السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

درس صيني: إخضاع العدو بلا حرب

درس صيني: إخضاع العدو بلا حرب
12 أكتوبر 2011 20:42
غزت المنتجات الصينية الأسواق العربية من المحيط إلى الخليج، لكن معرفتنا بالثقافة والفكر الصيني لاتزال محدودة، صحيح ان هناك كتبا كثيرة وعديدة عن الصين لكن معظمها يعتمد على ترجمات أوروبية، وقليلا جدا ما نقل عن اللغة الصينية مباشرة، ولنا ان نتوقع ازدهار الترجمة عن الصينية في الفترة القادمة بسبب تأسيس قسم اللغة الصينية وآدابها بجامعة عين شمس بالقاهرة حيث يتخرج عدد من المترجمين عن الصينية، مباشرة ومن أبرز هؤلاء د. محسن فرجاني مترجم كتاب “فن الحرب عند سونبين” وظل هذا الكتاب مفقودا ما يقرب من ألف عام، حتى تم اكتشفته بعثة أثرية كاملا في العام 1972 ونشر للمرة الأولى في عام 1975 وكانت اللغة اليابانية اول لغة يترجم اليها وها هو يظهر كاملا بالعربية. وضع هذا الكتاب فيما يسمى “زمن الدول المتحاربة” وهو الزمن الذي أدى الى ظهور الصين الموحدة لأول مرة في التاريخ، فقد كانت الصين عبارة عن أقاليم ومقاطعات متحاربة، وانتهت الحروب الى حلول وسط بين الجميع، ولذا فإن الثقافة الصينية تقوم على مفهوم الوسط والتوسط والحروب عندهم كانت تهدف للوصول إلى هذه المنطقة، وعرفت الصين نموذجا من القادة العسكريين جمعوا بين فن الحرب والاهتمام الثقافي والفكري، وكانت الحروب عندهم أقرب الى الحلول الاجتماعية لمشاكل كثيرة ولم تكن مقصودة لذاتها، وهذا يبدو لدى “سونبين” صاحب الكتاب الذي بين أيدينا. الفكر والسلاح لا يعرف المؤرخون لهذا القائد والمفكر تاريخ ميلاد محددا أو تاريخ وفاة، لكن المؤكد انه عاش في زمن الدول المتحاربة الذي يقع بين القرنين الخامس والثالث قبل الميلاد، وقد خاض العديد من المعارك العسكرية منتصرا فيها كلها، وعرف بالشجاعة والقوة وايضا الانسانية، من الناحية العقائدية والفكرية كان منحازا إلى الكونفوشيوسية ولذا طرح أفكاره وفق مبادئ “العدل والاستقامة” على النحو الذي أقرته تلك الفلسفة بوضوح تام، ولأنه مفكر وفيلسوف ومقاتل وقائد عسكري، فهو يرى ان الحرب ليست هي الوسيلة الوحيدة التي يمكن الارتكان إليها ولا هي الوسيلة التي لا يمكن تجنبها، وهو ينبه الى ما تنطوي عليه الحرب من سلبيات تحول دون إيجاد الحلول لمختلف المشكلات، ولكن ايضا يتحدث عن ان الانتصار هو أهم دعامة للقوة ولمجد الدولة، والحرب عنده وسيلة لتحقيق وحدة الأمة وهو هنا يتحدث عن تجربة بلاده الخاصة فالصين الموحدة تكونت بعد حروب ومعارك طويلة. بعض النقاد الصينيين راحوا يدرسون هذا الكتاب ويخلصون منه الى ان به بذور نظرية المادية الجدلية التي أثّرت في صين القرن العشرين وثورة ماوتسي تونج، مثل قوله في هذا الكتاب “لابد من فهم طرق السماء وطبائع الأرض، ولابد من ضمان تأييد الأهالي في الداخل والتأثير في مشاعر الأعداء في الخارج”، لكن يبدو من قراءة النص ان ذلك استنتاج وتفسير منصف للغاية، فالحديث عن العلاقة بين السماء والارض موجود في كل الثقافات والآداب تقريبا، بل اننا يمكن ان نجد في الكتاب ما يناقض فكرة المادية الجدلية التي تقوم على مفهوم الصراع والتناقض. ويقول في الفصل الثاني من الكتاب “لا ينبغي ان تكون الحرب هي الحل الدائم على طول المدى، وذلك انه إذا تحقق النصر بالقتال تجدد البقاء لأمة كانت على حافة الخطر، وكتب لأهلها وعشائرها حياة باقية ووجود جديد، اما اذا منيت في الحرب بالهزيمة، تنازلت عن أرضها صاغرة مستسلمة، وتعرضت الأوطان وأهلها لمخاطر تهدد الوجود والحياة وينتقد القادة الذين يفجرون الحروب”. كان المولعون بالحرب والقتال هم الذين جلبوا على الأوطان الدمار والضياع، وكان الساعون وراء النصر بأي ثمن هم الذين حاق بهم الخزي والعار، يقول أيضا “ان أعظم المبادئ العسكرية يقوم على كراهية الحرب”. ويبدو أن من خاض الحروب هو من يعرف عبئها وتكلفتها المعنوية والإنسانية فضلا عن الجانب المادي والاقتصادي. إغراء الحروب ويقدم القائد والمفكر الصيني آراء تبدو غريبة، حيث يرى ان ازدياد الثروة وتراكمها في بلد ما يمكن ان يغريها ببناء الجيوش والدخول في معارك حربية، ويبدو من هذا انه يرحب بالقوة أو يخشى من ازدياد الثروة عندما لا يمكن ان تستغل هذه الثروة في التعمير وبناء حياة سعيدة لأبناء ومواطني الدولة، ربما لم يكن في عصره سوى القوة العسكرية، لكن الآن هناك القوة الصناعية والعلمية، أمامنا اليابان نموذجا، لكنه لم يكن ضد الثروة والرفاهية في حد ذاتها، ففي احد فصول هذا الكتاب الذي يقع في جزءين يقول “إن قوة الأوطان ومجدها الحقيقي يقاس بمدى ما تمنحه من الراحة واستعادة طاقاتها المهدرة، ثم ان أسباب تدهورها واضحة لانها تنشأ عما تتردى فيه من حملات عسكرية متكررة”. ويتوقف عند المعايير والقيم الأخلاقية التي يجب ان تسود الأمة وأنها تتكون عبر أجيال وأجيال “ان المستوى الخلقي الرفيع قاعدة صلبة تترسخ بتراكم التجارب ورصيد السنين والأيام”. ويقول ايضا “ان الإخلاص والإيمان والثقة تقوم جميعا على مبدأ الجزاء العادل والمكافأة النزيهة”. في الصين القديمة سوف نجد إن القادة العسكريين وأبطال الحروب كانوا يجمعون بين الخبرة العسكرية والتخصص الحربي وكذلك الدراسات والكتابات النظرية والفلسفية، هي الصين ذات الطبيعة الخاصة وكذلك ثقافاتهم شديدة الخصوصية فملوكهم القدامى نشأوا من التقاء السماء والارض لذا كان الملك أو الامبراطور يحمل لقب ابن السماء، لكن ابن السماء لم يكن إلها ولا من سلالة الآلهة، مثلا كان فرعون مصر في وقت من الأوقات ابن الإله آمون وفي الصين يختلف الأمر. ولا يعرف التاريخ أمة شهدت حروبا وصراعا بين أقاليمها مثل الصين، لذا احتل القادة العسكريون مكانة كبرى في تاريخها وفكرها القديم، ونجد قبل سونبين بفترة ليست طويلة قائدا آخر هو “سونزي” وضع كتابا بنفس العنوان “فن الحرب” حمل افكارا مشابهة حتى انه يقول “ان اعظم إنجاز يمثل قمة الوعي والحكمة هو إخضاع العدو بغير حرب، والخطة الممتازة هي تلك التي تهدف اولا الى إحباط خطط العدو ونزع أفكاره وقناعاته، ثم تسعى في النقطة الثانية الى هدم صرح علاقاته الخارجية، وفي الخطوة الثالثة تستهدف هزيمة قواته العسكرية واحتلال مدنه الحصينة عند الضرورة”. وسبب ذلك خلط كثير من الباحثين بين القائدين والكتابين. الكتاب: فن الحرب عند سونبين المترجم: د. محسن فرجاني الناشر: هيئة قصور الثقافة بالقاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©