الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

روسيا وأميركا.. مواقف متناقضة

27 أكتوبر 2014 22:39
بدا الاجتماع السنوي للعام الجاري بين الخبراء الأجانب في الشؤون الروسية ونظرائهم الروس ومعهم مسؤولي الكرملين أمراً مختلفاً تماماً عن سابقيه، حيث تأكد للمجتمعين والمراقبين على حد سواء عمق التباين في الرؤى، أنه ما عاد هناك مجال للأوهام في العلاقة بين روسيا والغرب، وبدلا من النقاش المشترك بين الروس ونظرائهم الغربيين انكفأ الجميع إلى مواقفه التقليدية بعيداً عن رؤية الآخر لتفترق المواقف والتصورات الأساسية حول الحقائق المتعلقة بأوكرانيا. واللافت أن روسيا التي برزت في الاجتماع لم يبدُ عليها أنها تأثرت بالعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لأن الاعتقاد السائد لدى موسكو هو قدرتها على الاستعاضة عن الاستثمارات الأوروبية بعلاقات اقتصادية وأمنية بديلة مع الصين، بل إن مسؤولاً روسياً بارزاً حذر من أن مولدوفا، وهي جمهورية تابعة للاتحاد السوفييتي السابق، والتي صادقت على اتفاقية للشراكة الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي في شهر يوليو الماضي قد تواجه موجة من الاضطراب إذا لم تتعلم من أخطاء أوكرانيا وجورجيا. أما «فيشسلاف فولودين»، النائب الأول لكبير موظفي الكرملين فقد استهزأ بفكرة العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا وقدرتها على النيل من التأييد الذي يحظى به الرئيس، قائلاً في جملة تذكرنا بالملك الفرنسي لويس الرابع «من دون بوتين لا وجود لروسيا». هذا الاختلاف الكبير بين روسيا والغرب في المواقف والتصورات امتد أيضاً إلى الآراء التي أدلى بها المشاركون في الاجتماع حول الوضع العالمي، ففي الوقت الذي أصر فيه الخبراء الأميركيون والأوروبيون على كيفية الحفاظ على النظام العالمي الذي تبلور بعد الحرب العالمية الثانية، رأى أغلب الروس الحاضرين أن النظام العالمي مات ولم يعد موجوداً، وأن السؤال اليوم هو البحث عن بديل له. وبالنسبة لروسيا يقوم هذا النظام البديل على تسوية عالمية شبيهة بعقيدة «مونرو» التي طرحها الرئيس الأميركي جيمس مونرو عام 1823 والتي بمقتضاها تبتعد القوى الإمبريالية الأوروبية عن التدخل في شؤون أميركا اللاتينية، ولتوضيح هذا النظام البديل طرح ألكسندر دينكين، مدير معهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية بموسكو، لمحة على تفاصيل هذا النظام، معتبراً أنه لن يعتمد على قيم كونية مزيفة من وجهة نظره، بل على «توازن المصالح» بين القوى الأساسية، وهكذا قسم «دينكين» خريطة العالم إلى عدد من «المناطق الصغرى»، أو الأحياء، تجمع في منطقة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وفي أخرى روسيا ومعها الاتحاد الأوراسي، وثالثة تضمن الصين وما حولها، ورابعة يكون محورها دول جنوب شرق آسيا. لكن هذا النظام المقترح دونه العديد من العقبات، فعدا عن كونه يرتد بنا إلى الوراء، فإنه من الناحية العملية غير قابل للتطبيق، إذ خلافاً لما كان عليه الوضع بين أميركا اللاتينية والقوى الإمبريالية الأوروبية من بحار ومحيطات تفصل بينها وتجعل عدم التدخل أمراً ممكناً، فإن الأمر غير وارد في مناطق نفوذ متداخلة بين الصين وروسيا، وبين الصين اليابان، وبينها وبين دول أخرى تشترك في الأرض والمياه الإقليمية، فمثلا إلى من ستؤول آسيا الوسطى للصين، أو لروسيا؟ وهل ستعود مولدوفا وأوكرانيا لروسيا، أم للاتحاد الأوروبي؟ ثم ألن تطالب الصين بمنطقة «آسيان» المحاذية لها، حيث زار بوتين في شهر سبتمبر الماضي فيتنام لإحياء العلاقات العسكرية؟ وأين موقع الولايات المتحدة من كل ذلك؟ والمشكلة التي ظهرت في اجتماع «فالداي» لهذه السنة حسب، جيمس شير، الباحث في معهد تشاثام هاوس، أن «روسيا لا تبحث عن مخرج لأنها لا تنظر إلى نفسها على أنها في موقف ضعف، بل تتصرف من موقع قوة، وهي تستخدم الأحداث في أوكرانيا كمنصة لأجندة أوسع»، ومع أن هذه الثقة يسعى المسؤولون الروس بكل جهد لإيصالها للعالم، إلا أن شعوراً بالتوتر والارتباك يصل أحياناً إلى الروس من أن القرارات الروسية الكبيرة التي تتخذ حالياً غير قابلة للاستدامة، فعلى سبيل المثال تُظهر الأرقام والإحصاءات نفسها التي تفيد بتراجع حصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من الناتج الإجمالي العالمي (إلى 17 و14 في المئة على التوالي بحلول 2017) أن هناك انحساراً مماثلا للحصة الروسية من الاقتصاد العالمي (إلى ما دون 3 في المئة مقارنة بحوالي 3.5 في المئة حالياً). والخلاصة من كل ذلك أمران، الأول أن روسيا تتجه حثيثاً نحو تحالف تعتمد فيه على الصين، وهو ما يثير المخاوف، وثانياً أن أي مخرج من حالة الصراع الراهن بشأن أوكرانيا يتطلب من روسيا وأميركا إعادة استكشاف لغة مشتركة تقوم على إشراك موسكو واستيعابها في منظومة أمنية جديدة، بدلا من السعي إلى احتوائها. مارك تشامبيون * * محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©