الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فنانون في نار التجربة

فنانون في نار التجربة
15 أكتوبر 2011 17:53
التعدد والتنوع والاختلاف في كل شيء، اختلاط الهواة بالشباب أصحاب التجارب القليلة وبعض المحترفين من الشباب، مستوى الوعي بالشروط والظروف واستخدام الإمكانيات، هذه وسواها من أبرز ما طرحته الدورة الخامسة من مهرجان دبي لمسرح الشباب، بمشاركة إحدى عشرة فرقة وأحد عشر عرضا مسرحيا، عكست الرغبة الجدية لدى عديد الأطراف المشاركة في تقديم الجديد والمختلف والمعاصر، تقديم ما يضيف لبنة في بناء المسرح الإماراتي كله، تاركة الكثير من الأسئلة برسم الإجابة لدى المنظمين والمشاركين والمهتمين ممن تابعوا العروض، فليس كل ما نرغب به نحققه، وطموحات الشباب ربما تتجاوز القدرات والإمكانيات، وبقدر ما يمكن لها استغلال الإمكانيات، فهي قد تسقط صريعة لها. المهرجان الذي أقيم برعاية هيئة دبي للثقافة والفنون، في الفترة بين الأول والثاني عشر من أكتوبر الجاري، انطوى على ظواهر مهمة تسمح باستخلاص عدد من أبرز المواصفات التي تميز مسرح الشباب في الإمارات، سواء عبر العروض المقدمة، أو من خلال الندوات النقدية التطبيقية التي كانت تلي كل عرض، فنجد الشباب بتجاربهم ودمائهم الحارة، يتفيأون ظلال فنانين من ذوي الخبرات والتجارب المسرحية المعروفة، وما يمكن أن ينجم من هذا “اللقاء الحواري الحميم”، إن أمكن القول، من تفاعل يخدم التجارب الواعدة ليخدم من خلالهم الحركة المسرحية عموما، ليجعل من العروض، ومن المهرجان عموما، مناخا اجتماعيا وثقافيا وليس مجرد عروض معزولة. فالحضور اليومي للفنانين من أصحاب التجارب، وتفاعلهم مع العروض ومع الفنانين الشباب، يخلق مناخا مسرحيا شاملا، من دون أن يكون هذا حكما قيميا على هذه الظاهرة ومخرجاتها ومستوى ما يتم تقديمه بعد انفضاض التظاهرة. حضور الشباب المسرحيين والمهتمين بارز ولافت، سواء كانوا من المشاركين في العروض أو ممن يطمحون للمشاركة ربما، حضور لافت لأنه يجمع أبناء هذا الجيل في ما بينهم في حلقات نقاشية عفوية يتدخل فيها “الكبار” أحيانا، فيحتدم الجدل حول الرؤى والتصورات، القديم والجديد، نظريا حول المفاهيم، وعمليا من خلال مناقشة نقاط محددة في هذا العرض أو ذاك. ولافت أيضا حضور المرأة من أجيال مختلفة، وغالبا من الشابات، وفي مجالات مختلفة، التمثيل والتصوير الفوتوغرافي والعمل الإعلامي وغيرها، فهذا هو مهرجانهم ومهرجانهن الذي باتوا يستعدون له سنويا منذ خمس سنوات. قراءة في المشهد في القلب من هذه المناخات نقرأ المشهد المسرحي، عروضا ونقدا، فنتوقف مع أبرز سمات هذا المشهد المتنوع، ونبدأ من الحضور الواضح لجهود الشباب من مؤلفين وممثلين ومخرجين وفنيين، فغالبية الأعمال اعتمدت ـ أكثر من الدورات السابقة ـ على نصوص ورؤى إخراجية وممثلين من الشباب، من دون غياب لخبرات الكبار في بعض النصوص وفي القيام بالإشراف الفني على العمل، حيث أن بعض الأعمال حظيت بإشراف من الفنانين المخضرمين (مثلا: الدكتور حبيب غلوم أشرف على “فاصل ونواصل”، وعمر غباش على “رسم حديث”، والفنان الدكتور محمد يوسف على عرض “في المسدس رصاصة”)، لكن من دون أن يكون لهذا الإشراف دور في نجاح العمل بالضرورة. وهنا لا بد أن نشير إلى تذبذب في مستوى من سبق لهم أن خاضوا تجارب كتابية أو إخراجية في الدورات السابقة، بين من لاحظنا تحسن أدائه أو تراجع هذا الأداء، وكأن هذا المبدع ليس هو ذلك الذي حضر في العام الماضي، الأمر الذي يعني أن الكثيرين ما يزالون في مرحلة المحاولة والتجريب على قاعدة الصحيح والخطأ، والنجاح والفشل. النص واللغة أول عناصر العرض المسرحي الذي نعرض له هنا هو النص المسرحي، وهنا تبرز عناصر عدة أيضا، منها كون غالبية النصوص المشاركة هي من تأليف الكتاب الشباب الذين سبق لهم تقديم نصوص في مهرجانات سابقة، منها هذا المهرجان أو ايام الشارقة المسرحية، وعلى سبيل المثال طلال محمود وجاسم الخراز اللذين قدما مساهمات عدة في مهرجانات سابقة بل نالا جوائز عن بعض نصوصهما، لكن المفارقة هي في مساهمة عمر غباش بنص قام بإعداده عن مسرحية من تأليف محسن النصار إضافة إلى قيامه بالإشراف على العرض “رسم حديث” الذي لقي انتقادات وملاحظات كثيرة. هذا من جهة السن، بينما يلفت النظر أيضا غياب أي نص من تأليف كاتبة، مع أن الساحة لا تخلو من كاتبات المسرح. على مستوى آخر تبرز ملاحظة تتعلق بلغة النص، وهي مثار جدل دائم في الوسط المسرحي كله، فالملحوظ أن معظم العروض تقوم على نصوص باللهجة المحكية المحلية، باستثناء عملين ربما، وليس هذا عيبا، إذ يمكن اللجوء إلى هذه اللهجة عند الضرورة، ولكن مع مراعاة عدم الإغراق بالعامية وباستخدام مفردات شديدة المحلية لا يدركها سوى أهلها، كما أن استخدامها ينتقص من العمل ولا يضيف إليه، وليس صحيحا أن كل غرق في المحلية يقود إلى العالمية كما يعتقد البعض، فبعض العروض تضيع فيها المعاني وراء اللهجة، وكأن ذلك هو عمل عظيم في خدمة الموروث والهوية، حتى من دون أي توظيف حقيقي لهذا الموروث، بل مجرد استخدام سطحي له و”تلصيق” لمفرداته بلا أي مبرر غالبا. في المسرح اليوم هناك لغة ثالثة يستطيع المؤلف والمخرج والممثلون أن يقدموا عملهم بها فلماذا التشبث باللهجة الضيقة؟ وهل هو مسرح موجه للمواطن فقط، في بلد يعج بالجنسيات، وماذا لو أراد هذا العرض الخروج خارج الحدود، خصوصا هذه العروض التي تتكئ اتكاء أساسيا على لغة النص والحوارات المنطوقة، وتغيب عنها لغة الجسد والعناصر الفنية الأخرى؟ الإخراج والتمثيل شكلت الرؤى الإخراجية الشبابية المقدمة في المهرجان أزمة واضحة على مستوى تقديم الجديد بصورة واضحة يستطيع الجمهور التعامل معها، فسادت الرؤية الضبابية أو الغامضة غموضا مغلقا، حتى أن سؤال “ماذا يريد المؤلف والمخرج أن يقدما في هذا العمل؟” كان مطروحا في نهاية عدد من الأعمال. وفي الندوات النقدية، ولم يكن بعض المشاركين يملكون إجابة واضحة ومحددة عن السؤال. الغموض على مستوى الرؤية الإخراجية يتمثل في تقديم عمل بلا هوية فنية محددة المعالم والملامح، تخلط الواقعي بالحلمي، وتمزج المفردات القديمة والحديثة، فنرى قمة التقنية تجاور مفردات الحياة القديمة، بلا أي تنسيق أو تناغم، فيضيع العمل في غياب الهوية الفنية والفكرية ـ الموضوعية. هناك رغبة لدى المخرجين الشباب في استعراض “عضلاتهم” الفنية، ما يدفعهم لتقديم اقتراحات فنية ذات مواصفات تتسم بالفخامة والضخامة، هناك أدوات وإمكانيات فنية يجري استخدامها على نحو خاطئ يجعل أثرها معكوسا، خصوصا على صعيد التمثيل والإضاءة، فقد واجه المخرجون نقدا لاذعا على مستوى توجيه الممثل، والعلاقة بينه وبين الإضاءة، بحيث غاب الممثل غيابا كاملا وحضر المخرج حضورا بلا صورة محددة، وعلى سبيل المثال غرق عدد من الأعمال في استخدام خاطئ لتوجيه الإضاءة، والاستفادة من الإمكانيات الجسدية والتعبيرية للممثل، وكثيرا ما غاب وجه الممثل في ما يشبه العتمة، حتى أن البعض كان يتساءل في حضور الممثلين من مسرحية معينة “من هو الذي قام بهذا الدور أو ذاك؟”، لشدة الخلط والضياع بين صور الشخصيات التي يرسمها المخرج ومن قبله المؤلف؟ كذلك ظهر البذخ في استخدام العناصر الفنية، من إضاءة وديكور مثلا، بحيث صار سمة بارزة للكثير من العروض، وهو استخدام يفتقر إلى التوظيف، وباستثناء عمل أو عملين جرى التحكم فيهما بقدر من التوازن بين العناصر الفنية، فقد غرقت الأعمال في افتقاد مثل هذا التوازن، فترى ديكورا فاخرا، وإضاءة باذخة، ومؤثرات صوتية جميلة، لكنها جميعا في غير مكانها، والأهم أنها لا تقيم علاقة مع الممثل، بل تقوم عزلة تفصل هذه العناصر كلها، فإما أن يغرق الممثل في عتمة وصراخ، أو أنه يجد نفسه بلا أي من تلك العناصر. وكأن المخرجين ما زالوا يتمرنون على إقامة ذلك التوازن. وفي حين يعتمد المسرح الحديث اساسا على الممثل وإمكانياته التعبيرية، غابت عن معظم العروض مثل هذه السمة، فوجدنا ممثلين من أصحاب التجارب المعروفة في مسرح الشباب تائهين بسبب عدم قدرة المخرج على استخراج طاقاتهم وقدراتهم، أو لأن المخرج يتعامل مع نص لا يتيح مثل هذا الشرط الأساسي في تحريك الممثل وتوجيهه، فتطغى لغة الحوار المنطوق على لغة الجسد وتعبيرات الملامح. وحتى في ما يتعلق باللغة المنطوقة كانت هناك الكثير من المشاكل المتعلقة بالنطق غير السليم وغير القادر على إيصال الكلمات بشكل مفهوم، وخصوصا باللهجة المحلية، حيث سرعة النطق وتداخل الحروف يمنعان الفهم. القضايا والمعالجات تعددت القضايا والهموم التي عالجتها العروض المقدمة، وتنوعت الأسئلة التي تطرحها، فكان بعضها واضحا في طرحه والآخر يفتقر إلى الوضوح، فقضايا البيئة والمجتمع المحلي المزمنة تجاورت مع قضايا الشباب المعاصرة والحديثة، وهذه ترافقت مع قضايا التقنيات وتأثيرها على الشباب، كما حضرت الهموم الإنسانية والكونية والوجودية جنبا إلى جنب. فمن قضية الإنجاب المرتبط بالخرافة والطب الشعبي، إلى أقصى استخدامات “البلاك بيري” وتأثيراته على الفرد والجماعة، وطرح هموم الفنان والمبدع في وعيه ومفاهيمه وعلاقاته، وصولا إلى ما يجري في الكون من كوارث بسبب الحروب والصراعات، إضافة إلى تناول دور الإعلام والفضائيات وما تنتجه من وعي اجتماعي وسياسي واقتصادي في العالم، وغير ذلك، فقد تناول المؤلفون والمخرجون الكثير مما يعانيه الشباب من مشكلات مع مجتمعاتهم ومع الكون والوجود بصورة عامة، لكن المهم هو كيف تمت المعالجة؟ ثمة تنوع كما قلنا على كافة الصعد، ومنها التنوع في طبيعة القضايا وطبيعة معالجتها، ثمة نصوص تذهب نحو هدفها بوضوح، كما هو الحال مع عرض “الضباب” الذي أراد معالجة هموم اللاجئين نتيجة الصراعات في العالم، حيث النص الواضح والأدوات الإخراجية بطابعها الواقعي الذي يرسم المشهد بضبابيته، ويجسده بمفردات شديدة الواقعية (الطائرات والموت والخطف والاغتصاب)، وهناك العمل المغرق في رمزيته في التعامل مع بعض القضايا الاجتماعية إلى حد يشعر معه المشاهد بالتغريب والغربة عما يجري تقديمه، وكان من المهم التفات المسرح الشبابي إلى القضيتين الأكثر إشغالا للشباب وهما حضور التكنولوجيا وتأثيرها في حياتنا، لكن المعالجة في الحالتين لم تكن لترقى إلى المستوى الفني والفكري المطلوب فوقعت في مطبات المبالغة على غير صعيد من استخدام الأدوات الفنية. أما القضية التي تربط الوجودي بالاجتماعي والاقتصادي، فقد حضرت في عرض “في المسدس رصاصة” التي جمعت ثلاثة من الراغبين في الانتحار، لكل سببه، لكن السبب الاقتصادي هو المتحكم في الوضع. هذا التنوع في الاهتمام بتناول القضايا ومعالجتها يدل على وعي الشباب بما يجري من حولهم، لكننا في المسرح تحديدا نحتاج إلى الأساسيات، وهو ما افتقرت إليه بعض العروض، فغابت عن بعضها الرؤية الواضحة لكتابة نص مسرحي يمتلك العناصر الأساسية، بما يتطلب تدخل المحرر الفني أو الدراماتورج في إعادة صياغة العمل، وبما يعني ضرورة تدخل الإشراف الفني في صوغ الرؤية الإخراجية وخلق التوازن بين عناصرها، وهو ما طرحته الندوات النقدية بشدة، ويبقى أن يتنبه إليه المهتمون. وفي النهاية، ينبغي القول إن هناك عروضا لا ترقى حتى إلى المستوى المدرسي، نصا وإخراجا وتمثيلا، ولا ندري كيف تسربت هذه الأعمال من غربال لجنة المشاهدة الموكلة باختيار من سيشارك في هذا المهرجان؟ وهناك عدا ذلك تفاوت في المستويات يفرض مراجعة للاستراتيجيات المتبعة في تأهيل جيل جديد من شباب المسرح ومسرح الشباب.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©