق به خاصة في مجال التأليف، بينما يمكن سردها شفويا والاستفادة منها في مواقف معينة، وأنا لا ألوم من لا يرغب في كتابة قصته لأنه قد يتعرض للتشكيك، وتبقى بعض القصص تدخل في مجال الخبرة وليست قصصا ملهمة، لأن التوثيق يحتاج إلى أدلة، فمثلا قصة الانتصار على المرض تحتاج إلى تقارير طبية وهذه متوافرة وتدعم القصة بينما بعض القص لا تتجاوز أن تكون تجارب شخصية لا ترقى إلى توثيقها، كما هو الحال بالنسبة لقصص الناس المعروفين التي تحظى بشهرة واسعة».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©