السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فرنسا هولاند... نهاية شهر العسل

فرنسا هولاند... نهاية شهر العسل
1 أكتوبر 2012
إدوارد كودي باريس بعد موجة مشاعر الابتهاج والتفاؤل التي أثارها فوز الرئيس فرانسوا هولاند في انتخابات شهر مايو، وفترة استراحة سعيدة خلال العطلة الصيفية، تعود فرنسا الآن لتواجه واقعاً مراً وقاسياً يتمثل في تفشي البطالة وزيادة الضرائب وتخفيضات الميزانية التي فرضها اقتصاد راكد لا يحقق النمو وأزمة ديون خطيرة تتخبط فيها أوروبا. ولكن إدراك أن الأوقات العصيبة قادمة كان بطيئاً إلى حدما، وذلك يعزى جزئياً إلى حقيقة أن هولاند ظل يعارض خلال الحملة الانتخابية الإجراءات التقشفية التي رسم خطوطها العريضة الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، وكان يشير إلى أن استعادة النمو الاقتصادي تمثل الوصفة الأفضل لتقليص الدَّين بشكل تدريجي. وعلاوة على ذلك، فقد وعد هولاند بإعادة التفاوض حول اتفاقية تلزم بلدان الاتحاد الأوروبي بعدم تجاوز سقف 3 في المئة من الناتج المحلي الخام كحد أقصى لديونها، مما ولد الأمل في إمكانية تجنب الانضباط المالي القاسي الذي يقتضيه مثل هذا الهدف ضمنياً. غير أن هولاند بعدما تم تنصيبه رئيساً للبلاد، استقر رأيه على اتفاقية مكملة تشمل عدداً من برامج النمو المموَّلة سابقاً من قبل الاتحاد الأوروبي، التي لديها تأثير محدود على الاقتصادات المتأزمة للدول الأعضاء السبع والعشرين في الاتحاد. واليوم يبدو أن وزير مالية هولاند، بيير موسكوفيتشي، هو الذي يشدد على ضرورة المصادقة على الاتفاقية كما هي -دون تعديل- ويتعهد بأن تخفض سياساته التقشفية مستوى الديون الفرنسية من 4,5 في المئة من الناتج المحلي الخام إلى 3 في المئة خلال العام المقبل. وأكثر من هذا فقد تبلورت مشاعر التشاؤم خلال الأيام الأخيرة على خلفية ميزانية 2013 التي وضعها موسكوفيتشي، وتم تبنيها في اجتماع للحكومة يوم الجمعة الماضي، ومن المقرر أن تعرض على البرلمان الفرنسي من أجل التصويت عليها أوائــــل الـــشهر المقبل. والملفت في هذه الاتفاقية هو رقم واحد: فهناك حاجة إلى قرابة 40 مليار دولار من أجل تحقيق توازن الميزانية بشكل يكفي للاقتراب من رقم الـ3 في المئة المنصوص عليه ضمن اتفاقية الاتحاد الأوروبي المالية. وإضافة إلى ذلك، فقد اعترف وزير العمل ميشال سابان يوم الأربعاء بما يعرفه الخبراء منذ بعض الوقت: أن البطالة تجاوزت 3 ملايين شخص، وهو معدل وصل إلى نحو 10 في المئة، وأن عدداً متزايداً من الشركات تعلن عن تسريح العمال بسبب عدم تحقيق النمو. وقد وعد هولاند أيضاً بأن النقص المسجل في الميزانية سيتم سده من ثلاثة مصادر متساوية تقريباً: خفض في الإنفاق الحكومي، وزيادة الضرائب على الشركات، وزيادة الضرائب على الدخل أو أية ضرائب شخصية أخرى. وشدد على أن تدابيره المالية ستوزع على نحو أكثر عدلاً مقارنة بتدابير ساركوزي، إذ سيتأثر بها الميسورون والأغنياء أكثر من الفقراء، إلا أنه من الواضح أن كل العائلات والشركات الفرنسية ستضطر إلى شد أحزمتها، في نهاية المطاف. وإذا كان ساركوزي يلتزم صمتاً قرر أن يفرضه على نفسه، فإن أنصاره في المعارضة المحافظة اغتنموا الوضع الاقتصادي القاتم الآن لتكثيف انتقاداتهم لهولاند باعتباره غير كفؤ، وللحزب الاشتراكي باعتباره ساذجاً وسطحياً وفاقداً للاتصال مع الواقع. وفي هذا الإطار، أثار فرانسوا فيون، رئيس وزراء ساركوزي، المخاوف في حوار صحفي مؤخراً مع صحيفة لوفيغارو محذراً من أن هولاند يمكن أن يقود البلاد "إلى ركود دائم ويجر أوروبا إلى أزمة كبيرة، مع ما ينطوي عليه كل ذلك من تهديد للعملة الأوروبية". ومن أقصى اليسار، جاءت أيضاً انتقادات المرشح الرئاسي السابق جان لوك ميلانشون لاذعة بشكل كبير. فعلى رغم أنه أقصي من الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية، إلا أنه قال إنه كان لو أتيحت له الفرصة سيكون أكثر قدرة على حكم البلاد "من طيور البطريق هذه". وعلى رغم أن التهديدات التي تواجه أوروبا وعملتها كانت قوية أصلاً خلال حكم ساركوزي، إلا أن العديد من الفرنسيين يبدو أنهم يتفقون -مع "فيون" حتى لا نقول مع ميلانشون- حيث تراجعت شعبية هولاند في استطلاع مهم للرأي بـ11 نقطة مئوية، منذ انتهاء العطلة الصيفية، إلى معدل تأييد شعبي منخفض على نحو غير مألوف هو 43 في المئة في استطلاع للرأي نشرته صحيفة "لوجورنال دو ديمانش". من جانبها قالت نجاة بلقاسم، وزيرة حقوق النساء والمتحدثة باسم الحكومة، إن تراجع شعبية هولاند كان متوقعاً بالنظر إلى المناخ الاقتصادي الصعب، وقد سعت إلى التقليل من شأن تراجع شعبية الرئيس وتقديمه على أنه ظاهرة عابرة. وقالت في ظهور تلفزيوني لها: "عندما نتخذ قرارات مسؤولة كان يتم إرجاؤها لوقت طويل جداً من قبل الآخرين، فليس من المفاجئ أن نعاني الآن من تأثيرات ذلك في استطلاعات الرأي". ولكن شعوراً بأن الأمور تسير في الاتجاه الخطأ وصل حتى إلى الحزب الاشتراكي نفسه الذي ينتمي إليه هولاند وإلى حلفائه؛ حيث صوت حزب الخضر، ولديه 17 عضواً في البرلمان، خلال نهاية الأسبوع الماضي بعدم دعم اتفاقية الانضباط المالي على رغم أن لديه وزيرين في الحكومة. وإذا كان برنار هامون، وهو نائب لوزير المالية يرأس إحدى الفصائل اليسارية للحزب الاشتراكي، قد التزم صمتاً سياسياً، فإن بعض أنصاره تعهدوا بالتصويت بـ"لا" على رغم نداءات رئيس الوزراء جان مارك إيروت. وكان إيروت قال في حوار مع موقع إلكتروني نشر يوم الأحد: "إنني أخاطب حس المسؤولية لديهم. أريد من الجميع أن يقول الحقيقة حول عواقب رفض (الاتفاقية) أي أن أزمة سياسية في أوروبا ستحدث". رئيس الجمعية الوطنية كلود باتولون، وهو شخصية كبيرة في حكومة هولاند، قال في حوار إذاعي معه إن هدف الـ3 في المئة "لا يمكن تحمله" في الوضع الاقتصادي الحالي لفرنسا، بغض النظر عما تقوله الاتفاقية. وأضاف أن المفوضية الأوروبية، التي تمثل الجهاز التنفيذي للاتحاد الأوروبي في بروكسل، ينبغي أن تعترف بهذا وتعلن أن الهدف يمكن وضعه جانباً عندما يكون النمو الاقتصادي متعذراً. والحقيقة أن هذا هو ما كان يحدث في الاتحاد الأوروبي لسنوات مديدة حيث كانت حكومات، مثل فرنسا وحتى ألمانيا، تختار على نحو روتيني عدم الانضمام إلى اتفاقيات سابقة للاتحاد الأوروبي تنص على تحديد سقف للدين عند 3 في المئة من الناتج المحلي الخام. يذكر هنا أن اتفاقية الانضباط المالي، التي تم التوصل إليها في ديسمبر الماضي تحت ضغوط من ساركوزي والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، كانت تهدف إلى تجنب مثل هذا الوضع عبر فرض غرامات على الحكومات التي تقترض أكثر مما ينص عليه السقف المحدد. وعلى أية حال، فإن حسابات الميزانية من قبل وزارة موسكوفيتشي ستخضع للمراجعة العام المقبل على الأرجح. وقد وضعت الميزانية على أساس توقعات بـ 0,08 في المئة كمعدل نمو، في وقت يرى فيه عدد من الخبراء الاقتصاديين الفرنسيين أن توقعاً أكثر واقعية يمثل نصف ذلك. ومن جانبها، توقعت المفوضية الأوروبية أن يكون لدى فرنسا مع ذلك مستوى ديون يتجاوز 4 في المئة العام المقبل. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©