الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

نهيان: حياة البر فلسفة·· ولا ثأر بيننا وبين الحبارى

26 يناير 2007 02:04
باكستان- السيد سلامة: طوال هذه الرحلة الفريدة في حياتي كنت أسأل نفسي: ما الذى يدفع هؤلاء ''الربع'' الى شد الرحال وترك الأهل والولد وركوب المخاطر وصولا الى هذه الصحراء القاحلة؟ للوهلة الأولى يبدو السؤال منطقيا، وللوهلة الأولى أيضا تلوح في الأفق سيناريوهات كثيرة للإجابة· ومع تأمل الإجابة تجد أنها إجابات متعددة وليست إجابة واحدة، وعلى الرغم من هذا التعدد في صيغة الإجابة وتحولها الى إجابات فإن المعنى الذي يقصده الجميع واضحا، وقد تتشابه إجابة مع الأخرى ولكن قد يكون المعنى مختلفا· وعلى الرغم من التنوع الذي جاء على لسان ''الربع'' من رواد المقناص فإن الإجابة الدقيقة بمعناها الشامل لم تتبلور بعد· تنوع الإجابات وتعدد أشكالها لا يعني بالضرورة أننا أحطنا بالبعد الفلسفي للمقناص، فهو صنو للمتعة والتيه في الطبيعة البكر التي لم يلوثها الإنسان بعد، وهو عند البعض صنو للهروب من عذابات الإنسان ضد أخيه الإنسان، ومحاولة للانفتاح على صورة الخلق الأولى بعيدا عن التزييف، ولدى فريق آخر هو الهروب بعينه من غابات الأسمنت، والركض اليومي وراء الشيكات والسندات والأسهم· قد لا تختلف إجابات الشباب كثيرا عن الشياب وفي هذا مؤشر كبير على رغبة الفريقين في ''الانعتاق'' من حضارة الحجر التي ''حبس'' الإنسان نفسه بين جدرانها والفرار الى الحضارة الأولى التي يعود فيها الى الطبيعة غير آبه بما يقترفه الإنسان في حق نفسه على مدار الساعة· البداية والنهاية في القنص بُعد واسع للفلسفة والتأمل والروحانيات، وليس فيه -مهما اتسعت براريه وقفاره- مكان للتوتر أو القلق، فلا إشارة مرور ''تطفرك'' ولا رئيس قسم يعد عليك أنفاسك، ولا مدير كل يوم يرفع في وجهك ''عصا'' التقييم والتقويم، في البر لا شيء يبعد الإنسان عن سيرته الأولى، كل ذرة رمال تذكرك بالبداية والنهاية وتسقط من بين يديك ما بينهما، تمر الحياة في رحلة القنص وكأنها لحظة، صدقوني إذا قلت إن عقارب الساعة تتوقف هناك· بل بالأحرى أنت لست في حاجة للساعة ولا عقاربها، فهى الأخرى مرادفة للتوتر والقلق والالتزام بالبداية والنهاية، وهي مفاهيم تتعارض تماما مع الصفاء الروحي الذي تعيشه في البر· سر الصراع قال لي معالي الشيخ نهيان بن مبارك: ''ليس بيننا وبين الحبارى دم أو ثأر، فهو لم ينتهك حرماتنا، ولم يعرف عنه أنه غار على ترابنا يوما ما، فلا إرث بيننا، وإنما هى متعة اللحظة عندما تفكر وتتأمل وتخطط وتتحين الفرصة لـ''هد'' الطير وانقضاضه على فريسته، إنها لحظة من لحظات التاريخ الفاصلة بين الكائنات الحية في ملكوت الله تعالى، فالبعض يفسر العداء بين القطة والكلب وبينها وبين الفأر ويأوله بطريقة أو بأخرى، ولكن لم يفسر لنا أحد حتى اليوم سر العداء بين الصقر والحبارى، ولماذا يفرد الصقر جناحيه للريح بهذا العنفوان عند رؤيته للحبارى؟ وما الذي يدفع الحبارى ذلك الطائر للهروب من الوطن والتغرب في بلاد الله خوفا من البرد؟ وما هي المؤشرات العلمية التي يستشعر معها الحبارى أن حياته في خطر يوم يلوح ظل الصقر في كبد السماء·· ألغاز كثيرة من أحاجي القنص لاتزال غامضة وعصية على فك طلاسمها بعد، ولعل اللغز الأكبر فيها هو ذلك المرتبط بالصراع بين اللدودين الصقر والحبارى، وفلسفة الصراع على الحياة بينهما''· هكذا ختم معالي الشيخ نهيان تفسيره للمعركة التى نشد إليها الرحال يوميا وسط القفار الشاسعة في بلاد السند تلك البلاد التى ارتبطت في أساطيرنا العربية بحد الدنيا ونهاية أطراف الأرض· فرط الرمان آه لو عرفت جدتي أنني كنت هنا في بلاد السند مقتفيا أثر الشاطر حسن الذي كانت تحكي لنا قصته في جوف الليل يوم أن كان الليل بكرا، تمنيت لو كانت الجدة ممسكة بأهداب الحياة حتى اليوم لأسمع منها حدوته ''الأميرة فرط الرمان والأواني الذهب'' وهي قصة طويلة على أن أسرد فصولها للشباب فوق عرقوب ''الحدبة العودة'' في البر، كم كانت هذه القصة مسلية وكم كانت جدتي مبدعة في ربط خيوطها خاصة عندما يهز الشاطر حسن قدمه اليمنى ويضرب بها جذع شجرة الرمان فإذا بباب أسفل الجذع يفتح على مصراعيه، وإذا بالشاطر حسن وسط قصر من قصور ألف ليلة وليلة وإذا بأميرة ذات حسن وجمال في ركن منه تنثر حبات الرمان على مائدة الطعام'' كنت أتمنى لو أن جدتي ورثتني مهارتها في القصص· سلطان النوم كل يوم وعندما نحل رحالنا على ''الحدبة العودة'' التي يختارها معالي الشيخ نهيان بن مبارك كاستراحة محارب وسط الصحراء أمني نفسي بسرد قصة ''فرط الرمان على الأواني الذهب'' على ''بوسعيد'' والربع من رفقاء المقناص، ولكن ''سلطان النوم'' كان يسبقني دائما بعد أن تكون البقعة كلها استغاثت بالجن والإنس من صوت ''شخيري'' الذي لم ينقطع· في طريق العودة من رحيم يار خان وفي ''الرويال جيت'' فائقة الفخامة لم يكن هناك من يقلقه ''شخيري''، فقد كانت الطائرة خالية إلا من العبد لله الذي ترك لسيمفونيته العنان كالعادة دون أن يسأل ''الربع'' الذين سبقوه بالنزول في الدوحة ما الذي أعجبهم في القنص؟
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©