الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أنفس الحجر.. وأشرف البقاع

أنفس الحجر.. وأشرف البقاع
9 أكتوبر 2013 21:32
لقد شرف الله سبحانه وتعالى بعض الأزمنة على بعض؛ فجعل رمضان أفضل الشهور، وفضل بعض الأيام على بعض؛ فجعل يوم الجمعة سيّد الأيام، كما فضل بعض الحجارة على بعض؛ فكان الحجر الأسود أنفس الحجارة، كما فضل بعض الأرضين على بعض؛ فجعل مكة أشرف البقاع، وجعل اشرف بقعة فيها بيته الحرام الذي جعله للناس قياماً، ثم وضعه أوعر بقاعه الأرض حجراً، وأقل نتائق الدنيا مدراً، وأضيق بطون الأودية قطراً، بين جبال خشنة، ورمال دمثة، وعيون وثلة، وقرى منقطعة، إلى أن صيرها جلت قدرته مثابة للناس يهفو أفئدتهم على بيته العتيق لأداء فريضة الحج المباركة. والحج مدرسة التوحيد من أول لحظة يتلبس به الحاج، موسم يتسابق فيه المسلمون لأداء الفريضة الواجبة عليهم. وللحج مناسك وشعائر لابد أن يلتزم بأدائها الحاج أو المعتمر في مكة المكرمة خاصة والمدينة المنورة عامة. ولذا يشد المسلمون الرحال صوب الديار المقدسة ويقدمون إليها من كل فج عميق. كما أنّ للحج أياماً مشهودات يجب أن يتمها الحاج لتحتسب حجة له ويثاب عليها من الرحمن الرحيم. وقد حظيت الكعبة المشرفة عبر التاريخ باهتمام المؤرخين والكُتّاب والأدباء والشعراء الذين أسهبوا في سرد الحديث عن مكانتها في نفوس المسلمين كافة. وقد هزت أريحية الحج، وروحانية البيت العتيق، مشاعر الشعراء والأدباء والمصنفين العرب عبر عصورهم فكتبوا وأكثروا، وكان الناس في وادٍ، وهم في وادٍ آخر، مشربا عسلياً محلّى، ويفيضون وجدانا وحباً وحناناً ورقةً، فوعظوا ولبُّوا في الحج، ووصفوا الحج وأماكنه ومشاهده، وكما جاء على لسان الكُتّاب وفي قوافي الشعراء، فإنّه شوق آسر يُشدّ إلى هاتيك الديار المباركة الرِحَال من كلّ فج عظيم. الحج لغوياً ذكرت فريضة الحج بمعانٍ عديدة في معاجم اللغة العربية، وذلك لكونها ذات اشتقاقات وافرة. فالحج: القصد. يُقال: حج إلينا فلان أي قَدِمَ؛ وحجه يحجه حجاً: قصده. وحججت فلاناً واعتمدته أي قصدته. ورجل مَحجوج أي مقصود. وقد حجّ بنو فلان فلاناً إذا أطالوا الاختلاف إلـيه، قال الشاعر المخبل السعدي: وأشهد من عوف حلولاً كثيرة يحجون سبَّ الزبرقان المزعفرا ويعني الحجّ: قصد التوجه إلى البيت بالأعمال المشروعة فرضاً وسُنّة، تقول: حججت البيت أحجه حجاً إذا قصدته، وأصله من ذلك. وجاء في التفسير: إنّ النبي، صلى الله عليه وسلم، خطب الناس فأعلمهم أنّ الله قد فرضَ عليهم الحجّ، فقام رجل من بني أسد فقال: يا رسول الله، أفي كل عام؟ فأعرض عنه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فعاد الرجل ثانية، فأعرض عنه، ثم عاد ثالثة، فقال عليه الصلاة والسلام: ما يؤمنك أن أقول نعم، فتجب، فلا تقومون بها فتكفرون؟ أي تدفعون وجوبها لثقلها فتكفرون. وأراد صلى الله علي وسلم: ما يؤمنك أن يُوحى إليَّ أنْ قُلْ نعم فأقول؟ كذلك وحجه يحجه، بمعنى الحجّ. قال سيبويه: حجه يحجه حجاً، كما قالوا: ذكره ذكرا؛ وقوله أنشده ثعلب: يوم ترى مرضعة خلوجا، وكل أنثى حملت خدوجـــا وكل صاح ثملاً مؤوجـــــا، ويستخف الحرم المحجُوجـا كما يقال: رجل حاج وقوم حجاج وحجيج والحجيج: جماعة الحاج. قال الأزهري: ومثله غاز وغزي، وناج ونجي، وناد وندي، للقوم يتناجون ويجتمعون في مجلس، وللعادين على أقدامهم عدي؛ وتقول: حججت البيت أحجه حجاً، فأنا حاج. في مروج الذهب نجد المصنفات العربية قد أفردت للحج مباحث وفصول عديدة فيها، ونقف عند كتاب “مروج الذهب ومعادن الجوهر” للمسعودي (283 هـ ـ 346 هـ/ 896 ـ 957 م) الذي أفرد لمن حج بالناس مبحثاً قيماً سنقف عنده ونتعرف على ما كتب فيه المؤلف المسعودي وهو: علي بن الحسين بن علي، أبو الحسن المسعودي، من ذرية الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وهو مؤرخ، رحالة، بحاثة، من أهل بغداد. أقام بمصر وتوفي فيها. قال الذهبي: “عداده في أهل بغداد، نزل مصر مدة، من تصانيفه “مروج الذهب” و”أخبار الزمان ومن أباده الحدثان” تاريخ في نحو ثلاثين مجلداً، بقي منه الجزء الأول مخطوطاً، و”التنبيه والإشراف” و”أخبار الخوارج” و”ذخائر العلوم وما كان في سالف الدهور” و”الرسائل” و”الاستذكار بما مر في سالف الإعصار” و”أخبار الأمم من العرب والعجم” و”خزائن الملوك وسر العالمين” و”المقالات في أصول الديانات” و”البيان في أسماء الأئمة”، و”المسائل والعلل في المذاهب والملل” و”الإبانة عن أصول الديانة” و”سر الحياة” و”الاستبصار في الإمامة”، و”السياحة المدينة” في السياسة والاجتماع. و”مروج الذهب” كتاب موسوعيّ مليء بالمعلومات التاريخية والجغرافية وأسماء المواضع، مع ذكره العديد من الموضوعات منذ بدء الخليقة وإلى ذكر أسماء الخلفاء من قبل الإسلام على العصر العباسي فضلاً على موضوعات شتى في الثقافة والأدب والمصنفات والأعلام والتراث الشعبي. الحج بالنيابة أفرد المسعودي في مجلدات كتابه “مروج الذهب” مبحثاً ذكر فيه تسمية من حجّ بالناس من أول الإسلام إلى سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة. ونشير إلى مَن حج بالناس في الفترة النبوية الشريفة، والذي أشار المؤلف بدءاً إلى أول من حج بالناس نيابة عن الرسول محمّد عليه الصلاة والسلام قائلاً: فتح رسول اللّه صلى الله عليه وسلم مكة في شهر رمضان، سنة 8 من الهجرة، ورجع إلى المدينة، واستعمل عَتَّابَ بن أسيد بن أبي العيص بن أمية على مكة، فحج بالناس سنة ثمان، وقيل: بل حج الناس أوْزَاعاً ليس عليهم أحد. ثم كانت سنة تسع، فحج بالناس أبوبكر الصديق رضي اللّه عنه، حين خرج من المدينة مع ثلاثمائة. وبعث رسول اللّه صلى الله عليه وسلم معه عشرين بَدَنَةً، ثم أرسل على أثره علي بن أبي طالب، رضي اللّه عنه، فأدركه بالعَرج ومعه سورة براءة، فأذَّنَ بها يوم النحر عند العقبة، فأقام أبو بكر الحجًّ، وخطب أبوبكر بمكة قبل التّرْوِية بيوم، ويوم عرفة بعرفة، ويوم النحر بمنى. ثم كانت سنة عشر، فحجَّ بالناس سيد المرسلين، رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وفي هذه السنة توفي، عليه الصلاة والسلام.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©