الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

أفق لرؤية أميركية جديدة للتعامل مع المعتدلين

24 يناير 2007 02:12
السعد عمر المنهالي: كيف ستتعامل واشنطن مع الشيخ شريف الشيخ احمد الذي أفادت التقارير الإعلامية أنه سلم نفسه للسلطات الكينية؟! تفتح الإجابة على هذا السؤال الباب على الإستراتيجية الجديدة التي ستنتهجها الولايات المتحدة الأميركية في الفترة المقبلة مع عدد من الأطراف المحسوبة على التيار الإسلامي المعتدل ليس فقط في الصومال، وإنما في بقاع أخرى من منطقة الشرق الأوسط! عندما أعلنت السلطات الكينية مساء أول من أمس أنباء القبض على الشيخ شريف الشيخ أحمد الذي يعد أحد أهم قادة المحاكم الإسلامية في الصومال، كانت إشاعات قد سبقت الإعلان عن دخول الشيخ أحمد الأراضي الكينية للتفاوض، وهو الخبر الذي نفته السلطات الاثيوبية واستبقت الحكومة الصومالية الانتقالية بقيادة عبد الله يوسف رفضه بقولها إن أي حوار مع المحاكم الإسلامية من شأنه أن يكرس التعامل الأميركي الخاطئ مع الملف الصومالي· وهذا يعني أن في الأمر اختلافاً بين من كانوا بالأمس القريب متفقين تماماً حول الشأن الصومالي، وهو ما توج بالضربة الجوية التي قامت بها الولايات المتحدة الأميركية في التاسع من الشهر الجاري يناير عام 2007 للأراضي الصومالية، ذلك الاختلاف الذي بدت تدركه الولايات المتحدة جيداً، خاصة مع وعي الإدارة في واشنطن بأن الأجندة الاثيوبية تختلف مع أجندتها· وهو الاختلاف الذي يدفعنا للتساؤل عن مستقبل الصومال بعد أن تثبت الأيام المقبلة من له اليد الطولى في تحديد شكل الحكم في مقديشيو· عندما أقدمت الإدارة الأميركية بغارتها في الصومال، هب دبلوماسيوها بالدفاع عن إجرائهم أمام المجتمع الدولي في مجلس الأمن للأمم المتحدة بدعوى أنها ضربة موجهة للإرهابيين وأنها قصدت بالضربة عناصر في تنظيم القاعدة من المسؤولين عن تفجير سفارتي كينيا ونيروبي، وجدت نفسها في ورطة بعد أن تأكد لها فشل الضربة، وعدم وجود العناصر التي استهدفتها· بالتأكيد كان لهذا الأمر دور كبير في إعادة بعض الحسابات الخاصة داخل الإدارة الأميركية حول الصومال، فطوال الأعوام الأربعة الماضية ظلت واشنطن تتعاون مع الحكومة الإثيوبية الداعمة للحكومة الانتقالية في الصومال للتخلص من النفوذ الإسلامي المتزايد هناك، وذلك بعد تأكيدات أديس أبابا المستمرة بأن الجماعات الإسلامية في الصومال تمثل تهديداً مباشراً على المصالح الأميركية وتهدد بشكل مباشر مساعي الأخيرة في محاربة الإرهاب· وكما قالت صحيفة ''النيويورك تايمز'' في أحد تقاريرها الذي أكدت فيه أن ''القوات الإثيوبية الغازية تتحرك وفق تعليمات مباشرة ومعلومات دقيقة تصلها من ''البنتاغون'' حيث أقيمت غرفة عمليات كاملة تتابع الوضع الميداني على مر الساعة، وترسل صور الأقمار الاصطناعية مباشرة إلى أديس أبابا''، فإن التغذية المعلوماتية السابقة لهذا التحرك كانت تصل لواشنطن من أديس أبابا، وهو ما بدأ إلى حد يدفع الأميركيين لكي يعيدوا حساباتهم، خاصة مع تصريحات الشيخ شريف الشيخ احمد الذي أدلى بها لوسائل إعلام أجنبية وأكد فيها أن الولايات المتحدة الأميركية تعتمد في معلوماتها على مصادر مشبوهة، وكذلك عدم تردده في التأكيد على إمكانية تجسير العلاقة بين المحاكم والولايات المتحدة، على أساس علاقة قائمة على المصالح المتبادلة· غياب الشبهة الطالبانية يبدو أن كل ما اعتمدت عليه الولايات المتحدة الأميركية في رفضها لسيطرة المحاكم الإسلامية على العاصمة الصومالية وتزايد نفوذ الأخيرة اعتمد على الصورة التي نقلتها لها إثيوبيا- العدو التقليدي للصومال-، غير أنه بدأ يظهر فيما بعد أن المحاكم الإسلامية ما هي إلا جماعة قررت التخلص من سيطرة أمراء الحرب الذين عاثوا في الأرض فسادا وآذوا العباد، وهو ما تثبته سيرة شيخ أحمد البعيدة تماماً عن أي شبهة طالبانية، والمؤكدة طوال ظهوره على الساحة الصومالية منذ عام 2003 سعيه لاستقرار المنطقة بعد خمسة عشر عاماً من الظلم الواقع عليهم، وأخيراً إعلان الجهاد ضد القوات الإثيوبية الغازية· دفعت هذه المعطيات لتحرك أميركي قد يبدو إلى حد ما مختلفا تجاه المحاكم، وخاصة الوجوه المعتدلة فيها، والتي لم تبد أي عداء واضح للأميركيين، وهي الحالة التي فهمت على أنها محاولة غزل من المحاكم مع الإدارة في واشنطن، تجاوبت معها الإدارة إلى حد ما، وإن كان ضمنياً وفي الخفاء، وبعد فترة طويلة، إلا أنها تأخذ مكانا لها بعد أن فشلت الغارة التي استهدفت عناصر القاعدة، إضافة إلى تصاعد الاستنكار الداخلي الأميركي على مستوى الكونجرس، والدولي لاسيما الأوروبي ضد استخدام القوة المفرط من الولايات المتحدة الأميركية، وتبدو كأنها غزل أميركي لقادة المحاكم أكثر منه غزلا من المحاكم للإدارة في واشنطن· لم تتمكن الإدارة الأميريكية من إثبات غير ما ورد في التقارير الإعلامية حول الوضع الأمني في الصومال منذ يونيو العام الماضي ،2006 المتعلق بحالة الاستقرار التي شهدتها الصومال لأول مرة منذ 15 عاماً· هذا الاستقرار الأمني الذي تحتاجه واشنطن لتنفيذ استراتيجيتها في المنطقة، والمتمثلة في توسيع الوجود العسكري في القارة الأفريقية لتتحول منطقة القرن الأفريقي مرتكزاً لأي تحرك أميركي مستقبلي قد يحدث في إطار حربها ضد الإرهاب· أما العامل الآخر والذي لا يقل أهمية عما سبق -بل قد يفوقه- هو الاستئثار بنفط في المنطقة وقطع الطريق أمام قوى أخرى أخذت توجد لها أرضا في القارة السوداء كالصين· المصلحة أولا وأخيرا لا يهم مع من تتعامل الولايات المتحدة، المهم كيف يستطيع من تتعامل معه تنفيذ استراتيجيتها وتحقيق أهدافها، هذا ما اثبتته التجربة التاريخية للدولة العظمى· وإن كان المخططون لآليات تنفيذ أهداف الولايات المتحدة لا يتجاهلون تماما أهمية أن يحصل ذلك بأقل قدر من الخسائر، ومن هنا برزت دعاوى أميركية بفتح باب الحوار مع المحاكم الإسلامية، التي استطاعت فرض الأمن في مدة وجيزة ظلت الصومال -لاسيما الأماكن التي سيطرت عليها المحاكم- عطشى له، هذا إضافة إلى التكاتف الشعبي حول المحاكم، والأهم عدم إعلان المحاكم في أي وقت من الأوقات أن الولايات المتحدة الأميركية عدو لها، كما أعلن الشيخ شريف الشيخ أحمد مراراً وفي مقابلات إعلامية مختلفة أثناء فترة سيطرة المحاكم على مقديشو· عموماً تظل الأيام المقبلة حبلى برؤية أميركية مختلفة عن الطريقة التي ستتعامل بها الولايات المتحدة مع المعتدلين من الإسلاميين الذين ظلوا ولفترات طويلة منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر يؤكدون للعالم أن ما حدث في نيويورك وواشطن ليس بنهجهم، بل إن طريقة الأميركيين في التعامل معهم قد تدفع بعضهم إلى ذلك· وهو الأمر الذي تترقبه نظم معينة في المنطقة، ففتح باب الحوار مع هذه الجماعات وما ينتج عن هذا الحوار، سيفتح الباب عليها أيضاً لها حول بدائل أخرى قد تستثنيها مستقبلاً من اللعبة السياسية!·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©