السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أول الآكلين

أول الآكلين
31 يناير 2014 21:45
لابد أن الإنسان في بداية التاريخ كان لديه الكثير جداً من الوقت. لا شيء يمكن عمله أو تزجية الوقت به سوى البحث عن طعام مناسب.. التجربة.. الخطأ.. برغم هذا لا أنكر عبقريته وصبره وسط هذا التنوع البيئي وكل هذه النباتات وكل هذه المذاقات. يمكنك بسهولة أن تتخيل هذا الرجل وهو يتجه إلى أقرب شجرة شليك «فراولة» ليملأ فمه بثمراتها الشهية، أو أقرب شجرة طماطم ليقضم قضمة عملاقة من الثمار الحمراء اللامعة.. سوف يجرب الموز.. بالطبع سيأكل كثيراً منه بقشره قبل أن يكتشف أنه لابد من انتزاع القشرة.. ليس هذا صعباً. المشكلة تبدأ عندما يجرب شيئاً جديداً.. شيئاً لا يبدو صالحاً. مثلاً ما زلت أشعر أن شكل الأناناس مخيف ولا يغري بالاقتراب.. كيف فكر هذا العبقري في أن يشقه ليجد داخله هذا اللحم الشهي؟ لو كنت رجل كهف فلا شك أنني لن أهتم بجوز الهند أبداً.. سوف أعتبره نوعاً من الصخور وسوف أستخدمه للقتل لا أكثر.. سوف أهشم رؤوساً كثيرة جداً بهذه الثمرة. على أنه من السهل أن نتخيل ما حدث: القردة قذفت بعضها بجوز الهند فتهشمت الثمار على الصخور. دنا الإنسان من الثمرة المهشمة وتذوقها فبدت له شهية.. ربما شرب بعض السائل كذلك.. قال لنفسه: ـ «بحق آلهة البراكين هذه ثمرة شهية، ويمكن سحقها للحصول على مسحوق أبيض يُنثر على الآيس كريم والتورتة والحلوى الشامية». أما اللغز الأكبر فيكمن في اللوبياء والفاصوليا الجافة... كيف عرف الإنسان أنه لابد من تجفيف البذور، ثم لابد من سلقها في الماء لتلين؟.. هذا محير. بالطبع كنت سأعتبرها مجرد بذور صالحة للحصول على نبات لا نفع منه ينتج المزيد من هذه البذور. البطاطس درس قاس ولابد أنها كانت ستعذبني جداً وأنا أحاول أن أقضم منها قطعة وهي نيئة.. لا أعرف كيف خطرت الفكرة لجدي لكنها عبقرية: ـ «سوف أجعلها شرائح وأقليها في الزيت.. ربما أجعلها على شكل دوائر أو على شكل البطاطس الفرنسية «فرايز».. ستكون ممتازة مع شطائر الهامبرجر» فكر كذلك في سلقها وكانت فكرة لا بأس بها.. كل مطاعم الوجبات الجاهزة مدينة لجدنا الذي لم يعتبر البطاطس نوعاً من الصخور.. أما الملوخية فأنت تحتاج لمعجزة لتفهم كيف أعتبرها طعاماً ولم يعتبرها نوعاً من أعشاب الماشية.. الأهم هو لماذا أكل الملوخية ولم يأكل البرسيم مثلاً؟.. القواعد نفسها تنطبق على الاثنين، فلماذا أكرم أحد النباتين وأهان الآخر؟ لا تنكر أن منظر البروكولي مخيف ويبدو مثل صور فيروس الإيدز بالضبط. لكن جدي وجدك لم يترددا في التهامه.. صحيح أن مذاقه كريه لكنهما أصرا على أنه رائع.. البامية في رأيي لا تبدو صالحة للأكل.. تبدو كأنها أنياب الدببة التي يعلقها سحرة القبائل حول أعناقهم.. لكن جدي لم يكن يترك شيئاً وقد جربها فوجدها شهية... هنا ننتقل إلى لغز الألغاز: البصل.. اليوم كنت أقوم بتقشير وتقطيع بصلة، فسال المخاط من أنفي بلا توقف.. انهمرت الدموع من عيني واختنق صدري ورحت أعطس.. حاولت جاهداً أن أرى أي شيء بلا جدوى، وبالطبع قمت بقطع اصبعين من أناملي على أساس أنهما جزء من البصلة.. في النهاية بدا لي كأنني متظاهر تقوم شرطة مكافحة الشغب بإطلاق أطنان من الغاز المسيل للدموع عليه. كرجل كهف، لو وقعت أول بصلة في يدي لتخلصت منها على الفور باعتبارها نباتاً ساماً أو سلاحاً بيولوجياً.. كيف يخطر لي أن أستمر لأقطع هذه البصلة لشرائح، ثم أحمرها في الزيت وأستخدمها مع كل الأكلات تقريباً؟.. هذه معجزة.. أنا معجب فعلاً بالإنسان الأول وسعة خياله. ربما كان السبب في هذا هو أنه يملك كل الوقت.. يجرب ويجرب.. برغم هذا لا أفهم اكتشافه للبصل. لو كان هذا ممكناً لوجدت الماشية تأكل البصل بدورها.. إن ما يجعل الماشية تنفر من البصل لابد أن يجعل الإنسان يفعل الشيء ذاته. في النهاية تظل هناك أطعمة خطأ.. أطعمة ما كان يجب أن يعتبرها المرء أكلاً، وتدل على خلل جسيم في فهم الأمور.. قال لي خبير تغذية إن القلقاس لا يحوي أي مادة مغذية من أي نوع. كم أمقت أن أكون على صواب طيلة الوقت لكنها الحقيقة. أضيف لهذا الباذنجان كذلك.. أعتقد أنه ليس طعاماً أصلاً وهو من غلطات جدنا الأول الكبرى. أولادي يضمون البامية للقائمة لكني أعتقد أنهم مغرضون.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©