الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أوباما ··· بين شارة العلم ومواضيع الشعب

أوباما ··· بين شارة العلم ومواضيع الشعب
28 فبراير 2008 01:25
في أكتوبر المنصرم، سأل صحفي ''باراك أوباما'' عن سبب توقفه عن توشيح صدره بشارة العلم الأميركي التي كان قد بدأ في وضعها، شأنه في ذلك شأن العديد من الشخصيات العامة، بعيد هجمات الحادي عشر من سبتمبر· كان باستطاعة ''أوباما'' أن يرد بالقول: إن ذلك ليس أمرا مهما، فما يهم بطبيعة الحال هو ما يؤمن به المرء ويفعله، وليس ما يلبسه· غير أن ''أوباما'' اختار أن يتحدث عن إزالته للشارة من على صدره باعتبارها عملا تحركه المبادئ، إذ قال: ''الحقيقة أنني مباشرة بعد الحادي عشر من سبتمبر شرعت في وضع الشارة، ولكن بعد فترة قصيرة، وبخاصة في حديثنا عن حرب العراق، أصبح ذلك بديلا للوطنية الحقيقية، التي تكمن في التحدث عن مواضيع مهمة بالنسبة لأمننا القومي، فقررت أن أكــف عــن وضـــع تلك الشـــارة على صدري''· الآن لنضع جانبا الادعاء بأن ''التحدث عن مواضيع'' هو الوطنية الحقيقية، ذلك أن أول ما يلفت الانتباه هو أن ''أوباما'' لم يستطع مقاومة تقديم تفسيرٍ مفخم وطنان، والواقع أن تصريح ''أوباما'' غير الضروري وغير الحكيم يطعن في ذكاء أو صدق أشخاص اختاروا الاستمرار في وضع الشارة على صدورهم، ولكن الغلبة في الأخير كانت للاختيال الأخلاقي، فهو كان يريد أن يقول إنه شخص صالح -ووطني- لدرجة أنه في غنى عن وضع شارة العلم على صدره· ويوم الاثنين الماضي في ولاية ''ويسكونسن'' قالت ''ميشيل أوباما'' في كلمة لها هناك: ''لأول مرة في حياتي الراشدة أشعر بالفخر ببلدي، ليس لأن ''باراك'' قد أبلى بلاء حسنا فحسب، وإنما أيضا لأنني أعتقد أن الناس متعطشون للتغيير''، وحياة ميشيل ''أوبامــا'' كراشدة تعــود إلى منتصــف الثمانينيات، فهل يمكن حقا أن يكون الأمر كذلك: لا شيء مما حققته الولايات المتحدة منذ ذلك الوقت جعلها تشعر بالفخر والاعتزاز ببلدها؟ الأمر كذلك على ما يبدو، ذلك أن ''حياة الناس العاديين'' -كما قالت لاحقا في نفس الولاية- ''ازدادت سوءا خلال فترة حياتي، عبر الإدارات الجمهورية والديمقراطية المتعاقبة·· إنها لم تتحسن كثيرا''· والحال أن حياة الأميركيين شهدت تحسنا على مدى ربع القرن الماضي في كل الجوانب تقريبا، كمـــا أن معظم الأميركيين -ومعظم الديمقراطيين- لا يرون أن تلك السنوات كانت مضيعة ولم يتحقق فيها شيء، وهكذا، سارع ''باراك أوباما'' إلى توضيح تصريحات زوجته فقال: ''ما كانت تقصده، هو أنه هذه أول مرة تشعر فيها بالافتخار بالحياة السياسية في أميركا''، مضيفا: ''وذلك لأنها، ولأسباب وجيهة، متشككة جدا في العملية السياسية، وهي في ذلك ليست الوحيدة''· وفي وقت لاحق من الأسبوع، زادت ''ميشيل'' في الشرح والتفسير وقالت: ''ما كنت أقصده بالطبع هو أنني فخورة بالطريقة التي انخرط بها الأميركيون في العملية السياسية اليوم''· ولكن من الواضح أن ذلك ليس هو ما كانت تتحدث عنه؛ ذلك أنها، وكما جادلت بذلك في خطابها في ''ويسكونسن'' فإن علة أميركا تتعدى عيوب العملية السياسية: ''أوباما يعلم أن ثمة ثغرة في أرواحنا''؛ لم يشكل هذا الكلام سوى نموذج للغة التي استعملتها ''ميشيل'' في وقت سابق من الحملة الانتخابية وهي التي قالت: ''باراك أوباما هو الشخص الوحيد في هذا السباق الذي يدرك أن علينا، قبل أن نتمكن من الانكباب على المشكلات، أن نصلح أرواحنا، فأرواحنا منكسرة في هذا البلد''· غير أنه بالإمكان إصلاحها وعلاجها، حيث قالت قبل نحو أسبوعين من ذلك -في ''لوس أنجلوس'' هذه المرة-: ''سيطلب منكم باراك أوباما أن تخلعوا عنكم التشكك، أن تتخلوا عن انقساماتكم، أن تخرجوا من عزلتكم، أن تغادروا ''مناطقكم المريحة''، أن تدفعوا أنفسكم نحو الأحسن، أن تنخرطوا· إن باراك لن يدعكم تعودون إلى حياتكم كما كان الحال من قبل، غير منخرطين وغير مطلعين على حقائق الأمور''· نحن إذن لسنا مضطرين للعمل من أجل تحسين أرواحنا، إذ بالإمكان إصلاحها، من خلال تصويتنا لأوباما، ونحن لسنا مضطرين للكفاح أو التضحية من أجل بلدنا، إذ بالإمكان تغيير حياتنا، وباختصار، فإن أميركا يمكن أن تصبح بلدا يمكن للمرء أن يفتخـــر به، من خلال اختيار باراك أوباما ليكون زعيمنا· إذا كان ''جون كينيدي'' -الذي يشبَّه به أوباما أحيانا- قـــد تحـــدى الشعب الأميركي في أعمال المواطنــة والوطنية، فإن ''باراك أوباما'' يجعلنا نشعر شعورا أحسن بخصوص ذواتنا، إذ يحلو كثيرا لـ''أوباما'' أن يقول: ''إننا التغيير الذي نسعى إليه''، و''إننا الأشخاص الذين كنا ننتظرهم''، والحق أن مهارات ''أوباما'' البلاغية تجعل ترشحه يبدو جماعيـــا تقريبا وليس فرديا، وتلك لفتة طيبة من جانبه تجاه الديمقراطيين، وفيها إطراء لأتباعــــه، غير أن حقيقة ما يقولـــه ''أوباما'' هو أنه هو الشخص الذي ننتظره· الحق أن ''باراك أوباما'' سياسي موهوب، ولكن السؤال هو: هل يستطيع الشعب الأميركي بحلول نوفمبر المقبل، أن يخلص إلى أنه بالرغم من كـــل مزايا ''أوباما'' وصفاته المبهرة، إلا أنه يميل بشكل مفرط نحو حرص ''بيل كلينتون'' على المصالح الذاتية، ونخبوية ''آل جور''؟ الأنسب أن يكون ''جون ماكين'' البديل لأوباما· فهو لا يقول كلاما مفخما، ولا يدعي أنه سيُصلح أرواحنا، ولا يعتقد أنه الشخص الذي ينتظره الجميع، ثم إنه أكثر افتخارا ببلاده منها بنفسه· وفق ذلك، فإن وطنيتــه تجسدت في أفعال أفصح من ''التحدث عن مواضيع''· كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©