الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

شموع ليبية في ذكرى ستيفنز

1 أكتوبر 2012
يسرا تكبالي صحفية ومدافعة عن المجتمع المدني -طرابلس صادف يوم الجمعة الحادي والعشرين من شهر سبتمبر يوم الأمم المتحدة للسلام العالمي. وقد احتفل الليبيون، الذين ما زالوا يحاولون أن يصححوا الصورة المأساوية من بعد حادثة مقتل السفير الأميركي كريستوفر ستيفنز أثناء هجوم على القنصلية الأميركية في مدينة بنغازي، وكان احتفالهم بتلك المناسبة الدولية على شكل مسيرة سلام أراد منها منظموها أن تُظهر للعالم أن الغالبية الساحقة من أبناء ليبيا يرفضون العنف وسائر أنواع القتل أو التهديد به خارج إطار القانون. وقد وفرت المشاركة في المظاهرة بالنسبة لي فرصةً مهمة للتفكير في مستقبل بلدي وفي كيفية سيره قدماً بعد ذلك الحادث الدموي المأساوي. يتطلّع الليبيون خلال ثورة 17 فبراير التي فجروها ضد نظام القذافي القمعي إلى إيجاد دولة ديمقراطية خالية من العنف، ويمكن أن تلعب دوراً إيجابياً في المجتمع الدولي، وتكون شاملة لجميع مواطنيها، تضمن لهم الحقوق وتحقق المساواة. وفي الوقت الحالي أصبح أكثر أهمية من أي وقت مضى أن يعمل جميع المواطنين الليبيين العاديين والحكومة معاً على الدفع نحو تحقيق ذلك الهدف. وقد رأيت السفير الأميركي الراحل ستيفنز للمرة الأخيرة في مطار طرابلس الدولي، بينما كان ينتظر صعود الطائرة إلى بنغازي. ويومها تحدثنا عن أميركا وعن ليبيا، وعن علاقتهما الثنائية خلال العهد الجديد من الحياة الليبية. سألته لماذا كان مسافراً إلى بنغازي، فأجاب قائلاً: "أنا أحب بنغازي. لقد قضيت ثمانية أشهر هناك أثناء الثورة، ولدي أصدقاء كثيرون في تلك المدينة". وحقيقة أنه كان لستيفنز أصدقاء كثُرٌ في ليبيا عامة وفي بنغازي على وجه الخصوص، جعلت من مقتله، والذي شجبته كل من الولايات المتحدة وليبيا كعمل إرهابي ارتكبته مجموعة عنيفة قليلة، قضيةً أكثر مأساوية. فبعد مقتله بقليل، جرى إطلاق أشرطة فيديو تظهر ليبيين وهم يحاولون إسعافه وإنقاذ حياته. وفي بنغازي، وفي كافة أنحاء ليبيا، اجتمع أصدقاء ستيفنز من كافة مناحي الحياة والانتماءات السياسية، حزناً على مقتله، ووضعوا أكاليل الزهور في مكان مقتله، وقاموا بتنظيف القنصلية من آثار الحريق والخراب اللذين حلا بها. كما دعوا إلى تنظيم يوم احتجاج ضد العنف وطالبوا الحكومة بكبح جماح الميليشيات المسلّحة، ضمن جهود لوضع حد لحالة انعدام القانون في ليبيا. هذا، وتكافح ليبيا في الوقت الحالي من أجل السير قدماً. وقد ساعدَت حقيقة أن المجلس الشعبي الوطني الليبي عقد الانتخابات لاختيار رئيس للوزراء، كما كان مقرراً، على إظهار التزام ليبيا بالديمقراطية أمام الليبيين والعالم أجمع، وأنه سيستمر بالسير قدماً في هذا الاتجاه دون تراجع. كانت هناك صرخة شعبية مدوّية في أعقاب الهجوم على القنصلية الأميركية ضد وجود الميليشيات المسلحة في ليبيا. وقد نظّم الليبيون مظاهرة ضخمة في بنغازي لدفع الحكومة من أحل عمل المزيد لكبح جماح تلك الميليشيات. وقد تجاوبت الحكومة بمناشدة الميليشيات، بما فيها تلك المسؤولة عن الهجوم، من أجل حل نفسها وإلقاء سلاحها فوراً ودون تأخير. وفي الوقت الذي تتحرك فيه ليبيا إلى الأمام، يكون من الأهمية بمكان كذلك أن تنضم إلى المجتمع الدولي. وهناك جدل حول دور الولايات المتحدة في ليبيا، وما إذا كان ذلك الدور مفيداً أم غير مفيد. لكن يجب علينا ألا ننسى أن لدى العديد من الليبيين وجهة نظر إيجابية تجاه الولايات المتحدة. ففي مقال رأي نُشر مؤخراً في الـ"واشنطن بوست"، أشار رئيس الوزراء المنتخب مصطفى أبو شاقور بشكل صحيح إلى أنه، وحسب استطلاع أجرته مؤسسة غالوب في أغسطس 2012، فإن غالبية الليبيين يوافقون على دور الولايات المتحدة في ليبيا، والذي كان جزءاً من تحالف دولي ضم دولاً عربية. وتشهد ليبيا ولادة ثقافتها السياسية بعد الثورة مرة أخرى. وسوف يحتاج الأمر لسنوات عديدة لتصحيح الأمور، حيث إنه ستتم إعادة كتابة القوانين والوصول إلى قرار حول الدستور، وسوف تحتاج الحكومة لأن تتعامل مع الميليشيات التي تعمل خارج القانون. لكن يتوجب على الليبيين كذلك اتخاذ خطوات لتسوية الخلافات الداخلية، خاصة بين هؤلاء الذين دعموا نظام القذافي وأولئك الذين حاربوا ضده، وبين من عادوا بعد أن أقاموا سنوات طويلة في المنفى، وهؤلاء الذين بقوا في الوطن. ويصعب في بعض الأحيان سماع أصوات هؤلاء الذين كافحوا خلال الثورة في خضّم لغط إعادة ولادة الدولة الجديدة. ومن بين تلك الأصوات صوت محمد نبّوس، وهو صحفي قتل أثناء الثورة على أيدي قوات القذافي، والذي ألهمت حياته جيلاً كاملاً، والذي قال: "لا تخسر الشمعة شيئاً إذا أضاءت شمعة أخرى". تذكّرت هذه الكلمات الأسبوع الماضي عندما أضاء الليبيون الشموع في ذكرى السفير ستيفنز، فعلياً ورمزياً عندما وقفوا من أجل السلام والتناغم. لنأمل ألا يتم فقط تذكّر مثُل هؤلاء الذين كافحوا في الثورة من أجل الحرية والكرامة في ليبيا، وإنما إدراكها وتحقيقها، تماماً كما يجب أن يتم تذكّر قوّة السفير ستيفنز وخدمته للحرية. ينشر بترتيب مع خدمة «كومون جراوند»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©