الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأخت الملعونة

الأخت الملعونة
13 أكتوبر 2011 19:28
(القاهرة) - بعد زيجة استمرت أكثر من عشرين عاماً لم تسفر عن أبناء توفى الزوج وترك زوجته «حنان» التي بلغت السادسة والأربعين، وقد اتشحت بالسواد وأعلنت الحداد الدائم واعتزمت أن يكون هذا آخر عهدها بالرجال، فالرجل كان نعم العشير الذي صانها طوال السنوات التي جمعتهما ولم تر منه إساءة وحتى وهو في قمة المعاناة والغضب لم يتطاول أبداً، ولم يتعد الحدود، فكان يستحق الوفاء الكامل وحصلت من بعده على نصيبها الشرعي من الميراث الذي لا يزيد على بضعة آلاف من الجنيهات، لكن الحزن كان أكبر منها ومن كل أموال الدنيا. أغلقت «حنان» باب مسكنها وهو شقة صغيرة في منطقة شعبية وفرضت على نفسها إقامة جبرية ومنعت الزيارات أو استقبال أي شخص بعد انتهاء تلقي التعازي، ولم يكن يتردد عليها غير شقيقها وشقيقتها التي تصغرها بخمسة أعوام وإن كانت لا ترغب في لقاء هذه الأخيرة لأنها على خلاف دائم معها منذ سنين بسبب اختلاف طباعهما والتباين بينهما في كل التصرفات، ويكاد الحال يصل بينهما إلى الشقاق الكامل. توجه شقيقها لزيارتها بعد حوالي شهر من وفاة زوجها وحمل معه كالعادة بعض الأطعمة والعصائر على قدر إمكاناته المحدودة وإن كان منذ تعرضها لهذه الظروف القاسية يتحمَّل فوق طاقته محاولاً أن يخفف عنها قدر المستطاع فلا يتركها كثيراً حتى لا تستبد بها الوحدة وتجتر الأحزان وأحياناً يصطحب زوجته وأبناءه وقد يبيتون معها في بعض الليالي، ولكن هذه المرة كان وحده وفوجئ بالباب مفتوحاً على غير العادة ودق الجرس، ولكن مرَّت عدة دقائق ولم تجبه فتسرب إليه القلق ودخل وهو يقدم رجلاً ويؤخر أخرى وقبل أن يسير عدة خطوات جاءته رائحة احتراق أقمشة وأثاث من الداخل وتأكد له ذلك بعد أن رأى بعينيه آثار الحريق فاهتز قلبه وهو يظن أن أخته قد تعرضت لمكروه. دلف إلى غرفة النوم مهرولاً وهو يحاول أن يسيطر على ضربات قلبه المتسارعة وتسمرت قدماه عندما شاهدها ملقاة على الأرض وقد احترق معظم جسدها وأتت النيران على الأثاث وكانت مصابة بعدة طعنات متفرقة في أنحاء من جسدها بالإضافة إلى بعض الدماء التي كانت أثارها واضحة، كاد أن يفقد الوعي، فالأمر يؤكد أن هناك جريمة، ولكن أخته لا تتعامل مع أحد ولا تخرج من بيتها وبابها مغلق منذ أن ترملت وحتى من قبل هذا لم تقع بينها وبين أي شخص مشكلة ويعرفها الجميع هادئة وديعة مستكينة، بل تتنازل عن حقوقها تجنباً لأي خلاف. هذه المعلومات وقف عليها رجال الشرطة بعدما تم إبلاغهم بالحادث ورفعوا البصمات من المكان لمعرفة الغرباء الذين اقتحموا المكان وارتكبوا الجريمة، ولم تكن مهمة ضباط البحث الجنائي صعبة وخلال ساعات قليلة تم الكشف عن المجرم والمفاجأة المدهشة التي هزت الجميع أنها أختها هي التي لطخت يديها بدمها ونسيت كل رابطة وعلاقة بينهما بعدما استعانت بصديق على شاكلتها لتنفيذ الجريمة البشعة وأُلقي القبض على المتهمة وصديقها وجلست تعترف من دون أن تبدي الندم أو تزرف دمعة واحدة. وكشفت التحقيقات والمعلومات عن أن الجريمة ليست وليدة اللحظة وإنما تمتد جذورها إلى سنوات طوال مضت منذ اعترضت «حنان» على تصرفات أختها التي تريد أن ترتبط بشاب ذي سمعة سيئة ومعروف عنه البلطجة والإجرام وسوء السلوك وسبق اتهامه في تسع قضايا، وسبق القيض عليه في كل مرة وصدر ضده العديد من الأحكام القضائية التي نفذ بعضها وما زال البعض الآخر قيد التحقيق إلا أن «ميادة» أخذت ذلك على محمل آخر وأفصحت عن مكنون صدرها بأنها تحبه وتتمسك به ولديها قناعة تامة بما تفعل ولن تسمح لأحد بأن يفرق بينهما مهما كانت التضحيات وفي النهاية ضربت عرض الحائط بنصائح أسرتها وتزوجت البلطجي، وكانت تلك نقطة الخلاف الأولى بين الأختين وتسببت في بعض القطيعة بينهما، حيث رأت «حنان» أنها لا تستطيع التعامل مع شخص بهذه المواصفات حتى وإن كان زوج أختها ورأت «ميادة» أنها تستطيع أن تستغني عن أي شخص مهما كان طالما هي مع الزوج الذي اختارته. بعد أسابيع قليلة ظهرت صحة رؤية الأخت الكبرى بأن اختيار «ميادة» لم يكن صائباً، فقد سامها سوء العذاب ولم تسلم من أفعاله وبلطجته، وكان يعتدي عليها بالضرب بسبب أو بغير سبب، لكن «ميادة» لا تريد أن تعترف بالفخ الذي سقطت فيه أو أسقطت نفسها فيه بيديها واستمرت الحال كذلك لعدة سنوات من دون أن يتدخل أحد من أفراد الأسرة لأنهم يعلمون أنها ستخذلهم إذا تدخلوا لمساندتها إلى أن جاءت النهاية الطبيعية وألقي القبض على الزوج في جريمة جديدة وصدر ضده حكم بالسجن خمس سنوات وانقلبت «ميادة» عليه، وأقامت دعوى خلع ضده وحصلت على حكم سريع، وكان ذلك مفاجئاً للجميع لأنها تتصرف دائماً على عكس الرؤية الجماعية وعلى خلاف كل التوقعات فها هي تضحي بزوجها الذي عارضت الجميع من أجله وبعد عشرة السنين ألقت به عرض الطريق وتركته بشكل مهين. وعادت «ميادة» مطلقة إلى بيت أبيها ومع ذلك لا تعترف بأنها أخطأت مرتين ولم تعترف بأن رفض أختها لهذا الرجل من قبل كان لمصلحتها واستمرت في عدائها لها «ميادة» تغار من أختها الكبرى المستقرة في حياتها مع زوجها الذي يحافظ عليها ويحسن عشرتها ولم تعد العلاقة بينهما إلى طبيعتها بعد ذلك. وتجددت الخلافات مرة أخرى بين الأختين عندما أرادت «ميادة» أن تكرر نفس الخطأ بصورة كربونية طبق الأصل عندما تعرَّفت على أحد جيرانها، وكان مثل الأول تماماً وسبق اتهامه في خمس قضايا اتجار في المخدرات، بالإضافة إلى أنه يلعب القمار وهذا يجعله لا يملك من متاع الدنيا شيئاً، فهو ينفق كل ما يقع بين يديه من أموال على المخدرات والقمار اللذين أدمنهما ولم يرض أحد عن هذه الزيجة. في ظل هذه الظروف توفي زوج «حنان» وترملت، وأصبحت وحيدة وتقيم بمفردها فتحرك شيطان «ميادة» بقوة ولعب برأسها بأن الحل لمشكلتها هي والرجل الثاني الذي اختارته حتى يتم زواجهما أن يسرقا المبلغ الذي ورثته أختها الكبرى من زوجها والعريس ليس فقط مستعداً للانحراف، بل أيضاً هو مجمع انحرافات، وعندما عرضت عليه الفكرة رحب بها وتلقفها من دون تردد وقاما بوضع خطة تضمنت قيام «ميادة» بزيارة مفتعلة لأختها الأرملة بحجة إصلاح ذات البين وسرقة مفتاح الشقة واستخراج نسخة مصطنعة منه تمكنا بها من الدخول فيما بعد في يوم آخر، وما أن شاهدتهما الأرملة الحزينة التي استيقظت من نومها فزعة على صوت أقدامهما حتى انهالا عليها ضرباً بقطعة من الحديد وطعناً بسكين يحتفظ بها لزوم جرائمه وسرقا المبلغ البسيط الذي كانت تحتفظ به في خزانة ملابسها وأشعلا النار في الشقة لإخفاء معالم الجريمة لتبدو وكأنها حريق ولا يتم البحث عنهما إلا أن عدم احتراق الشقة والجثة بالكامل أظهر الإصابات في جسدها، وأكد وجود جريمة خفية وجناة حاولوا إخفاءها. كان سوء حظ المتهمين أن القتيلة لا تسمح للغرباء بزيارتها وأنهما كانا آخر من شوهد يتوجه إليها وبضبطهما اعترفا بكامل التفاصيل، لكنهما تبادلا الاتهامات، فقالت «ميادة» إن شريكها استولى على المبلغ وحده وأنه هو الذي ارتكب جريمة القتل بمفرده، وهي لم تكن تعتزم ذلك، بينما قال هو إنها هي رأس الأفعى التي خططت للجريمة بكل تفاصيلها لأنها تغار من أختها، وتريد أن تنتقم منها، وكذلك لكي يتم زواجهما وأنها شاركته في القتل وكممت فم وأنف أختها واقتسما المبلغ المسروق وقام هو بشراء المخدرات بجزء منه وخسر الباقي في القمار وأصبح صفر الدين. لقد خسر كل منهما الآخر وحريته أيضاً وتم اقتيادهما إلى السجن تلاحقهما لعنات الجميع وتأمر النيابة بحبسهما وتطالب بمعاقبتها بالإعدام وينتظران المحاكمة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©