السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ماذا أراد الروائي أن يقول؟

ماذا أراد الروائي أن يقول؟
17 فبراير 2010 20:30
ثلاثة شخوص يلخصون حياة “حارة الحفرة” هم “أسامة البشري” و”عيسى الرديني” و”طارق فاضل”. كل شيء يُروى على لسان طارق فاضل، الناجي الوحيد من صراع أبدي بين قاع الحارة ومنارة القصر، بين الوضوح والغموض، بين السقوط والنجاة. حاول الروائي السعودي عبده خال أن يجسد كل ذلك في روايته “ترمي بشرر..” متتبعاً عبر صوت طارق فاضل انسحاقات البشر الذين يقدمون أنفسهم ضحايا للرغبات الهائجة. ثمة سيد وقصر وثمة حارة وشعب، ثمة جلاد كبير وثمة ضحايا بائسون، عبر المال والجنس والسلطة اللامتناهية في العنف والاحتقار يمكن أن يكون هناك “سيد” ولأن السيد لم يأت من فراغ فلابد أن يكون هناك عرق يمتد طويلاً من السلطة التي تتجذر في النسل الذي يمثله ذلك “السيد”. وتفشل كل الانتسابات الأخرى للحاق بذلك العرق، حتى أن الأخوة المفترضة التي اقترحها بل أصر عليها “السيد الكبير” للمؤاخاة بين السيد الصغير الذي غرق في البحر وعيسى الرديني الذي أنقذه من الموت، لم تفلح وكانت خاتمتها أن أطلق السيد الصغير على عيسى الرديني عدّة إطلاقات من مسدسه ليرديه قتيلاً بعدما اكتشف السيد أن عيسى الرديني قد تزوج “موضي” السيدة أخت “السيد” مما يجعل الاختلاط الدموي حالة من النزف اللا مشروع الذي استطاع طارق فاضل أن يتمثله سرداً في تعادل فني وموضوعي بين إذلال الواقع “السيد”/ وانتقام السرد “طارق فاضل”. الاقتصاص السردي حاول السارد أن يقتص من السيد سرداً واستطاع السيد أن يقمع السارد واقعاً، وذلك هو البناء الموضوعي للحكاية. في المقابل هناك بناء فني للرواية يتكون من عتبتين أولاً عتبة أولى، تمتد من صفحة 7 حتى صفحة 263، وعتبة ثانية من صفحة 265 حتى 379، ثم يتبعهما قسم ثالث بعنوان “البرزخ” من صفحة 383 إلى 409 ثم يأتي ملحق من 6 صفحات يتضمن تعليقات على مجمل الأحداث ونتائج سريعة لما حصل ولم يرو داخل المتن في العتبة1 والعتبة2. نسبة العتبة1 إلى العتبة2 هي 256/ 114 صفحة، ومن خلال ذلك يقودنا العنوان إلى عدم تناسبية السرد، إذ يفترض ما دامت التسمية بـ”العتبة” أن تكون العتبة 1 أقل سرداً من العتبة 2 باعتبار العتبة مرحلة أولية أو توطئة ـ بمعناها اللغوي ـ قصيرة لما سيأتي لاحقاً في المتن وحينئذ يمكن أن يتحول العنوان الثاني “العتبة 2” إلى عنوان آخر “.....”. حاول عبده خال أن يقدم توطئة فطالت ـ برغم ما فيها من حلاوة السرد وجاذبيته الأخاذة فعلاً ـ وحاول - وفقاً لطول التوطئة/ العتبة 1 أن يختصر أحداث القسم الثاني/ العتبة 2 وكان لابد أن يجري عكس ذلك. لأن ما يعني المتلقي هو كيفية صياغة الواقع الآني/ الراهن للحكاية، لا خلفيات وماضي شخوص الحكاية التي كان لابد من الإشارة إليها أو التلميح لها لأن الاستغراق في حكايات ماضي شخوص الحكاية “وهذا ما حصل في القسم الأول” قد أوقع رواية “ترمي بشرر..” بمعيار اصطلاحي يمكن تسميته بـ”الرواية السيرية”، فبقدر التصاق السارد طارق فاضل بشخصية الروائي عبده خال أو ابتعاده عنه يتحقق ابتعاد الرواية عن السيرة أو اقترابها منها. العتبة 1 لا تواريخ فيها، سردها متواصل بدون انقطاعات حتى، فصولها لا عناوين لها تحكي الماضي والحاضر فيتداخل السرد بين الحكايات في نظام تضميني يصطلح عليه بالتناوبي حيث تأخذ القصة الكبرى نظاماً يمكن الرمز له بالأرقام 1، 2، 3 فيما تأخذ القصة الصغرى نظاماً يمكن الرمز له بالحروف أ، ب، ج ومن تعشيق النظامين مع البعض ينتج لدينا النظام السردي للعتبة 1 وهو 1أ، ب2، ج3 حتى لا نهاية تلك العتبة. تواريخ دقيقة العتبة2 نظام سردي يبتدئ بتواريخ دقيقة “العاشرة والنصف صباحاً ـ الاثنين 8 اغسطس 2006” و”كل الأوقات من شهر أغسطس وبقية الشهور لعام 2006” وبتصورات ذاتية تصبح عناوين رئيسية “هواجس يومية بدأت تخامرني مع مغادرة عيسى للقصر”، سردها منقطع متنقل وينحسر باتجاه شخوص بعينهم، في محاولة لكشف طبيعة التعالق بين تلك الشخوص. عيسى الرديني 1957 -2007 “بكل تاريخه السري” ومؤاخاته مع السيد ثم قصة حبه لموضي ابنة السيد الكبير وأخت السيد الابن وقصة سلوى زوجة وليد خنبش التي اكتشفت زواجه من مرام واكتشاف طارق فاضل في آخر الرواية أن وليد خنبش هو زوج اخته “مريم” التي لم يرها حيث كان “طارق فاضل” المتمرد حياتياً والصعلوك الذي يرغب بثورة ينتفض فيها على ذاته والمسحوق الذي يمارس لعبة افتضاض جنسي ضد نساء، رجال، صبية، بأمر السيد والذي حاول هنا أن ينتقم لانسحاقاته سردياً ليسقط كل الشخوص الذين ساقوه إلى السقوط ما وراء جدران القصر وتحت أقدام سيده، سيد السلطة، كان هذا الرجل لديه أخ وأخت هما “ابراهيم فاضل” المتدين، المصلح الاجتماعي ومريم التي لا يعرف عنها شيئاً، وحين يكتشف أنها زوجة وليد خنبش يصاب بجنون الكشف المباغت اللا متوقع، وقد نسأل فعلاً مادام وليد خنبش زوج مرام الأول فما الذي ساقه للزواج من مريم وهذا لم توضحه الرواية. عيسى الرديني الهارب من حارة الحفرة، حارة النار التي ترمي بشرر، عاد ليهرب بقية أبناء الحارة إلى الجنة التي تحولت إلى الجحيم، كان طارق فاضل “ممن جار عليهم هذا الهروب” وأسامة الذي طرد بفضيحة المجلات الجنسية وطارق فاضل المتمرد على والده والذي عاش الانسحاق كله على يدي عمته خيرية متصوراً عذابات أمه أيضاً بسبب هذه المرأة. في هذه الرواية تتعالق الشخوص، طارق الذات الساردة وابراهيم، الأخ المغاير وتهاني صالح. الفتاة التي حملت فضيحتها ورحلت، والأب الذي سحقته أحلامه وكبرياؤه، والأم المرتحلة مع رجل آخر، والعمة خيرية التي لم تتزوج فغابت عن الرواية غياباً استثنائياً لا جذر له. عبده خال حاول جاهداً عبر السارد طارق فاضل أن يغيب ملامح “السيد” نقل عنه القسوة، حالة الرعب عند التقائهما، الخوف من اسمه عند رنة الهاتف الخلوي، هل أراد خال أن ينتقم من السيد فغيَّب كل ملامحه كإنسان فجعله صورة لخيال يحكم ذواتنا، هل ترى كان عبده خال يصور شيئاً موجوداً في ذواتنا اسمه السيد الذي يهددنا بالموت باسم السلطة. يقول طارق “كنت ثاني شخص أدخل القصر بعد عيسى، ثم لحق بنا أسامة بعد ثلاث سنوات، ليساندني في تأديب خصوم سيد القصر، ثم توالت القامات والقلوب لدخول هذا القفص”. هي “ترمي بشرر..” رواية تاريخ العنف والفقر والجنس وبعيداً عن كل هذا قد يلجأ عبده خال إلى بنى سردية تقليدية تشابه إلى حد بعيد نمط ألف ليلة وليلة السردي، “وحوّطت رقبتي بيديها، غارسة عينيها بعيني: - هل ترغب في سماع حكايتي؟” هذا ما قالته مرام لطارق فاضل يوم اختلى بها في أحد الفنادق لتصبح عشيقته ويبدأ “صوت مرام” في اختراق السرد لينقطع صوت السارد طارق فاضل. ثنائيات وتماثلات “ترمي بشرر..” حاولت أن تطرح ثنائيات لا على مستوى التصارع بل على مستوى التماثل في الفقدان حيث يفقد عيسى حبيبته موضي “السيدة” ويتحول إلى مجنون يطوف الشوارع بعد أن ضاعت منه ثروته وحبيبته السيدة ويفقد أسامة حبيبته تهاني عندما ضاعت منه قتيلة على يد أبيها حين اكتشف افتضاضها على يد رجل مجهول ليلاً، والذي ظل يبحث عنه أسامة طوال حياته ولكنه لم يستطع الوصول إليه ولم يتخيل أن ذلك الرجل هو “طارق فاضل” وتبقى علاقة ثالثة بنيت على أساس الفقدان ذاته وهي قصة “شهلا” أم السيد التي ضاع منها حبيبها يوم زوجت بالسيد الكبير رغماً عنها “وزُفت إليه في ليلة صاخبة لم تسمح لرفضها أن يرتفع عالياً، ولم يكن لها من خيار سوى تسليم جسدها لزوجها، والتحليق بخيالاتها صوب الحبيب الذي تركته من غير أن تقدر على رؤيته حتى من بعيد” وهذا ما حصل لموضي ابنتها وهي حبيبة عيسى وحين تلتقي شهلا بحبيبها الذي شاخ كثيراً في المستشفى يضيع منها ثانية. هل كان الفقدان سمة لهذه الرواية التي تتحكم فيها الشخوص بسراب لا يرى، الفقدان قدر نساء القصر “رحاب، لمعة، داليا، تغريد، صهايل، عبير، اريج، ليالي، افراح، هدب، أطياف” والكثيرات، ولكن لنتذكر أن أسماءهن ليست هذه بل قد ضاعت الاسماء الحقيقية تلك إلى أجندة يحملها “طارق فاضل” لوحده.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©