الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

النَوَر·· يتبرأون من الغجر ويتمسكون بالزير سالم

النَوَر·· يتبرأون من الغجر ويتمسكون بالزير سالم
13 مارس 2009 00:42
ينزعجون كثيراً حين تصفهم بالغجر، ويؤكد ''المثقفون'' منهم بأن هناك فرقاً شاسعاً بين ''الغجر'' و''النَوَر''، فالفرق بين ''النَوري'' و''الغجري'' يوضحه عبد السلام جلو '' 23 عامًا'' الذي يعيش على أطراف حارة ''النَوَر'' شمال قطاع غزة، وسط عائلته المكونة من 7 شباب و5 فتيات معظمهم متعلمون على حد قوله· وقد اندفع الدم إلى وجهه حين سألناه إن كان ينتمي للغجر ؟، وقال غاضباً: نحن لسنا ''غجرًا''، وإنما ''نَور''، سألناه وما الفرق؟ أجابنا: ''الغجر'' سمعتهم سيئة ونحن نمقتهم، ويقال إنهم قطاع طرق وتجار مخدرات''· عبد السلام يجلس أمام باب كبير لبيت يتكون من ثلاثة طوابق مغلقة نوافذه بالأسلاك الحديدية، ويطل رأس خروف بقرنين من الأعلى ''لطرد عيون الحسود''، حسب قوله· وأضاف: '' لا يزال المجتمع ينظر إلينا نظرة ازدراء، وينبذنا ويخشى أن يحتك بنا، فمجرد الحديث أنني ''نَوَري''، تتسلل الريبة إلى نفوس من أتعامل معهم · وأكد في الوقت ذاته، انه لا يخجل من أصله بل يفتخر به، وقال: '' فأنا ''نَوَري'' ومتعلم لأثبت للجميع أننا تغيرنا''· ويرفض عبد السلام الحاصل على دبلوم المحاسبة، ويواصل دراسته الجامعية بجامعات غزة، بعضًا من عاداتهم وتقاليدهم، ويقول: ''لا أقبل أن تعمل المرأة في التسول أو حتى في الرقص والحفلات ، فأنا أصلي وديننا ينهى عن هذه الأشياء، ''هذا فرض وذاك ذنب، والله يقبل التوبة'' استطعنا أن نقدم نموذجا جيدًا في علاقاتنا مع الجيران والمجتمع عبر تعلمنا، ويسرد عدة مواقف أثرت في نفسه، منها حسبما يقول: ''كنت في سيارة للأجرة وتحدث الركاب عن النَور بأنهم مميزون وتعرفهم، فلهم أذناب للنساء وللرجال في مؤخرتهم، وقال صرخت في وجههم ''أنا نوري ومتعلم ولا ذنب لي''· مشيرًا إلى أنه حُرم من الزواج من فتاة أحبها بسبب رفض أهلها، لأنه نوري ويقول: ''حتى أننا نعاني على صعيد العمل في المؤسسات والمطاعم عندما يعرفون أننا نور يتم رفضنا مباشرة، مؤكدًا انه حال وجوده لعمل في مجال تخصصه سيقبله· وتوافقه الرأي شقيقته منار ''20 عامًا'' التي ترتدي الجلباب والمنديل أنها لا تخجل من أصلها، وإن كانت لا تحبذ عمل بنات جنسها من النَور في التسول أو حتى الرقص في الحفلات، وتقول مدافعة: ''بناتنا أجدع بنات، فهن لسن ساقطات ولا يضحك عليهن أحد''، وتضيف: حاولت التأثير على قريبات لي في العودة للمدرسة وأهمية التعليم ولكن لا جدوى، وأشفق عليهن أثناء رؤيتهن في أحد الشوارع · وتشكو منار من المدرسات حين ينعتن سلوك الطالبات الهمجي في الفصل بأنهن ''نَوَريات ''يضايقني جدًا، الناس لديهم فكرة سيئة عن النَور بأنها فئة فاسدة وجاهلة'' · فيما يشير عوني طالب الإعلام بأنه استطاع أن يكسب ود زملائه بالجامعة بعد معركة عنيفة وصلت إلى العراك بالأيدي حين شتموه بقولهم ''نَوَري''، شعر فيها بإذلال وضعف، لذا هَم بضربهم ويضيف: ''بعد ذلك احترمني أصدقائي كثيرًا بل وشاركوني في زياراتهم إلى بيتنا ويضيف بابتسامة عريضة ''هذه جولة كسبتها معهم''· ثم تتدخل منار بالحديث ''لسنا مسؤولين عن تصرفات أشخاص منا، فأصابع اليد ليست واحدة، ولا نقدر أن نغير التاريخ''· أصول هندية أم عربية وتشير الروايات التاريخية إلى أن أصول النَور تعود إلى الهند، لكن النَور في غزة ينفون صحة هذه الرواية، و يصرون على أنهم عرب من ''بني مرة'' مستندين إلى الرواية التاريخية عن ''حرب البسوس'' وعن ''سيرة الزير سالم'' الذي انتقم من بني مرة، وأمر بتشتيتهم في الأرض، رغم أن المشاهد لهم يرى فيهم الجمال الهندي · رزقهم على نسائهم وتوضح أم يوسف في الخمسينات من عمرها،'' هناك خلاف حول أصلنا، لكني أؤكد أننا من بني مرة من عشيرة الزير سالم وكان عددنا كبيرًا في فلسطين، وبعد حرب 48 تم ترحيل عدد كبير منا إلى غزة وإلى البلدان المجاورة وبقينا فقــــط بحـــدود 50 عائــــلة هنا، والباقي يتوزعون على المحافظات المختلفة وبيننا اتصالات بالنَوَر في مختلف أرجاء العالم · وتشير أن والدها كان يحدثها عن خيم أقاموها ببئر السبع· فيما تروي إحدى قريباتها بأنها سمعت من أجدادها أن ''شيخًا كبيرًا للنَور عندما تضايق منهم قال لهم :'' روحوا الله يجعل رزقتكم من وراء نسائكم''·· وهذا ما ترفضه فادية، وتقول: ''مجرد خرافات وأساطير''، على الرغم من اقترابه من واقعهم المعاش · وتفخر أم يوسف ذات الجذور المصرية، أنه لم يخرج عميل من النَور أو عميلة ولا ساقط أخلاقيًا، وتضيف:'' هذا بفضل توعيتنا لأبنائنا وبناتنا منذ الصغر'' · فيما توضح فادية الثلاثينية أنهم قدموا ضريبة الوطنية، على الرغم من عدم حبهم للسياسة '' ووجع الرأس'' ثلاثة شهداء، أحدهم شقيقها والآخرعمها بعد حرب 67 · وتضيف: نحن نحب المرح والضحك والناس وعاداتنا لا تختلف عنهم في شيء '' أملي أن ينقرض من حياة النَور الرقص والغناء والتسول''· بعيدًا عن أطراف الحارة يحتشد الأطفال والشباب والرجال في ساعات الظهيرة أمام بيوتهم الإسمنتية المتلاصقة والمطلة منها حبال غسيل، فيما تنتشر النساء في شوارع غزة ومحافظاتها في التقاط أرزاقهن بامتهانهن التسول، بعد أن بات التسوّل المهنة الوحيدة لهن، وبعد أن تغير المناخ الذي كان يغذي الرقص والغناء وإقامة الحفلات المختلفة، بعد اندلاع انتفاضة الأقصى· ويردد الشباب بعض كلمات من لغة خاصة بهم تسمى باللغة ''النَّوريَّة، أو ''العصفورية ''، وهي لغة شفاهيَّة، غير مكتوبة· اندثر معظمها وبقي الجيل الكبير يحتفظ ببعض منها، وما استطعنا التقاطه مما تحدثوا به: ''المنقش'' وهو التسول وجمعها ''مناقيش''، وهي أشهر كلمة عندهم·· ''دادياتي'' وتعني أمي، و''قولد'' شاي و''دفة'' سيجارة و''فشقة'' مخدرات و''كليلات'' فلوس و''صدي'' اسكتي · ويشيرون أنهم يتحدثونها فيما بينهم وقد ورثوها عن أجدادهم· عادات في الزواج وللنور عادات خاصة بالزواج ، منها أنهم لا يحبذون تزويج الغرباء حفاظًا على نسلهم ولأن المرأة عندهم مصدر الرزق، فهم أيضًا يبتاعونها بأسعار مرتفعة للغريب كأن تسجل الشقة باسمها ويكون مهرها فوق 10 آلاف دولار، أما الزواج من داخل النَور فلا يكلف إلا مبلغًا لا يتجاوز 3 آلاف دولار ، وطقوس الزواج عندهم تشبه على حد قولهم عاداتنا وتقاليدنا، غير أنهم يهتمون بتبرئة بناتهم من التفريط بشرف العائلة بالإعلان عن ذلك بطريقتهم الخاصة وسط جمع من النساء والرجال، حيث يهتمون بأمور العذرية والبكارة، مشيرين أنهم يحتفظون بنسب كبرى للعائلات في قطاع غزة· تربية البنات في حين تقول أم يوسف :'' أنهن يهتممن بتربية البنات منذ الصغر وتعليمهن بالتدريج على الحيطة والحذر، وتمكينهن من وسائل تقوية شخصياتهن ليواجهن المجتمع· ولا تخفي أنها تحارب وأفراد أسرتها لحرصهم على التعليم وتغيير الصورة النمطية السائدة عنهم، من قبل النَور أنفسهم ، وأنهم لا يتمتعون بعلاقات جيدة معهم
المصدر: غزة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©