السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مكوّنات الكائن.. ومفارقاته

مكوّنات الكائن.. ومفارقاته
9 أكتوبر 2013 21:34
محمد نجيم بِمقالات ومُحاضرات وآراء عدد كبير من المفكرين والفلاسفة أمثال: كارل ياسبيرز، وبرنارد كروتيوزن، وكارل كوسطاف يونغ، وألكسيس كاريل، وجان بول سارتر، وجان ماري بيلت، وإميل دوركايم، وميشيل مايير، وسيمون دو بوفوار، وروني ديكارت، وميشيل فوكو، وأماتيا صن، وإريك فروم، وكور نيليوس كاستوراديس، وسيغموند فرويد، وإيمانويل كانط، ولوي لافيي، وجان بودريار، وإمانويل مونيي، ومحمد عزيز لحبابي، وإدغار موران، وبول ريكور.. يأتي هذا الكتاب القيّم بعنوان “الشخص”، وهو من إعداد وترجمة: محمد الهلالي وعزيز لزرق، والمنشور في طبعة جميلة عن دار توبقال لنشر، ضمن سلسلة “دفاتر فلسفية”. الكتاب، على الرغم من صغر حجمه، عميق وغنيّ بِمُحتواه، لأنه يُتيح للباحث وللطالب كما للقارئ العادي أن يتعّرف إلى مفهومين متقاطعين ومتباينين في الآن نفسه: يتعلق الأمر بمفهوم الشخص ومفهوم الشخصية، فإذا كان الحقل الإبستيمولوجي الذي يُؤطّر مفهوم الشخصية هو العلوم الإنسانية بمقارباتها المتعددة، الأنتروبولوجية، والسيكولوجية، والسوسيولوجية، فإن مفهوم الشخص يحيل تحديدا على المقاربة الفلسفية وما تتضمنه من أطروحات مختلفة ومُتنوعة. يرى مُعدا الكتاب أن التفكير في مفهوم الشخص، هو في الأصل تفكير في الإنسان، وتحديدا في معنى الشرط الإنساني، بما يحمله من مفارقات: المفارقة الأولى، هي أن الشخص كائن إنساني، أي كائن ليس كبقية الكائنات الأخرى. “فالشرط الإنساني يعني من جهة أن الشخص لا يمكن أن ينفلت من كونه كائناً حياً”، لكنه يحاول باستمرار أن يفرض البعد الآخر لشرطه الإنساني، بما هو إنسان تحكمه لا الحاجات فقط، بل الرغبات والأهواء من جهة ثانية. فالشخص إذن تعبير عن كون الإنسان غير مكتف بذاته ولا بتكرارها، لذا فهو غير مطمئن لوجوده، إذ يسعى باستمرار إلى إنكار حيوانيته. نتاج ثقافي أما المفارقة الثانية التي حددها الباحثان فهي تكمن في أن الشخص هو نتاج ثقافي، يخترق تاريخ الإنسانية عموماً وتاريخ الفلسفة على الخصوص، ولأنه كذلك فقد اعتبرا التربية العدة التي من خلالها يتجذّر ويتطوّر مفهوم الشخص، علماً بأن الشخص بتعبير الباحثين، هو “تعبير ليس فقط عن انتماء للجماعة ولكن عن تفرد خاص، ليس لأنه ضد الجماعة، بل لأنه يريد أن يكون مُتميزاً داخلها”، فبقدر ما أن الشخص منذور للتنشئة الاجتماعية، بقدر ما يرسم مساره الفردي والنفسي الخاص. إنه يصارع لا من أجل أن يوجد فقط، بل من أجل أن يفرض ذاته وسط عالم الآخرين، ومن أجل أن يتحرر من كل السُلَط، بما فيها سلطة فكره. أما المفارقة الثالثة فيطرحها الباحثان من وجهة نظر أخرى، وهي أن المقاربة الفلسفية للشخص على اختلاف أطروحاتها، تسعى لتأكيد ضرورة الحذر من اختزال الشخص في الإنسان وما ينتج عن ذلك من إغفال لامتدادات الهوية، والحذر أيضاً من اختزاله في الانتماء الثقافي والاجتماعي وما يستتبع ذلك من انغلاق وتمركز حول الذات. بهذا المعنى يؤكد الباحثان دأب الفلاسفة على مقاربة الشخص باعتباره قادراً على التفلسف والتأمل والنقد، وخلق مسافة بينه وبين ذاته، بينه وبين العالم، بينه وبين عالم الناس، لأنه حامل لوعي تفكيري. لكن الشخص لا يستطيع بتفكيره إدراك كل شيء، ولا يستطيع بوعيه التحكم في كل شيء: إنها مُقاربة الشخص الناتجة عن اللاّ مُفكر فيه واللاوعي. ها هنا يتجلى الشخص ليس كموضوع، بل كخلق ذاتي وكتجربة معيشة، إنه يتجاوز ما يعرفه عن ذاته، وما يمكن أن نعرفه عنه. المفارقة الرابعة، وبناء على ما سبق يمكن أن نخلص إلى أن الشخص مفهوم فلسفي مركب، يتكون مما هو ذاتي ومتفرد وخاص، ومما هو عام ومشترك على مستوى العلاقات والأدوار، ولكن الخيط الناظم بين مفارقة العام والخاص هو كون الشخص ذاتاً تتميز بالاستقلالية والحرية، وبنَحتٍ رفيع لمعنى الكينونة. لكن الشخص مُهدد باستمرار بضياع المعنى وبفقدان الكينونة، وبالتالي فدفاع الفلاسفة باستمرار عن حرية الشخص، هو تعبير عن خوف أو بالأحرى عن قلق فلسفي من احتمال فقدانها أو تقلّص مساحات حضورها: تلك هي مفارقة المفارقات، خاصة بالنسبة لحاضرنا، حيث نمط العيش المعاصر يسير في اتجاه تحويل الشخص إلى مُجرد كائن إنساني مثل بقية الكائنات الأخرى من جهة، وتحويله إلى قيمة تبادلية تجعل منه، كما يرى مترجما أبحاث الكتاب، “مُجرد سلعة، ومجرد ذات مغرقة في الاستهلاك والتملك، لقد أصبح الشخص منمطاً، وأقل حرية في الوقت المعاصر”. مسار ومصير مما لا شك فيه، يقول معدا الكتاب، أن عصرنا يسعى لتجذير الهوية الكوكبية، التي قد تجعل الشخص ذا بعد واحد، يصبح فيه الشخص مدمراً لذاته على مستوى المعاني السابق ذكرها ـ والتي دأبت الفلسفة على توطينهاـ لا يتعلق الأمر برفض لحاضرنا، بل بترسيخ مواطنة كونية يعي الشخص من خلالها شرطه الإنساني، ويختار فيها كيف يريد أن يرى نفسه داخل هذا العالم. إنه الشخص المنفتح على ما يميز ذاته والمتحرر نسبياً من فكاك الأقنعة، إنه أخيراً الشخص القادر على تحديد مساره ومصيره متجاوزاً إكراهات معيشة وأفخاخ حاضره. اعتبر الباحثان محمد الهلالي وعزيز لزرق في هذا الكتاب أن مفهوم الشخص ظل لمدة طويلة، يدخل في اختصاص السيكولوجيا والفلسفة: “ثمة تقليد غربي قديم خاص بالتساؤل عن الشخص، حيث أصبح بشكل تدريجي المقولة التي تسمح بالنظر إلى الروح والجسد باعتبارهما غير منفصلين عن بعضهما بعضاً، ومتميزين بملكة العقل، وقابلين لبلوغ الكمال الإنساني. وبعد ذلك أصبحت الدراسات السيكولوجية حول الشخص تتمركز أكثر فأكثر على المشكلات المتعلقة بالسلوك، وعلى التفاعلات بين مختلف الشخصيات، وعلى سيرورات التربية في سياق منظومة القيم التي تؤطرها”. ومع بداية القرن العشرين بدأت الإرهاصات الأولى لبناء منظور عام بصدد مقولة الشخص، يأخذ بعين الاعتبار الاختلافات الثقافية. لقد كان كل من لوسيين ليفي بريل أولا، ثم بعد ذلك مرسيل موس وموريس لنهاردت، بفضل أبحاثهم الإثنوغرافية، الأوائل الذين ركزوا على أهمية التباينات الموجودة بين التمثلات الغربية وتلك المتعلقة بالمجتمعات التقليدية، على الرغم من أن موس حاول سنة 1938 أن يضع خطاً تطورياً يفسر الانتقال من المجتمعات التقليدية إلى المجتمعات الغربية. فبعيداً عن أن يكون منظوراً طبيعياً أو متواطئاً، يمكن القول إن المنظور اليهودي ـ المسيحي ومنظور النزعة الإنسانية للشخص تبين بالتدريج إذن إنه عبارة عن شكل خاص من بين أشكال أخرى في تمثل الكائن الإنساني، سواء تعلق الأمر بالعناصر المكونة لهذا الأخير أو بكيفية توظيفه وإدراجه داخل التنظيم الاجتماعي لجماعة ما. لقد بينت المقاربة الأنتروبولوجية أن مفهوم الشخص، هو مثله مثل مفاهيم أخرى، نتاج محلي للتمثل، ومن هنا فهو مدعم بالوضعية التي تكون عليها البنيات الاجتماعية الخاصة، ويتميز من ثم بخصوصيته بالنسبة للمنظور السيكولوجي للشخص، والذي يبقى منظوراً مرتبطاً بتوضيح مفهوم “الشخصية” كصفة كونية ينعت بها الكائن الإنساني. اعرف نفسك في مقالة “ماهية الإنسان” يقول برنارد كروتيوزن: “ينطلق من سؤال فلسفي قديم وهو: أعرف نفسك بنفسك ليؤكد من منطق تجربته وردا على السؤال الإشكالي: ماذا يعني الإنسان؟ هذا السؤال الذي هيمن على فكر القرون التي تشكل خلالها العالم الجديد للإنسان. يسعى الإنسان لفهم ذاته، وتمثلها في أشكال مختلفة. لكن على الرغم من تنوع التصورات الانتروبولوجية بصدد الأزمة المنصرمة، فيمكننا مع ذلك أن نحدد بعض الدوافع الأساسية، والتي من خلال تحولاتها حافظت لاحقا كذلك على أهميتها، بالنسبة للصورة التي سيكونها الإنسان عن ذاته”. الكتاب: الشخص إعداد وترجمة: محمد الهلالي وعزيز لزرق الناشر: دار توبقال ـ المغرب
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©