الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الفيديـو الرديء وردود الفعل

2 أكتوبر 2012
د. شفيق الغبرا كاتب كويتي ما ينشر الآن عن الإسلام من محاولات تشويه ليس جديداً في الواقع، فصور كراهية العرب والمسلمين شاعت كثيراً في بعض أوساط الإعلام الغربي مع كل حرب عربية- إسرائيلية. أذكر في زمن دراستي الجامعية في أوائل السبعينيات في الولايات المتحدة، كم كانت الصور النمطية السلبية عن العرب سائدة ومنتشرة في بعض وسائل الإعلام. أما الجديد هذه المرة فهو أن ما كان ينشر في السابق في مكان مغمور لا يراه سوى قلة من المتعصبين ولا يحظى بفرصة للتوزيع خارج ناصية شارع، يمكن أن يراه الآن كل الناس، بفضل الـ«يوتيوب» والـ«تويتر» و«الـفيسبوك». وفي السابق، وُزعت الرسومات ذاتها بحق المُقدس وغير المقدس، وبحق العربي والمسلم، ولكن شعوبنا العربية لم تكن لتسمع بالأمر أو تعرف عنه، مثلما هو الحال اليوم. ويمكن الاستنتاج أن الرسومات والكتابات والأفلام لن تتوقف أيضاً في المستقبل، فبإمكان أي فرد في المعمورة مهما بلغت حالته الذهنية والنفسية سقوطاً أو صعوداً أن ينشر ما يريد، عبر وسائل التواصل الاجتماعي وأشكال الإعلام الجديد، وأيضاً عبر وسائل الإعلام التقليدية العادية. ولكن لابد هنا من القول، وبوضوح إن ردود الفعل العنيفة والمتسرعة تسيء ولا تفيد، فقد أصبح سلمان رشدي بفضلها "كاتباً مشهوراً"، ولم يكن صاحبُ الفيديو المسيء الأخير ليحلم أيضاً بأن يشاهده ملايين الناس لولا ردة الفعل التي تصرفت وكأن الفيديو انعكاس للحقيقة، ففي عصرنا سقطت كل أنواع الرقابة، وأصبحنا في عالم يتحول فيه العبء من الرسام والمؤلف والمخرج إلى المشاهد والقارئ. لقد أصبح المشاهدُ هو الحَكَمَ الوحيد في هذه اللعبة. إن قناعة البعض بأن ردود الفعل الصاخبة، من قبيل الهجوم على السفارات الأميركية وقتل سفراء، ستغير صورة وفيلماً، أو ستمنع أفلاماً أخرى وستجعل حكومات الغرب والولايات المتحدة توقف أفلاماً قادمة، تعبر عن عدم فهم لخصوصيات الحالة الغربية، بل على الأغلب ستكون ردود الفعل العربية والإسلامية بشكلها الراهن مقدمة لبروز أشخاص وجماعات يجدون في أعمال كهذه تسلية وفرصاً للشهرة، وطريقة لإثارة مجتمعات تسهل إثارتها. وبإمكاننا أن ننظر إلى الفيلم الرديء على أنه لم يمس الرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك لأن الشخص الذي يمثل الدور في الفيديو ليست أفعاله وسلوكه -حاشى- أفعالَ الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، كما أن الفيديو بالكامل يمثل صورة الإسلام في ذهن صانعه لا الإسلام وتعاليمَه الحقيقية. ويمكن القول إن الفيديو لم يكن عن النبي الكريم ولم يكن عن الإسلام، وإن الرسول لا يمكن التعرض له، لأن كل من يتعرض لشخصه التاريخي والإنساني والنبوي فهو يهاجم صورة في ذهنه وليس الرسولَ وحقيقته، وهذا يعني أن الفيلم أعجز من أن يسيء إلى الإسلام، والفيلم لهذا لا ينبغي أن يستثير فينا سوى السخرية والسعي لعمل درامي وسينمائي يحمل قيمة تاريخية ودينية صادقة. لقد آن الأوان للانفعال البنّاء، وللرد بما يفي الغرض، وذلك من خلال صناعة جيدة لأفلام ذات قيمة عن حضارتنا، فكل هجوم وكل ما يبدو إساءةً، يتيح فرصة لخلـق وتجذير وإشاعة احترام للإسلام ولقيمه، ولخلق تقارب وتفاهم وتسامح بين الناس. إن كل هجوم وإساءة قـد يتحـولان وبالاً علينا إن أسأنا التعامل، لأنه سيُقنع من لم يكن يعرف شيئاً عن الإسلام بما هو غير حقيقي. ولنأخذ بعض الأمثلة من الغرب نفسه: عندما أخرج ميل جبسون فيلمه عن المسيح وآلامه، عُرض الفيلم ولم تقع ردود فعل قاتلة، لا من اليهود ولا من المسيحيين المتدينين، وذلك على رغم شدة المعارضة والتخوف من الفيلم. وعندما قام مخرج آخر في زمن سابق بعمل مسرحية غنائية تحولت إلى فيلم غنائي يصور المسيح كمغني روك، احتج المسيحيون المتدينون احتجاجاً هادئاً، ودعوا لعدم رؤية العروض، التي استمرت بعد ذلك زماناً. طومنذ زمن أسقط العرب من حساباتهم كل ما له علاقة بالقوة الناعمة. فالسيطرة لا تزال للغرب في المجال السينمائي والعلمي والبحثي والإبداعي، وآخر مرة شاركْنا العالمَ جانباً من حضارتنا الإيجابية كانت من خلال فيلمَي «الرسالة» و«عمر المختار» في سبعينيات القرن العشرين.وللتذكير فإن مصطفى العقاد الذي أخرج الفيلمين المتميزين سقط قتيلاً مع ابنته وعدد من الناس في تفجير انتحاري في عمان بالأردن عام 2005. إن غياب المقدرة على الإنتاج المقنع، والإيصال المدروس، والتواصل البناء، واللغة الراقية هو ما ينقص العالم العربي في مجال التأثير، فنحن لسنا في معركة لتنفير الناس وإبعادهم عنا، بل يجب أن نسعى لكسب القلوب والعقول لصالح قضايانا الحساسة واحتياجات بلادنا وضرورات مستقبلنا. لقد غيّر "الربيع العربي" الصورة التي ساهم في تشويهها رؤساء وقادة من أمثال القذافي وصدام ومبارك والأسد وعلي صالح. وغيّر "الربيع" أيضاً جوانب عدة من صورتنا، وأبرز حقيقتنا بصفتنا شعوباً تطالب بحقوق وتعشق الحرية. وجاءت ردة الفعل الأخيرة على الفيديو لتعيد إلى الأذهان صوراً نمطية سلبية عن العرب كنا اعتقدنا أننا في الطريق للتخلص منها. وقد يكون الهدف من الضجة الكبيرة المفتعلة، الانقضاض على الحريات الأخرى، السياسية والاجتماعية والفردية، التي حققتها المجتمعات العربية بعد الثورات. إن السعي لإعادة الاستبداد بعد "الربيع العربي" سيبقى ضمن محاولات قوى بعضُها من بواقي الأنظمة السابقة وبعضها يحمل عداءً متأصلاً للديمقراطية وتطورها، وبالتالي يسعى لإعادة المجتمعات العربية إلى المربع الذي خرجت منه. ينشر بترتيب مع مشروع «منبر الحرية»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©