الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأمن الغذائي بين السياسة والاقتصاد

الأمن الغذائي بين السياسة والاقتصاد
12 مارس 2009 02:28
يعتبر الفقر همّاً اجتماعياً كبيراً! وهو فضلا عن ذلك، قضية سياسية واقتصادية بامتياز· ولاشك أن هناك مؤشرات مختلفة على ظاهرة الفقر، منها معدل البطالة، وكمية الإنتاج والاستهلاك، والأجر المنخفض، وعدم تكافؤ الفرص من النواحي التعليمية والمهنية والسياسية· بيد أنه ليس ثمة معيار محدد أو ثابت لبيان خط الفقر، فالنسبة تختلف من بلد إلى آخر، كما لا يعد الحجم الكبير في دخل وميزانية الدولة، مؤشراً على غنى الناس ورفاهيتهم؛ ولا حتى مساحة الأراضي الشاسعة والصالحة للزراعة، وغناها بالموارد، أو جدبها وقحطها، فليس ذلك هو الدليل على حال الثراء أو الفقر، بل يعود هذا بالأساس إلى السياسة الزراعية، أو السياسة الاقتصادية على العموم، وإلى طبيعة النظم الحاكمة بوجه الحصر خصوصاً· إن تناول مسألة الأمن الغذائي بالعرض والتحليل، ومحاولة تجاوز حالة الفقر، ليست بالمهمة السهلة، بل هي في غاية الصعوبة والتعقيد· فكثير من الدول تفتقر إلى دراسات متخصصة للوقوف على أسباب الفقر والجوع والحرمان وبالتالي معالجة هذه الأسباب· وهناك من يحمّلون مؤشرات تزايد السكان مسؤولية انخفاض المستوى المعيشي، والحقيقة أنه لا يمكننا أن نحمّـل الطبيعة وحدها مسؤولية الفقر والجوع؛ ولا حتى تزايد السكان، فبدراسة معمقة يمكننا أن نضع حداً لقلقنا، ونتجاوز مشاعرنا بلوم أنفسنا، عندما نعي أن أسباب الفقر ليست لعيب فينا· فالجائعون يمكنهم أن يتحرروا من جوعهم، ويتجاوزوه، بعد أن يتعرفوا على أسبابه، والطبيعة ليست هي السبب، بل إن جشع الإنسان، هو المسبب في الحالة المزرية التي قد يعيشها أخوه الإنسان· فالإحصائيات تؤكد إمكانية توفير الغذاء لكل إنسان، وبالوسع استثمار الأراضي بمساحات أكبر، وزيادة الإنتاج كماً ونوعاً، واتباع سبل التحديث الزراعي، ولا يتحقق ذلك إلا بالسيطرة العادلة على إنتاج الموارد، واستثمار الثروة الناتجة عن الأرض للتنمية في حقول أخرى، وهنا ينبغي على الحكومات أن تساهم من جانبها في تنمية وتطوير الريف، وتحسين شروط القروض، لكي تحفز الفلاحين الفقراء والعمال الزراعيين على تحسين كمية ونوعية محصولهم، والحقيقة أن هؤلاء لن يدخروا جهداً فيما لو أحسّوا أن شطراً محسوساً من ريع المحاصيل يعود إليهم، بحيث لا يستأثر بها أحد، أو تصادرها الدولة بتعويضات زهيدة· لقد كان الجفاف والفيضانات والآفات الزراعية من المسببات القوية للمجاعة والفقر فيما مضى، لكنَّ كثيراً من الدول قيض لها أن تحد من أخطار هذه المسببات، فعمدت إلى الاهتمام بشبكات الري، ومقاومة الآفات الزراعية، فمدت الفلاحين بالمبيدات والسماد اللازمين، كما شجعتهم بمزيد من الحوافز· ولاشك أن الإصلاح في الاقتصاد والسياسة متلازمان، فلابد هنا من سياسة اقتصادية سليمة، ونظام سياسي ديمقراطي عادل، وتحديث مطرد في التكنولوجيا، وتطوير وتحسين في علاقات الإنتاج· وللدلالة على أن مساحة الأراضي، حتى حين جدبها الظاهر، ليست بمؤشر على سبب تفشي الفقر والجوع، وإنما يعود ذلك إلى السياسة الزراعية لأية حكومة كانت، وإلى سوء استخدام واستثمار الأرض، سنضرب مثلا بحالة السودان التي تعتبر سلة الغذاء العالمي لو أحسن التصرف من قبل نظم الحكم، ومع ذلك يعيش سكانه في فقر وجوع، وتجتاحه مجاعات بين حين وآخر حتى إلى وقت قريب، والسبب يعود إلى سوء إدارة النظم وسيطرتها، والتحكم السيئ في الموارد الإنتاجية، فلابد هنا من إعادة النظر في سياسة توزيع الأراضي الزراعية، وأشكال الاستثمارات، وما يستلزم ذلك من إصلاحات مطردة في أكثر من صعيد· وفي المقابل فإن الصين اجتاحتها موجات من المجاعة في الماضي، بسبب الفيضانات من ناحية، والجفاف من ناحية أخرى، وكان الضحايا بالملايين من البشر، لكنها أولت أخيراً اهتماماً كبيراً لخلق نظام زراعي، يجنبها كوارث الفيضانات والجفاف، فعمدت إلى تحسين مجاري الأنهار، وحفر ما يشبه الخزانات بين الجبال، وحبس المياه في الأنفاق والانتفاع بالمياه الجوفية، والمتحصل عليها من آلاف الآبار، فوضعت بالتالي حداً لمعاناتها، وجنبت البلاد الكثير من الكوارث·· إن الزراعة التي كانت توفر مصدر غذاء للملايين في ظرف ما، لابد أن تعود لتلعب دورها ذاته، ولابد من تجاوز القوانين الزراعية غير المناسبة في العديد من الدول النامية، والسياسة الاقتصادية المركزية المتشددة؛ ذلك لأن المزيد من التنمية البشرية، واكتساب الخبرة والكفاءة، وتشجيع الاستثمارات، واتباع سياسة اقتصادية رشيدة مؤسسة على دراسات علمية، هي الطريق إلى النجاح الأكيد لأية أمة من الأمم· وليس كافياً أن نقف عند معاني ومفاهيم الفقر بالعرض والتحليل، إذ لابد أن يتبع ذلك التفكير عن البحث وصناعة البدائل لتجاوز الحالة، وهذا يتطلب وعياً، فالفقر والجوع ليسا قدراً على الشعوب؛ فلابد إذن من النضال السياسي في أكثر من صعيد· ومما يُعرف عن دول ''النمور'' الآسيوية، أن بعضها كانت قاحلة، ضعيفة بالموارد، ومنها من اتسمت بمناخ وبيئة جغرافية غير مؤاتية، وكانت متخلفة وفقيرة، وعلى رغم كل ذلك شهدت هذه الدول مرحلة من التنمية البشرية والاقتصادية والثقافية، أصبحت معها اليوم تضاهي الدول الأوروبية في تطورها، وتنعم شعوبها بحالة من الرخاء والاستقرار· أليس كل هذا يعود إلى طبيعة تلك النظم؟ فـ''النمور'' الآسيوية اتبعت سياسة اقتصادية حرة، ونبذت المركزية المشددة، والتخطيط السلطوي، وأعطت الفرد كامل الحرية، ففضلا عن الحقوق الفردية مدته بحرية النشاط في مختلف الميادين كالاقتصاد والسياسة· ونضع هذا التساؤل أمام العرب برسم الأمانة، ولننتظر الجواب! دهام حسن كاتب ومحلل سياسي سوري ينشر بترتيب مع خدمة مشروع منبر الحرية
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©