الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

آسيا··· الصعود الآمن

آسيا··· الصعود الآمن
28 فبراير 2008 01:26
إننا ندخل عصرا جديدا من تاريخ العالم: نهاية الهيمنة الغربية ووصول القرن الآسيوي، غير أن السؤال هو: هل تعي ''واشنطن'' هذا الأمر؟ وهل سيقول الرئيس الجديد لمساعديه في يناير المقبل: ''قللوا زياراتي إلى أوروبا، وأرسلوني عبر المحيط الهادي، وليس المحيط الأطلسي· فمجموعة الثماني الكبار في غروب، ولذلك، فلنركز على المنظمات المشرقة في آسيا''؟ إذا كان تحول من هذا القبيل يبدو صعب التصور، فذلك يبرز مدى تمكن الخرائط الذهنية القديمة برؤية الأميركيين، فصحيح أن الغرب هيمن على تاريخ العالم خلال القرنين الماضيين، غير أنه لا ينبغي أن ننسى أن أكبر اقتصادين في العالم من العام 1 إلى العام 1820 ؟كما يؤكد ذلك المؤرخ الاقتصادي البريطاني أنجوس ماديسون- كانا هما الصين والهند· وعلاوة على ذلك، فقد توقعت دراسة لمؤسسة ''جولدمان ساكس'' الاستثمارية في 2003 أن أكبر الاقتصاديات في العالم بحلول 2050 ستكون هي الصين والولايات المتحدة والهند واليابان، على التوالي، بل إن دراسة أحدث للمؤسسة نفسها أظهرت أن الاقتصاد الهندي يمكن أن يتجاوز الاقتصاد الأميركي بحلول عام ·2043 ستكون التغيرات مذهلة وسريعة، وهو ما عبر عنه الخبير الاقتصادي ووزير الخزانة الأميركي السابق ''لورانس سامرز'' بقوله: خلال الثورة الصناعية، ارتفع مستوى المعيشة بمعدل 50 في المائة ربما خلال دورة حياتية إنسانية واحدة، أما معدل النمو الحالي لآسيا، فيمثل ارتفاعا غير مسبوق في مستوى المعيشة يقدر بـ10000 في المائة خلال دورة حياتية واحدة، غير أن المفارقة بخصوص عدم قدرة الولايات المتحدة عن الإقرار بهذا التغير الكبير تكمن في أن الولايات المتحدة ساهمت أكثر من أي بلد آخر في إثارة هذه الصحوة الآسيوية· وقبل الحرب العالمية الثانية، كان الاحتلال والغزو هما الطريقتان الوحيدتان بالنسبة للبلدان لتوسع قوتها ونفوذها، ومع إنشاء منظمة الأمم المتحدة في 1945 وصياغة قواعد التجارة التي تلته، أصبح بإمكان البلدان أن تنمي اقتصاداتها بدون اللجوء إلى غزو بلدان جديدة· لقد سوَّى النظام القائم على القوانين والقواعد ميدان اللعب الدولي، وهو ما سمح لدول مثل اليابان وألمانيا بالصعود بدون التسبب في اضطراب النظام العالمي، أما في هذا القرن، فيُتوقع أن يكون الدور على الصين والهند لتصعدا بشكل سلمي كقوتين عالميتين، وهو ما سيشكل إنجازا تاريخيا في حال حدوثه، ذلك أن كل التغيرات السابقة في القوة العالمية حدثت عبر الصراع والعنف، أما في القرن الحادي والعشرين، فلدينا فرصة كبيرة لتجنب ذلك، إذا نحن استمررنا في احترام قواعد وقوانين ·1945 من العناصر الأساسية والمهمة في حزمة 1945 هذه تحرير التجارة، وهي مقاربة دعمها العالم منذ إنشاء ''الاتفاقية العامة للتجارة والتعرفة الجمركية'' المعروفة اختصارا بـ''جات'' في ،1947 غير أن الأصوات المنادية بالحمائية كانت في ارتفاع للأسف في كل من الولايات المتحدة وأوروبا، ولكن خط الدفاع الأول ضد أي هزة ممكنة بالنسبة للاقتصاد العالمي يكمن في مقاومة هذه الدعوات إلى الحمائية· في هذه الأثناء، وبينما تظهر قوى آسيوية جديدة، ينبغي إعادة النظر في هندسة النظام العالمي، ولنأخذ مثالا، أقوى منظمتين اقتصاديتين دوليتين في العالم كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، فهناك تقليد عمره 60 عاما يتمثل في أن يكون رئيس صندوق النقد الدولي أوروبيا ورئيس البنك الدولي أميركيا، في حين أن ممثلي الدول الآسيوية، التي تشكل أغلبية سكان العالم، يحرمون من هذا المنصب، والحال أن آسيا تضم اليوم أسرع الاقتصاديات نموا في العالم، وقد جمعت أكثر من 3 تريليونات دولار من الاحتياطيات الأجنبية، وبالتالي، فمن غير المعقول إقصاء الآسيويين من زعامة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي· كما ينبغي على الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي، أن يعكسوا القوى الكبرى المستقبلية، وليس المنتصرين في الحرب العالمية الثانية، ولعل أول خطوة بسيطة ومنطقية في هذا الاتجاه تتمثل في تخصيص مقعد واحد للاتحاد الأوروبي في المجلس بدلا من مقعدين لكل من فرنسا وبريطانيا، مادام أنه ستكون ثمة سياسة خارجية واحدة للاتحاد الأوروبي في يناير ،2009 غير أنه إذا كان جميع المراقبين الحصفاء متفقين في السر على أن ذلك هو الحل المنطقي الوحيد، فإن أيا من صناع السياسة الأميركية لا يتجرأ في العلن على إثارة حفيظة الحلفاء في الضفة الأخرى من الأطلسي· لقد كان المرشح الرئاسي الديمقراطي ''باراك أوباما'' على حق عندما قال إن التغيير ضروري، ومثلما أشار إلى ذلك ''سامرز'' فإننا سنرى في حياتنا تغيرات أكثر من أي وقت مضى، وبالتالي، فإن السؤال هو: هل ستكون الولايات المتحدة في عهد رئيسها المقبل قوة للتغيير تسعى لنسج علاقات جديدة عبر المحيط الهادي؟ أم ستصبح عقبة تصر بعناد على التركيز على الأطلسي؟ الواقع أن الاختيار هو الذي سيحدد مسار القرن الحادي والعشرين، غير أنه إذا اختارت الولايات المتحدة التعاون مع آسيا، بينما تواصل هذه الأخيرة صعودها، فالأكيد أننا سنبحر نحو منطقة أكثر سلاما· كيشور محبوباني عميد كلية السياسة العامة بجامعة سنغافورة الوطنية ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©