الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

هل يتغير العالم حتماً؟!

12 أكتوبر 2011 23:05
عبدالله عبيد حسن كاتب سوداني مقيم في كندا هذه أيام فريدة في تاريخ عالمنا المعاصر... فهو اليوم يموج ويغلي غضباً وخوفاً من مستقبل لا يستطيع ادعاء معرفة -وعلى وجه التحديد- أين تصل به حركة العنف والاحتجاج وإلى أي مدى ستتواصل بوتيرتها الحالية! وإذا كان جزء من العالم -وهو الوطن العربي تحديداً- قد سبق بلدان أوروبا وأميركا الشمالية إلى التحرك الذي فجر براكين كانت تغلي بداخله منذ ثمانينيات القرن العشرين... فإن المراقب للموقف لابد أنه قد لاحظ الغضب وحركات الاحتجاج والرفض الإيجابي للسياسات والمواقف والحروب التي قادت إليها الإدارات الأميركية والبريطانية منذ عهد ريجان وتاتشر، والتي توصف بمرحلة نهوض اليمين الرأسمالي المتشدد سياسياً وعقائدياً. لقد وصل النظام الرأسمالي الجامح في جشعه وطمعه إلى نقطة الإفلاس الاجتماعي والسياسي. لقد شهد ازدهاراً وزيادة في الثروات إلى أبعد مدى، لكنه أثبت فشله الذريع وأصبح النظام العالمي الجديد الذي دعا إليه قادة الولايات المتحدة في مطلع التسعينيات، والذي قام على تجميد حرية التجارة مصحوبة بقشور من الدعاية الزائفة لانتصار الديمقراطية والثقافة الأميركية، مهزلة التاريخ المعاصر بامتياز. وأنفق كثير من الكتاب والفلاسفة كثيراً من الوقت والجهد والحبر في التبشير بالحرب الحضارية القادمة مع الإسلام، وبشروا برسالة الحضارة الغربية ومسؤوليتها عن تطوير شعوب وأمم العالم الثالث بغية إلحاقها بالحضارة الغربية المنتصرة والمزدهرة، وفي سبيل أهدافهم قدموا "فتاتاً" من المشاريع لمساعدة وإعانة العالم الفقير، وتفاخروا بنموذج المجتمع الرأسمالي الغربي. لقد اصطنعوا الحرب العالمية ضد "الإرهاب الإسلامي"، وأشاعوا الرعب والخوف وسط شعوبهم من الإسلام، لدرجة أن رئيس دولة محترمة مثل كندا، أعلن في حوار تلفزيوني مؤخراً، رداً على سؤال: ما هو الخطر الأول الذي يواجه كندا في هذه المرحلة التي تشهد انهيار النظام المصرفي المالي؟ فكانت إجابته بوضوح وبكلمات قاطعة: "إن الخطر الأول الذي يهدد كندا اليوم وغداً هو الإسلاميزم"، وهي كلمة من اختراعه لغوياً. وعاد ليشرح ما تسميه كندا بـ"الإرهاب الإسلامي"، هو عنده "الإسلاميزم"، وهذا لا يقتصر على كندا وحدها بل يشمل العالم الغربي كله، أي أوروبا وأميركا الشمالية! وهم في تجاهلهم المتعمد ذلك، فات عليهم ما قاله عمدة لندن السابق (العمدة الأحمر)، تعليقاً على الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها كثير من المدن البريطانية في الآونة الأخيرة: "إن هذه الشرارة التي أشعلت في برايتون هي مقدمة لحالة من الغضب كانت تتراكم تحت السطح، احتجاجاً ورفضاً على الهوة الكبيرة التي خلقها تضخم الثروات وارتفاع حدة الفقر وتزايد البطالة، أي المعضلات التي عجز الساسة عن إدراكها، لأنهم عادة ما ينظرون إلى أعلى، وينسون أن هنالك قاعدة يطحنها الفقر والبطالة وتدني شروط العيش الكريم بل وانعدامها أحياناً لدى غالبية المواطنين". وبشكل مفاجئ تماماً، وجدت أميركا التي عادة ما كانت فوق الجميع، وجدت نفسها صباح ذات يوم أمام قلة من الشباب تدعو إلى احتلال "وول ستريت" وتصرخ: لقد باعونا لأصحاب البنوك وأباطرة الرأسمالية ودفعوا... ودفعوا من الدماء لكي يحموا النظام المصرفي الرأسمالي! في البداية استهانت أجهزة الإعلام الرئيسية بما يحدث، وفي مقدمتها شبكة قنوات "فوكس" الشهيرة، ووصفت هذه القلة من الشباب بكل ما هو قبيح وغير ملائم. لكن مع استمرار اعتصام هذه القلة بالشباب، بدأ الرأي العام الأميركي ينتبه قليلاً ويعيد النظر فيما يحدث، إلى أن انضم الآباء والأمهات وقادة الاتحادات النقابية، وشملت حركة احتلال "وول ستريت" مدناً أميركية أخرى غير نيويورك. وأصبحت الأصوات العاقلة تتحدث بصراحة عن "جذور الأزمة وأسبابها"، وعن المستقبل المظلم الذي يواجه النظام المالي الأميركي. وأصبحت الحركة التي كانت تبدو مجرد حركة صغيرة ومعزولة لشباب غاضب وغير منتظم، حركة كبيرة تعبر عن آرائها وأسباب غضبها، وترد بغضب على الإعلاميين الذين اتهموها بأن لها صلة بإعادة انتخاب أوباما ومساندة "الديمقراطيين"، قائلة إنها ليست عميلة لأحد، وإن أوباما وحزبه هما جزء من النظام الذي يريدون استبداله بنظام أكثر عدالة واهتماماً بالإنسان الأميركي المسحوق الذي يمثل 99 في المئة من المواطنين، بينما تنعم القلة القليلة (1 في المئة) بكل الخيرات والثروات المنهوبة من عرق وجهد الأغلبية المحرومة. نعم، والعالم مواجه بأزمات لم يشهد لها التاريخ المعاصر مثيلاً، والوعي بالواقع الراهن المظلم يزداد كل يوم، وأجيال جديدة مستنيرة هي نتاج الثورة التقنية، أصبحت تتطلع بقوة لتغيير هذا الواقع العالمي غير المبهج إلى مستقبل أفضل وأكرم للبشرية. وحركة احتلال "وول ستريت" تمتد من نيويورك إلى كندا، فقد انتظمت الحركات المدنية التقدمية نفسها في تحالف من أجل التغيير. وفي يوم الخامس عشر من هذا الشهر ستشهد أوتاوا ومدن أخرى مواكب واعتصامات واحتجاجات مماثلة. التاريخ يعلمنا أن النظام الرأسمالي الحالي، الجشع والظالم، قد اكتملت دورته التاريخية، لا أقول إن حركات الاحتجاج التي خاضها شبابنا في الوطن العربي، وكان لها الشرف بأن تتقدم الصفوف العالمية، ستنجح في تغيير النظام العالمي الفاسد، لكن أقول بكل ثقة إنها قد خلخلت النظام وعرّته وأضعفت قوته، وإنها بمرور الزمن ستحقق التغيير الإيجابي. فتجدد الحياة وتغيير الأنظمة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، سنة من سنن الطبيعة والتاريخ. وقد نعيش ونرى النتائج لو بقيت في العمر بقية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©