الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كأنهم لم يموتوا...

كأنهم لم يموتوا...
9 أكتوبر 2013 21:31
ابن سينا، ابن البيطار، ابن بختيشوع، الفارابي، ابن الهيثم، الخوارزمي، الزهراوي، الإدريسي، الطنبي، نصير الدين الطوسي، البيروني، الرازي، جابر بن حيان، أولاد موسى، الجزري، وغيرهم من العلماء والفلاسفة أعلام الحضارة العربية الإسلامية، يجتمعون الآن في مبنى جامعة السوربون في أبوظبي.. هناك، في البهو الرئيس، في مدخل الجامعة، يقدم كل منهم إسهامه المميز في الحضارة الإنسانية.إنهم حاضرون تماماً.. يتناقشون، يتجادلون، يؤلفون، يبدعون، يعلون من شأن العلم، ويرفعون من قدر العلماء، ويحرضون العقل على السؤال والروح على العمل.. كأنهم لم يموتوا?.?. هزموا الغياب بما تركوه من آثار في عهدة الذاكرة البشرية التي لم تنسهم رغم مرور العصور والحقب?،? ما تزال تعترف بجهدهم وما قدموه للبشرية من اكتشافات أو اقتراحات لكي تكون الحياة أفضل. هناك تستشعر المعنى الحقيقي للحديث النبوي: "العلماء ورثة الأنبياء"... وبين ظهرانيهم تطل على زمن كان للعالِم والمفكر فيه... قيمة وقدر. شهـيرة أحمـد عن السيرة وحيثيات الموت والولادة لا تسأل.. فكم من مولود يأتي ويمضي بلا أثر.. وكم من الناس من إذا مات ظل ذكره بين الناس. أحرى بك أن تسأل عن أرواحهم العالية، وصبرهم العجيب وهم يلاحقون المعلومة.. وأن تتأمل في اجتراحاتهم التي هيأتها لهم عقول كبيرة اكتشفت مباهج المعرفة فطاردتها حتى حصلت على نصيب وافر منها.. وقلوب عارفة تلقت جماليات المعنى فسارت بهم في بواديه يلتقطون أسراره التي أتتهم طائعة مختارة. بعضهم، راح ضحية الشغف بالعلم والرغبة في الاكتشاف والمعرفة والتجديد، قبل أن يتحول إلى أيقونة معرفية تنير عتمات التاريخ البشري، وتجعلنا، في القرن الواحد والعشرين، نقف مذهولين أحياناً بمنجزهم الذي به تفوقوا على زمنهم وسبقوا عصرهم. بالنسبة للمثقف والكاتب المتخصص ربما يبدو الأمر عادياً، فهؤلاء العلماء والفلاسفة والمفكرون هم أصدقاؤه الروحيون، يعرف عنهم الشيء الكثير، يعيش معهم ويحاورهم بين الفينة والفينة، يستعين بمؤلفاتهم من وقت لآخر.. لكن الأمر يبدو مختلفاً بالنسبة إلى الجيل الجديد، الشباب والشابات، الذين يعرفون كل شيء عن مايكل جاكسون، مثلاً، ويجهلون كل شيء عن الفارابي، والذين يحفظون كل عرصة من عرصات لندن أو باريس وينسون أسماء الأوابد المعمارية التي بناها العرب والمسلمون وظلت إلى الآن تبوح بما وصلوا إليه من رقي معماري، أما المثقفون الجدد الذين يحفظون أسماء المفكرين الغربيين من كل المدارس الفلسفية والأدبية والفنية الغربية ويلوون ألسنتهم بالإنجليزية أو الفرنسية وهم ينطقونها وبالكاد يذكرون اسماً من هذه الأسماء، فإن المعرض بالنسبة إليهم فرصة لاستعادة الذاكرة وتنظيف ما تراكم عليها من غبار التجاهل والنكران. تزاوج حضاري لو سألت شاباً من الشباب أو حتى مثقفاً في العقد الثالث من عمره عن ابن بختيشوع أو الفارابي أو الخوارزمي أو الأرموي أو... ربما يفتح عينيه ولا يغلقهما دهشة واستنكاراً. ربما يهز كتفيه جهلاً. في أحسن الأحوال سيذكر لك إنه عالم عربي مسلم ويتوقف!، من دون أن تكون لديه أدنى فكرة عن: من هو؟ في أي حقل علمي برز؟ ما الذي قدمه للعالم والبشر والحضارة؟ وحين تخبره يهزّ كتفيه هذه المرة مستهزئاً بك لأنك تعيش في التاريخ، في الماضي الذي لا يصلح لهذا الزمان. الفرنسيون، في تنظيمهم لهذا المعرض، الذي يمكن مشاهدته حتى الرابع عشر من يناير 2014، لا يقدمون فقط سير هؤلاء المبدعين، وشيئاً من اختراعاتهم وإسهاماتهم في الحضارة الإنسانية فقط، بل يسلطون الضوء على الدور العربي الإسلامي في العلوم المعاصرة، ويمكنّون المتلقين (الجيل الشاب على وجه الخصوص) من تلمس أو تحديد موقعهم في التطور الكرونولوجي للعلوم، ويتيحون له متابعة هذا التطور من قرن إلى قرن، ورؤية ثمار العلوم وهي تزدهر من فترة تاريخية إلى أخرى.. فضلاً عن إدراك الأهمية التي يتحلى بها التحقيب التاريخي الذي يرسم خريطة لسير الحضارات الإنسانية وتفاعلها مع بعضها البعض وتزاوجها أو تلاقحها فيما يعرف بالتثاقف الحضاري. وهم يستخدمون في ذلك طريقة عرض مختلفة تستخدم المرئيات والمنهج الحيوي (نصوص تمهيدية مضيئة، صور، مجسمات أو نماذج عملية، مقابلات، عروض فيلمية قصيرة، عروض شرائح وتعليقات من متخصصين على المواد المعروضة)، وتجمع بين الجانبين: النظري والعملي لكي يصلوا إلى هذه الغاية بشكل سلس. تزاوج علمي فني من جملة الرسائل أو المنافع التي يعثر عليها المتلقي في المعرض جمعه بين العلوم والفنون ليس فقط من خلال العرض، بل أيضاً من خلال إبراز العلاقة الوطيدة بين هذين الأقنومين (نظرياً وعمليا)، سواء من خلال التقديم والشروحات أو من خلال الصور والمعروضات التي أبرزت هذا التواشج المميز الذي برز أيضاً من خلال شهادات العلماء والفلاسفة والمفكرين. وقد ظهرت أولى الدلائل على هذا الارتباط في علم الفلك من خلال رسم المجرات في الخرائط الجديدة للسماء، والعمل الإبداعي في هذا الحقل هو “كتاب الكواكب الثابتة” لعبد الرحمن الصوفي (القرن العاشر). كما اغتنى هذا التوجه أيضاً بالرسوم الموجودة في الأبحاث الميكانيكية وبشكل خاص أبحاث أولاد موسى والجزري وفي مؤلفات علم النبات والحيوان والصيدلة. أما فيما يخص مساهمة العلوم في مختلف المجالات الفنية عند المسلمين، فثمة شهادات كثيرة أيضاً نجدها في مختلف الأعمال المتعلقة بالهندسة المعمارية (تخطيط التصاميم الهندسية، تصاميم القباب والعقود القوطية والساحات والحدائق) وفي حرفة الزخرفة (نقوش الفسيفساء، التبليط، الخطوط، المقرنسات). في كل هذه الحقول يتدخل علم الهندسة (أشكال، تناظرات) والحساب (قياسات، نسب) في مختلف المراحل، من التصميم إلى الإنجاز. ولا ننسى الكيمياء فيما يخص الأعمال المرافقة للفنون التي تستخدم النار: الخزف، المعادن، الزجاج. وفي صور المخطوطات المعروضة ما يؤكد هذا التلاحم العلمي الفني، من ذلك “كتاب منافع الحيوان” لابن بختيشوع (يبحث في الحيوانات الأليفة والبرية والطيور والأسماك والحشرات) ويحلو للعين أن تتأمل في الطريقة التي أَلف بها هذا الكتاب، وما ضمه من رسوم وزخارف للطيور والحيوانات والأسماك تكاد تكون لوحات فنية قائمة بذاتها. وتنبئك الصور المعروضة بما وصلت إليه صناعة الكتاب (النشر في أيامنا هذه) لدى المؤلفين العرب من رقي وتقدم، كما تعكس عنايتهم بإيصال المعلومة في أفضل شكل ممكن، وذلك من خلال التركيز على الرسومات التي كانت تعلب دور وسائل إيضاح عالية الجودة. الكيمياء.. علم الأسرار ما إن يذكر موضوع الكيمياء عند العرب حتى تتداعى إلى الذهن تلك العلاقة الفريدة بين الكيمياء والفلسفة، والتي اتخذت في بعض الأحيان سمة ميتافيزيقية، أو تدخلت بها رؤى صوفية جرى التعبير عنها أحياناً بطريقة باطنية، تتعلق بالمادة وتركيبتها وإمكانيات تحويلها والتحكم في خواصها، من أهم تجليات هذه العلاقة محاولات تحويل المعادن إلى ذهب وتحضير إكسير الحياة، (كلنا يذكر جهود جابر بن حيان في هذا المجال)، لكن هذا كله كان يصب في الجانب النظري فقط، على الجانب الآخر، كان الاهتمام على أشده بالتطبيقات التي يمكن أن تتيحها لنا الكيمياء، والتي كان من نتائج البحث فيها معرفة أو اكتشاف خصائص هذه أو تلك من مكونات المادة، وإدخال تحسينات أو ابتكارات في مجال صناعة بعض المنتجات المتعلقة بجوانب الحياة اليومية (الصناعة الغذائية، صناعة النسيج، العطور، الأدوية)، وفي هذا الاتجاه الذي يسمى بالكيمياء الاختبارية يبرز اسم الرازي (نحو 865-925) الذي ينسب إليه أولية تحديد الكحول واكتشاف طريقة صنع الجليسرين من زيت الزيتون وترتيب العناصر الكيميائية، وأهم كتاباته في هذا المجال “كتاب سر الأسرار”. ولا تزال الأدوات الكيميائية، كالأنبيق والقابلة والقمع والقارورة الزجاجية، التي كانت موجودة في كل أنحاء العالم العربي، تستخدم إلى الآن في الكيمياء. وتبرز إحدى صفحات كتاب “نخبة الدهر في عجائب البر والبحر” لشمس الدين الدمشقي (ت 1237) طريقة صناعة ماء الورد في منطقة دمشق باستعمال تقنية التقطير. المبصرون.. رغم أنهم لم يرثوا سوى علم البصريات الإغريقي تمكن العلماء العرب والمسلمون (المبصرون جداً) من خلق توجهات جديدة في هذا العلم، وذلك بفضل النظرة النقدية التي تحلوا بها في النظر الى علوم من سبقهم، والبعد التجريبي الذي حرصوا عليه في أكثر من مجال، في البصريات عمل الفيزيائيون العرب على استيعاب المعارف القديمة قبل أن يباشروا بالتحقق من صلاحيتها عبر التجارب والتحاليل. بالطبع ثمة أسماء كثيرة أسهمت في هذا العلم (الكندي، ابن سهل، ابن الهيثم، الفارسي)، لكن الإسهام الأكبر والأهم على الصعيد النظري والمنهجي يبقى إسهام بن الهيثم، من خلال كتاباته المختلفة وعلى الأخص كتاب (البصريات) الذي بقيت ترجمته اللاتينية تعتبر مرجعاً في أوروبا حتى أواخر القرن السابع عشر. وفي المعرض صفحات من كتابه “المناظر” وتطبيق عملي عن الشعاع الضوئي. حيَل الميكانيكا.. خيالُها في مراحلها الأولى، استلهمت الميكانيكا من إسهامات أرخميدس (ت. 212ق. م) وفيلون البيزنطي (حوالي 250ق. م) وهيرود الإسكندراني (القرن الأول)، ثم طور العلماء العرب والمسلمون ما بحوزتهم مدفوعين بالحاجة إلى حل بعض المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، وهكذا انتجت أنواع مختلفة من الساعات لقياس الوقت، وآليات معقدة لاستخراج مياه الأنهار ونقلها من مكان إلى آخر، وأجهزة رفع لنقل الأجسام الثقيلة ومصابيح ذاتية التشغيل وأقفال و... إلخ. ويلاحظ زائر المعرض أن هذا القسم يستقطب الزائرين الذي يتحلقون حول اختراع ما، يتناقشون أو يتجادلون أو يعلقون في إعجاب على ما وصل إليه العلماء العرب والمسلمون في هذا العلم المفتوح على خيال رحب، وحيل كثيرة، لا شك أنها كانت تدير الرؤوس في ذلك الزمان. والحيل المقصودة هنا هي تلك الإبداعات والابتكارات المدهشة لآلات ذاتية الحركة تقوم بمهام مختلفة. لا بد هنا من الإشارة إلى أن الكتاب العربي الأول الذي اختص بهذا العلم، كما أضاف إليه الابتكارات هو “كتاب الحيل” للإخوة أولاد موسى (القرن التاسع)، وفيه وصفوا 95 آلة تلقائية الحركة بعضها كان من اختراعهم، في بحوثهم للتوصل إلى تقنيات تسمح بتشغيل هذه الآلات، استطاعوا استخدام العديد من المبادئ الميكانيكية، مثل الصمام المخروطي والممص المركزي المزدوج، وتحويل حركة دائرية إلى حركة في خط مستقيم، ساهم هذا الكتاب في تدشين وإلهام تراث بأكمله من التقنيات دام على مدى قرون متعددة. وفي القرن الثاني عشر، قام عالم بارع هو بديع الزمان أبو العز بن اسماعيل الرزاز المشهور بالجزري بتصميم آلات فريدة للغاية، على مستوى الأنظمة التي تعمل بالقوة المائية بشكل خاص، ومنها: آلة ذاتية الحركة لصب الشراب. ومن كتاب الجزري الشهير “الجامع بين العلم والعمل النافع في صناعة الحيل” عرضت نماذج لرسومات هذه الآلات مثل “الرقاص والطواويس” وهو نموذج لساعة مائية تتحرك بواسطة أواني مستطرقة تسمح بتحريك ثلاث أرجوحات عليها أربعة طيور متحركة هي الأخرى. وفي محاولة لتوضيح مبدأ عمل هذه الآلات عرض فيلم فيديو عن “المضخة ذات الممصات” التي تسمح بجلب الماء من النهر. رغم ذلك كله، لم تصلنا أي من هذه الآلات، فقط المؤلفات المختصة بالميكانيكا وروايات الرحلة والمؤرخين هي الشاهد الوحيد على هذه الاختراعات الفذة. جماليات العمارة كان علم الهندسة حاضراً في الإنجارات المعمارية، في التصميم والإنشاء والزخرفة على حد سواء. وتعكس الصروح المعمارية والإنشاءات التي لا تزال قائمة إلى اليوم، وكم كانت استفادة الحضارة العربية الإسلامية على هذا الصعيد. ومن أهم الخصائص التي تميز الطراز المعماري الإسلامي عن اليونانية والرومية والفارسية: وجود الأشكال الهندسية المجردة، واختفاء التماثيل في النقش البارز تدريجياً مع اختفاء الأشكال البشرية وإدخال النقوش الزخرفية المكونة من خطوط الكتابة العربية المختلفة وانتشار زخرفات التغطية أو الكسوة، ومن أبرز من كتبوا في هذا المجال الكاشي (ت. 1429) الذي يشرح في كتابه “مفتاح الحساب” طرق رسم القباب والعقود القوطية والمقرنسات، التي رآها زوار المعرض تتشكل أمامهم شيئاً فشيئاً حتى تكتمل في شكل زخرفي، وذلك من خلال فيلم فيديو يوضح ماهية هذا النوع من الزخرفة التي اشتهرت بها المباني الإسلامية. أما معمار سنان (1489ـ 1588) فأشهر من نار على علم في هذا الحقل. وقد شيد أكثر من 450 مبنى منها 110 مسجداً، ومن الصروح الكبرى التي صممها سنان: مسجد شاهزادة محمد ومسجد السليمانية في إسطنبول، ومسجد السلمية في أدرنة الذي يعتبره مؤرخو الهندسة المعمارية من روائع التحف. وفي هذا القسم يمكن للزائر أن يرى هذه المعالم وجمالياتها الخلابة. وإذا كانت العمارة هي الجناح الذي حلقت به الحضارة العربية الإسلامية على صعيد الإبداع الفني، وبه اتصلت مع الحضارات الأخرى، أخذت منها وغيرت وبدلت لتمنحها بعد ذلك طرازاً له سماته وخصائصه، فإن الخط العربي ونماذجه وزخارفه وتشكيلاته هو القيمة الأبرز التي منحتها خصوصيتها الفنية، وهويتها الجمالية التي تميزها عن الحضارات الأخرى. لا شيء مثل الخط العربي، بأنواعه المختلفة، يبرز جمالية الفنون العربية الإسلامية. وفي الخط العربي وفنونه تحضر أسماء كثيرة في مقدمتها ابن مقلة الذي عرض المعرض لسيرته وإسهامه في تطوير الخط العربي، كما عرض نماذج من الخطوط والزخارف العربية المرتبطة به. علاوة على نماذج من الخطوط العربية والزخارف الهندسية من القرن الحادي عشر إلى القرن الثامن عشر، نفذت على سطوح مختلفة: الرق والمعدن والحجر والخزف والقماش. ما خطّوا.. وما عزفوا في البحث عن العلاقة أو الارتباط بين الموسيقى والعلم في العالم العربي- الإسلامي، يقترح المعرض على رواده أكثر من سبب منها: أن الموسيقيين العرب يعتبرون كأسلافهم الإغريق، أن الموسيقى هي حقل من حقول الرياضيات بسبب ارتباطها بنظرية التناسب التي يعرضها إقليدس في كتابه الخامس من “الأصول”، وعلى هذا النهج، أنجزت أعمال رائدة من قبل الموصلي في القرن التاسع والفارابي في القرن العاشر، ثم استمرت هذه الأعمال من قبل الأرموي على الأخص (ت. 1294). أدت هذه الأبحاث إلى استحداثات نظرية أدخل فيها مفهوم العلامة الموسيقية والفاصلة، أي العلاقة بين نغمتين تتميز إحداهما عن الأخرى بالصوت الخفيض أو الحاد. أما على صعيد الابتكارات والآلات فقد جرى إدخال تطويرات على بعضها مثل العود والقانون، كما تم وضع تصنيفات الآلات الموسيقية، وأول تصنيف وضعه ابن زيلة في القرن الحادي عشر، وقد انتشرت الموسيقى العربية إلى ما وراء حدود الدولة الإسلامية. ويستحضر المعرض سيرة صفي الدين الأرموي (1216-1294) الذي كان عازفاً بارعاً للعود ومؤلفاً موسيقياً وضع عدة كتب منها “كتاب الأدوار” و”الرسالة الشرفية في النسبة التأليفية”. ومن بين المعروضات صور للآلات الموسيقية المختلفة: (عود بستة أوتار، رق، دف، صنوج، نابي، كلارينت، مزمار) يرافقها عرض لفيلم فيديو يتحدث فيه كريستيان بوخيه الباحث في الموسيقى وفرقة الأدوار عن الموسيقى عند العرب والمسلمين. وقد ظهر العود، الآلة الموسيقية الأشهر في العالم العربي في العراق في القرن السابع، واستخدم كآلة في نظرية قياس الفواصل الموسيقية، وكآلة للعزف، في نفس الوقت. بالطبع، لا يمكن الانتهاء من قسم الموسيقى من دون الفارابي، صاحب كتاب الموسيقى الكبير، والذي يحضر من خلال صورة عن مخطوطة كتابه وإلى جانبها شيء مما كتبه فيه: “وأما في استخراج نغم الآلات التي تستعمل فيها الأوتار المطلقة، وفي ترتيب أصناف الأجناس في أوتارها فليس يكتفى بها بمعرفة النسب وجودة التقدير وإحساس المتساوية التمديد والمختلفة التمديد، لكن، يحتاج فيها إلى أن يكون الإنسان مرتاض السمع، إما رياضة تامة وإما قريبة من التمام”. تقرأ المكتوب من عنوانه ومن متنه أيضاً وأنت تتساءل: أين سلامة الذوق التي كانت لهم وأين نحن من ضجيج وزعيق هذا الزمان الذي لم يقتصر أثره على ظهور خلل موسيقي بنيوي مريع في اللحن العربي، بل أيضاً تسبب في تلوث سماعي لا يرجى الشفاء منه في المدى المنظور.. أجل، كان للموسيقى والفنون دور في الحضارة العربية الإسلامية... لكن أي فن وأي موسيقى؟!. تخرج من هذه الجولة، بل تعود من ذلك الزمان إلى الراهن. تتذكر الأرقام والإحصاءات التي تنشر هنا وهناك عن العالم العربي.. عن كونه في آخر قائمة الدول المنتجة للعلم.. عن حصوله على نسب لا تكاد تذكر على صعيد القراءة والنشر وطباعة الكتاب.. تحاول أن تزيل آثار حريق يندلع في روحك وحسرة تفري كبدك.. تستعصم بأمل صغير بأن ينصلح حال العرب والمسلمين ويعودوا كما كانوا فاعلين في الحضارة، لا مستهلكين بليدين لما تنتج...
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©