السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عندما تكون المرأة ضد نفسها

عندما تكون المرأة ضد نفسها
9 أكتوبر 2013 21:34
محمد وردي ربما تكون المرأة أحد أفضل المرايا، التي تعكس أحوال المجتمع، بانكساراته ومعافاته، بنجاحاته وإخفاقاته، باعتبار دور المرأة “الثلاثي الأبعاد”، كما هو قائم في الواقع العربي، على الأقل منذ نصف قرن. ذلك لأن “دورها كربة منزل وزوجة، ودورها كأم مسؤولة عن عملية التربية وتشكيل الثقافة الاجتماعية، ودورها كعاملة ومساهمة في عملية التنمية الاقتصادية”، تشكل ضمانة حقيقية ليس للاستقرار الاجتماعي فحسب، وإنما لتحقيق التنمية المستدامة بكفاءة عالية. انطلاقاً من هذه الرؤية، يقدم كتاب “ملتقى المرأة... والمتغيرات الراهنة”، الصادر عن مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية، تسع دراسات ترصد وضع المرأة في العالم العربي، خصوصا بعد التغييرات، التي شهدتها بعض البلدان، بدءاً من مطلع العام 2011، أو ما عرف باسم “الربيع العربي”. تغيير جوهري تلتقي جميع الدراسات في الكتاب على حصول تغيير جوهري على مستوى أنسنة الواقع العربي عموما، ومن ضمنه واقع المرأة. وتتفاوت الرؤية حول نسبة التغيير في كل بلد من بلدان العالم العربي، سواء التي شملها التغيير أم التي لم يشملها. ولكن إذا كان “الربيع العربي” استطاع أن يغرس بذرة أخلاقية في الشخصية العربية، على المستوى الإنساني بشكل عام ـ حسب تعبير الدكتورة فاطمة الصايغ ـ فإنه عاد بوضع المرأة خطوة إلى الوراء، وربما خطوات، خصوصا على مستوى مشاركتها السياسية. ذلك لأن حصة المرأة في نتيجة الانتخابات البرلمانية التي جرت في معظم البلدان العربية في أول عامين من عمر “الربيع العربي” تراجعت عما كانت عليه في السابق، لا بل انعدمت حصتها كليا في بعض الأحيان، كما حصل في الانتخابات البرلمانية الكويتية عام 2012. وتعتبر الدكتورة الصايغ في دراسة لها بمستهل الكتاب، حملت عنوان “المتغيرات العربية وواقع المرأة اليوم” أن السبب في ذلك يعود إلى التخلف وطغيان ثقافة التبجيل وتقديس رموز السلطة والمال وأصحاب النفوذ، التي أفرزت بطانة فاسدة تحيط بالحكام إحاطة السوار بالمعصم، ما رسخ الاستبداد وعمم الفساد في كل مفاصل الدولة لسنوات طويلة، الأمر الذي حال من دون تحقيق مكاسب فعلية للمرأة، بحيث بدا الفساد في بعض نتائجه الاجتماعية، أن تقف المرأة ضد نفسها، وتنتخب الرجل، لا بنات جنسها من المرشحات للبرلمان، وذلك انطلاقا من تابوهات ثقافية دوغماتية راسخة في الوجدان العام، ما كان لها أن تفعل ما فعلت لولا طغيان ثقافة الفساد والاستبداد. ومع ذلك ترى الدكتورة فاطمة بارقتي أمل يمكن البناء عليهما في المستقبل، تمثلت إحداهما بانتقال المرأة من المطالبة بحقوقها النسوية البحتة، إلى المطالبة بالحقوق المدنية بمختلف مستوياتها وأشكالها، أسوة بالرجل، من خلال الوقوف معه في التظاهرات بالميادين جنباً إلى جنب، للمطالبة بالمواطنة الكاملة، غير المنقوصة. وتمثلت البارقة الأخرى بفوز الناشطة اليمنية توكل كرمان بجائزة نوبل للسلام، التي تعد بمثابة اعتراف قوي بدور المرأة السلمي والحضاري عموما. مفهوم الحريات أما الدكتورة عفاف البطاينة فترى في دراستها المعنونة بـ”المرأة العربية بين التراث والمعاصرة” أن وضع المرأة في مرحلة ما بعد “الربيع العربي” سيكون محكوما بجملة متغيرات منتظرة، ذلك لأن الحقوق المفروضة من “فوق”، بحكم القوانين التي قد تتمخض عنها الثورة، وتمنح المرأة بعض الحقوق، ليست كافية ما لم تأت في سياق ثوري اجتماعي شامل يغير “المبادئ والقيم التي تنظم حياة الناس”، وينتج خطابا ثقافيا عاما، لا يقتصر “على مبدأ المساواة الكاملة على كافة الصعد بين الرجل والمرأة فحسب، بل ينظم العلاقة بين الجنسين على أسس جديدة ومتكافئة وعادلة” بكل المقاييس وعلى كل المستويات. وترى الدكتورة بطاينة أن هذه الأمور يصعب تحقيقها من دون “العمل لتأسيس مفهوم الحريات، على مستوى ضمان حرية الاعتقاد والتفكير والتعبير للرجل والمرأة في الفضاء الخاص والعام”، في إطار من “التجديد الثقافي والمعرفي الذي يحتاج إلى ثورة في مجالات التربية والتعليم، والى فكر مختلف ينظم نشاطاتنا وعلاقاتنا الشخصية والعامة”، الأمر الذي يسمح بإنتاج رؤية جديدة للعلاقة بين الرجل والمرأة، والعلاقة مع الآخر بشكل عام، بعيدا عن “الإعلاء من الذات واتهام الآخر، والحكم عليه سلبيا في غالب الأحيان”. بينما دراسة الدكتورة هدى ابلان، التي حملت عنوان “المرأة العربية والمشاركة السياسية... اليمن نموذجا” فتناولت وضع المرأة منذ مرحلة ما بعد توحيد شطري اليمن الشمالي والجنوبي، ولاحظت أن عجز قيادة الطرفين في الهيمنة على البلاد أتاح هامشا واسعا من الحرية، فتعددت الأحزاب والنقابات، ومنابر الإعلام، ونشأت حوالى سبعة آلاف منظمة عاملة في إطار المجتمع المدني، إلا أن التخلف والأمية المتفشية في الدولة، حالت من دون تحقيق مكاسب حقيقية للمرأة، ما جعل نسبة مشاركتها في العملية السياسية محدودة جدا، بحيث لم تصل رلى ثلاثة بالمائة في أحسن الأحوال. وتضيف أبلان أن مشاركة المرأة اليمنية بهذه النسبة، لم تكن قبل ثورة “الربيع العربي” وبعده، من “نتاج بيئتها وثقافتها، وإنما هي بحث دائم عن عون خارجي يضمن ويشترط وجودها في المعادلة الوطنية”. هذا على الرغم من وجود اليمنيات بأعداد كبيرة للغاية في مختلف الساحات والميادين اليمنية كمتظاهرات ومعتصمات، منذ اللحظة الأولى لبدء الثورة، باندفاع ذاتي أو شخصي، وليس بدوافع حزبية أو نقابية أو أي أطر أخرى. وعلى الرغم كذلك من بروز قياديات وناشطات في كل المجالات الحقوقية والسياسية والنقابية والإعلامية بمستوى توكل كرمان الفائزة بجائزة نوبل للسلام، إلا أن حصة المرأة في المشاركة السياسية بقيت على حالها، خلال المرحلة الانتقالية. في حين اعتبر الدكتور هاشم الطائي في دراسته التي حملت عنوان “أضواء على النشاط السياسي للمرأة الخليجية”، أن جميع الإنجازات التي حققتها المرأة في دول مجلس التعاون، على مدى السنوات الماضية، كانت بمبادرات حكومية خالصة، من دون أن يكون للمرأة أدنى دور فيها، سوى أنها أثبتت كفاءة عالية في إدارة الوظائف التي شغلتها، وهي في زيادة مطردة. النسوية الإسلامية الدكتورة دلال البزري من جهتها تعتبر أن المرأة العربية ربما مقبلة على المزيد من الإقصاء والتهميش، وأن بعض مكتسباتها باتت مهددة، وعليها أن تتعايش لفترة طويلة مع “فرض الحجاب، وربما النقاب بالقانون. عدم تجريم التحرش الجنسي. العودة عن بعض البنود القليلة في الأحوال الشخصية التي كانت تمكن النساء من الخلع أو الحضانة. الدعوة أوالتسويق لتعدد الزوجات، وللجواري. الحملة لإلغاء قانون منع الختان. عدم الاعتراف بالعنف أو الاغتصاب الزوجي” وغيرها من المشاريع التي تتصدر برامج التيارات السلفية. وتعزو ذلك إلى صعود تيارات الإسلام السياسي، منذ هزيمة حزيران عام 1967، التي تَكَشَفَتْ عن فشل الحداثة العربية التي نادت بها التيارات الليبرالية والقومية. وتتالت بعدها الإخفاقات الحداثوية، مقابل انتشار الأصوليات الدينية التي اكتسحت الانتخابات الديمقراطية في بلدان “الربيع العربي”. وتضيف البزري في دراسة لها بعنوان “النساء العربيات وصعود الإسلام السياسي” أن القراءات النسوية العلمانية أو الليبرلية تتراوح بين الغضب والمسايرة للإسلاميين، والتعلق بالرموز النسائية، التي تدعو للتفاؤل، بالإضافة إلى النسوية الإسلامية التي أسست لها، المسلمات من أبناء المهاجرين في “الدياسبورا الغربية” مثل أمينة داود (الجنوب إفريقية) وأسماء برلس (الباكستانية) وعزيزة الهبري (من أصول لبنانية). وتعرض الدكتورة دلال تجربة النسوية الإسلامية، معتبرة أن مناقشه إشكالياتها كمورد فكري، “هو المدخل الممكن لقراءة صعود التيار الديني وأثره السلبي الأكيد على مكتسبات النساء العربيات”. ولكن البزري ترى أن مقاربة فكر النسوية الإسلامية، لا تكتمل إلا بـ”إعادة تفكيك البطريركية الأبوية الإسلامية نفسها وليس إعادة قراءتها ثانية”. كذلك تلاحظ الدكتورة هالة فؤاد أن الخطاب السلفي يتخطى اللامعقول، ويصل أحيانا إلى حد الهستيريا، عندما يتعلق الأمر بالمرأة، ويكشف “عن مخيلة هوسية تختزل حضور المرأة اختزالا مطلقا في كونها موضوعا جنسيا شهويا يثير الاضطراب والفتنة حال وجوده في المجال الخارجي”. وتضيف الدكتورة فؤاد بدراسة لها بعنوان “السلفيون والاختلاف والنساء ـ تساؤلات وإشكاليات” أن السلفيين يوازنون بعدائهم بين المرأة ومسيحيي الداخل، ويرون بهاتين الفئتين تجليا للغرب “العدو الصليبي” الذي يجب محاربته وقهره بكل الوسائل الممكنة. المرأة والشاشة ثلاث دراسات تتناول صورة المرأة في الإعلام، أي التلفزيون والسينما والمسرح. فتقول فاطمة محمد الهديدي في دراسة لها بعنوان “واقع المرأة في ظل المتغيرات الإعلامية”، إن الإعلام لم يقم بدوره في توعية المرأة بحقوقها المنصوص عليها بالدساتير والقوانين، لا بل عوضا عن ذلك استخدمها كصورة للإغواء والتسويق. وتوصي بتغيير الصورة النمطية عن المرأة، واستبدالها بأخرى تليق بآدميتها ودورها الإنساني الفاعل في المجتمع. وترى الدكتور بروين حبيب في دراسة لها بعنوان “المرأة العربية اليوم وتساؤلات حول غياب ثقافة التلفزيون” أن حضور المرأة على الشاشة وشكل الصورة ووظيفتها تحدده “قوى وإرادات سلطوية حديثة أكبر منا جميعا”، لذلك تم تغييب الثقافة الجادة أو الفاعلة لسنوات طويلة. ولكنها لاحظت في الآونة الأخيرة أن الإدارة بدأت تظهر عليها “عوارض ثقافية”، وصارت تتحدث عن ثقافة التلفزيون وثقافة الصورة “وربطت نفسها شكليا بالثقافة كحقل منتج للمعرفة، انطلاقا من حاجات الثقافة التلفزيونية القائمة بذاتها، وهي في حقيقة الأمر مستهلك رديء للمعارف وليس منتجاً لها”. وتختتم الكتاب الدكتورة وطفاء حمادي بدراسة بعنوان “المرأة والثقافة البصرية بين التهميش وإدراك الذات في الدراما التلفزيونية والمسرح” فتعرض نماذج تلفزيونية ومسرحية، لكاتبات ومخرجات من بلدان عربية متعددة. وهي تجارب لا تخرج عن إطار إعادة إنتاج مواقف تتقمص فيها المرأة روح الرجل. وترى الدكتورة حمادي أن تحقيق الذات النسوية لا يكون إلا مع الانفلات من تيارات الكتابة الخاضعة للشروط الفكرية والجمالية التي وضعها الفكر الذكوري. وتستنتج “أن أوضاع المرأة لن تعرف تحسناً ملموساً في السنوات القريبة، لأن تجربة الحركات النسوية كشفت عن محدوديتها في الإقناع والتواصل بسبب محدودية أساليبها، وبسبب استمرارية السيطرة الذكورية”. اللافت أن جميع الدراسات النسوية التي انطوى عليها الكتاب، خلت من الرؤى الخلاقة، التي تلامس أو تقارب، ما يمكن أن نسميه خريطة طريق مستقبلية، تهتدي النساء العربيات بها للوصول إلى حقوقهن الآدمية أو الإنسانية، المكرسة في معظم الدساتير الناظمة للقوانين الإجرائية في البلدان العربية، على اختلاف أنماطها الاجتماعية عموما. ولكنها من دون تفعيل، بسبب هيمنة التابوهات الدوغماتية على النسق الثقافي الحاكم في الوجدان العربي العام، الذي يجعل المرأة تنتخب ضد نفسها، كما لاحظت الدكتورة فاطمة الصايغ، لا بل أحيانا تمارس العنف بديكتاتورية تبز تسلط الرجل، كما هو حاصل مع تنظيم “الأخوات المسلمات” الرديف النسائي للأخوان المسلمين أو السلفيين. الكتاب: ملتقى المرأة... والمتغيرات الراهنة المؤلف: مجموعة من الباحثين الناشر: مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©