السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أقنعة الأكاديميين المخابراتية

أقنعة الأكاديميين المخابراتية
8 أكتوبر 2015 08:09
منذ بداية الحرب الباردة، انشغلت المخابرات المركزية الأميركية بالتحكم في تدريس العلوم الاجتماعية في فرنسا لتخليصها من سيطرة الشيوعيين. بالاعتماد على الفيزيائي بيار أوجيه، مدير التعليم العالي آنذاك، قامت المخابرات بخلق قسم جديد في المدرسة التطبيقية للدراسات العليا، على هامش المعهد الوطني للأبحاث العلمية، مولت المكان الجديد، منزل علوم الإنسان، الذي أصبح اسمه في عام 1975 مدرسة الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية (EHESS)، الذي ترأسه المؤرخ المناهض للشيوعية فرانسوا فوريه. التاريخ الرسمي للمدرسة العليا للعلوم الاجتماعية الذي كتبه فرانسوا فوريه وخلصاؤه، يركز على المسلك الذي يمكن المؤسسة من التحرر من تأثيرهم كمناصرين للآداب والفنون. المدرسة، وهي خلاصة نصف قرن من التدخل الثقافي الأميركي، أنشأت بفضل قروض وزعتها، خلال الحرب الباردة، مؤسسة فورد روكفلر. على الرغم من نشأتها الدبلوماسية، تجاوزت المؤسسة الفكرة التي أنشأتها «بتجديد» قسم (تاريخ) التقاليد الأوروبية القديمة، «مما جعلها أن تصبح، حسب الترجمة الرسمية، القطب الثقافي المتحرر من القيود التي فرضها أنصارها». هذه الأطروحة، التي تقف قبالة اتهامات ممكنة، تحجب الرهانات السياسية والثقافية المرتبطة بإنشاء المدرسة. يضيء التحكم في المدرسة من قبل المؤرخين، بعيداً عن التعبير عن أشكال التحرر من المؤسسة، الخيارات الاستراتيجية لمؤسسة روكفلر التي جعلت، بدءا من الخمسينيات، من المجال التاريخي أحد أسلحتها المميزة في الدبلوماسية الثقافية الأميركية. مشروعات روكفلر بدءاً من عام 1901، استثمر جون د. روكفلر (1839 ـ 1937)، متبعاً نصائح صديقه الراعي المعمداني فريدرك جاتس، جزءاً من ثروته الضخمة في تمويل المشروعات الخيرية. أسس في نيويورك عام 1901 «معهد روكفلر للأبحاث الطبية» (الذي أصبح في عام 1965 جامعة روكفلر)، ثم في عام 1902، «مجلس التعليم العام» وفي عام 1909 لجنة روكفلر الصحية. هذه الأعمال الطبية والتعليمية أفضت إلى تأسيس مؤسسة روكفلر. لا يعلن التاريخ الرسمي سوى إرادة «ترقية رفاهية الإنسانية»، مستهلمة أفكار آندرو كارنيغي الذي أصدر في عام 1889 «إنجيل الثراء». في الحقيقة، تمثل مؤسسة روكفلر، جوهرياً، وسيطاً للالتفاف على قوانين مناهضة الاحتكار. في عام 1911، انقسمت «ستاندارد أويل» إلى أكثر من فرع، هذا القرار السياسي وضع نهاية لاحتكار شركة النفط في الأسواق الأميركية. منذ عام 1910، اقترح جون روكفلر مشروع المؤسسة «تحت حماية الكونجرس». أنشأت في عام 1913. هذا الغلاف مكن آل روكفلر من التحكم في الفروع المختلفة الناجمة عن قرار التقسيم الذي أصدرته المحكمة العليا في عام 1911. مثلا، حصلت المؤسسة بمفردها على ثلاثة ملايين سهم من «ستاندارد أويل أوف نيو جيرسي»، أولى شركات النفط في السوق. النشاطات الخيرية للمؤسسة ارتبطت بمصالح آل روكفلر الاقتصادية والاجتماعية. لذا اعتبرت العلوم الاجتماعية أداة للتحكم الاجتماعي، وكذا رهانا ثقافيا في الصراع ضد الاشتراكية. في نهاية عام 1913، انتهى إضراب لأكثر من شهر في فرع ستاندارد أويل، وتحديدا في 20 أبريل 1914، إلى مذبحة لودلاو، إحدى المراحل التراجيدية في اضطهاد الطبقة العاملة الأميركية. عكفت المؤسسة على دراسة الحركة في إطار التحقيق عن «العلاقات الصناعية» لكي تتحكم فيها بصورة فضلى. وفية لهذا المفهوم الأدواتي للعلوم الاجتماعية، عاونت المؤسسة، في الولايات المتحدة، تطورها في مختلف الجامعات (يال، هارفارد، شيكاغو، كولومبيا) وفي أوروبا اضطلعت بجزء كبير في تمويل مدرسة لندن للاقتصاد التي استقبلت رموز مؤسسة مون - بليران (وتحديداً فريدريش فون هايك وأستاذه لودفيغ فون ميزس) والمدرسة الألمانية العليا للسياسة في برلين. هذان المركزان الثقافيان سيعتمدان، وقت الحرب الباردة، على المنح الأوروبية التي مولتها الولايات المتحدة المقدمة إلى الأيديولوجيين المناهضين للشيوعية (منظمة حرية الثقافة، مؤسسة مون - بليران...). روكفلر يغزو فرنسا في عام 1917، استقرت مؤسسة لورا شبلمان روكفلر (امرأة البطريرك) في باريس تحت إطار مكافحة الدرن. آنذاك، في فرنسا، كان التمويل الخاص للعلوم الاجتماعي هامشياً للغاية. فقط ارنست لافيس، مدير مدرسة المعلمين العليا، من 1906 إلى 1919، حاول أن يقيم تجربة رعاية الفنون والآداب بإنشاء، بمساعدة آلبير ـ كان المصرفي الكبير، المجلس الوطني للعلوم الاجتماعية والسياسية في شارع أولم. أصبح، مع جوستاف لانسان خليفة ارنست لافيس، «مركز التوثيق الاجتماعي»، تحت إدراة سلستين بوجليه، عاملاً على تمكين شباب الباحثين من بدء أبحاثهم. في عام 1931، أجابت مؤسسة روكفلر مرحبة بطلبات التمويل التي تقدم بها شارل ريست، أستاذ الاقتصاد ونائب حاكم مصرف فرنسا، راغباً في إنشاء معهد علمي للأبحاث الاقتصادية والاجتماعية. في اللحظة نفسها، رفضت المؤسسة الخيرية دعم مشروع طموح لمارسيل موس. بانشغالها بالوضع السياسي الفرنسي، رأت مؤسسة روكفلر في موس، حفيد السوسيولوجي ايميل دوركهايم، يسارياً متطرفاً. في عام 1932، حصل مركز التوثيق الاجتماعي على منح لكي يمول مقعدين لباحثين كانا ملء سمع وأبصار هذا الوقت، وهما ريمون آرون وجورج فريدمان. في 1933 إلى 1940، تلقى المعهد العلمي للأبحاث الاقتصادية والاجتماعية الذي ترأسه شارل ريست ثلاثمائة وخمسين ألف دولار، والمجلس الجامعي للأبحاث الاجتماعية الذي ترأسه شارلتي مائة وستة وستين ألف دولار، ومركز دراسات السياسة الخارجية، ويرأسه أيضا شارلتي، مائة واثنين وسبعين ألف دولار. خلال الحرب العالمية الثانية، نظم أعضاء مؤسستي فورد وروكفلر رحلة النفي للسوسيولوجي جورفيتش والآنثروبولوجي (كلود) ليفي - ستروس والفيزيائي أوجيه. أنشأ جورج غورفيتش في نيويورك معهد السوسيولوجيا. في فرنسا، في مباني مؤسسة روكفلر، تابع بعض الباحثين، من بينهم جون شتوتسيل، أبحاثهم في حضن المؤسسة التي أسسها نظام فيشي (الحكومة العميلة للنازي)، وهي مؤسسة آليكسيس كاريل (على اسم البيولوجي الحائز جائزة نوبل في عام 1912). مشروع مارشال فكري في يونيو عام 1948، شكل المجلس الوطني الأمني سلسلة من شبكات التدخل الأميركية المناهضة للشيوعية في الدول الحليفة، (الستاي بهايند). بعد الاجتماعات التحضيرية، ادعى جون روكفلر الثالث أن مؤسسته أكثر جدارة من تنظيم مشروع مارشال على الدخول إلى بعض الأوساط الجامعية إذ أنها تمتلك صلات قديمة وقادرة على تنشيطها من جديد. لم يتحصل على الضوء الأخضر إلا لأهداف محددة للغاية. أقام في النمسا شيئاً من «مشروع مارشال الفكري»، تحديداً، ندوة الدراسات الأميركية في سالزبورج، التي أدارها كليمنس هلر. التفتت المؤسسة بطبيعة الحال إلى المثقفين الفرنسيين التي تتابعهم منذ زمن. أصبح بيار أوجيه مدير التعليم العالي منذ عودته الى فرنسا، في عام 1945. خلال الحرب، درس في جامعة شيكاغو، حيث اكتشف قسماً للعلوم الاجتماعية الديناميكية الذي يموله المحافظون الجدد. ثم، انتسب الى الأبحاث حول القنبلة الذرية مع البريطانيين والكنديين. في وظائفه الجديدة، طالب بالتحكم في المركز الوطني للأبحاث العلمية، عاملاً على إعاقة غريدريك جوليوت، الشيوعي والسلمي، من الحصول على جائزة نوبل. أعد مشروعاً لفصل هذا المركز عن مركز الطاقة الذرية، ومن ناحية أخرى، جعله قطباً للعلوم الاجتماعية التي يجب أن تلتحق بالمدرسة التطبيقية للدراسات العليا، وبالتالي أسس القسم الرابع، مختاراً لتنشيط هذا القطب عددًا من مثقفي مدرسة الحوليات، أمثال مورازيه، فريدمان، بروديل، لابروس، لوبرا. وكانت مؤسسة حاضرة هنا لتمويل هذه التجربة. كانت هناك صلات مقامة مع الوسيط كلود ليفي - ستروس، الملحق الثقافي لسفارة فرنسا في واشنطن، ثم شارل مورازيه الذي قابل جون مارشال، بعد انتهاء أول ندوة لليونسكو، المكان الحقيقي للتجنيد من أجل تأسيس الشبكات المناصرة للولايات المتحدة في أوروبا. نظم شارل مورازيه، الحاصل على شهادة في التاريخ، عضو جامعة الحوليات، عضو المؤسسة الوطنية للعلوم السياسية، النشاطات السياسية والثقافية كافة التي تمولها مؤسسة روكفلر. أصبح أحد مفاتيح إنشاء القسم الرابع، حيث عقد أول اجتماع في عام 1948. يتأتى ربع الميزانية من مؤسسة روكفلر. في السياق الأيديولوجي للحرب الباردة، كانت المؤسسات الخيرية ستاراً لعمليات التدخل الثقافي، أحياناً التي تقوم الخدمات السرية الأميركية بها بصورة مباشرة. في عام 1950، سهل أعضاء من المخابرات الأميركية عملية تأسيس منظمة حرية الثقافة في برلين، وهو التنظيم الذي جمع عدداً من المثقفين الكارهين للشيوعية. خلال سبعة عشر عاماً، حجبت المخابرات المركزية الأميركية تمويلها مستخدمة مؤسسة فورد. في عام 1952، منحت مؤسسة روكفلر فيفر ومورازيه مبلغ أربعة ملايين وخمسمائة ألف فرنك لمتابعة بناء إنشاء القسم الرابع. في عام 1954، بفضل كليمنس هلر، المقيم في باريس من الآن فصاعداً، حصل القسم الرابع على منح جديدة لكي ينظم برنامج الدراسات في المجالات الثقافية المختلفة. في عام 1959، دخلت مؤسسة فورد الساحة بدورها. مولت بكثافة نتاجات بيار أوجيه، بادئة بالمركز الأوروبي للأبحاث النووية، ثم سكبت مليوناً من الدولارات من أجل إنشاء منزل علوم الإنسان حتى يحمي القسم الرابع من المدرسة التطبيقية للدراسات العليا ويسهل عملية نموه. انتهت عملية البناء النهائية، وطمح القسم الرابع إلى الاستقلال نهائياً. أسس مرسوم 23 يناير 1975 رسمياً إنشاء مدرسة الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية، وهي مؤسسة تقوم على هامش الجامعة الفرنسية، أنشأت تستقبل العديد من الأيديولوجيين المناصرين للولايات المتحدة. منذ عام 1977، أصبح فرانسوا فوريه، المؤرخ المناهض للشيوعية، رئيسها، وهكذا جند صديقه بيار روزانفالان الذي سيؤسس بعد ذاك مؤسسة سان - سيمون. في عام 1980، أسس فورد مركز الدراسات الأميركية الشمالية في حضن المدرسة. بعد مرحلة طويلة من التدخل الثقافي الأميركي، تعد المدرسة منشأة هجينة، ممولة من الدولة الفرنسية، من قسم الدولة في الولايات المتحدة (منح فولبرايت) ومن المؤسسة الفرنسية - الأميركية في نيويورك في آن واحد، الستار المخابراتي الجـديد للـ«ســـي آي ايه» منذ عام 1967. بارون النفط جون دايفسون روكفلر (8 يوليو 1839 - 23 مايو 1937) ويعرف أيضاً بـ جون د. روكفلر الأب تمييزاً له عن ابنه جون د. روكفلر الإبن (1874 - 1960)، كان من كبار رجال الأعمال والصناعيين في الولايات المتحدة الأميركية، لعب دورًا محوريًا في تأسيس صناعة النفط، وذلك عن طريق شركة «ستاندرد أويل» التي قام بتأسيسها في عام 1870 في كليفلاند - ولاية أوهايو الأميركية، وقد تمكن روكفلر من السيطرة على نحو 90% من صناعة تكرير النفط في الولايات المتحدة بحلول عام 1879. في عام 1911 تم تفكيك شركة «ستاندرد» بقرار من المحكمة العليا الأميركية، فتفرعت عنها مجموعة من الشركات العملاقة، وهي صاحبت الأسماء المشهورة اليوم في صناعة النفط الأميركية والعالمية. في الكتاب الشهير عن تاريخ صناعة النفط «الجائزة: ملحمة البحث عن النفط، المال والسلطة»، يتحدث الكاتب الأميركي دانيل يرغين بإسهاب عن دور روكفلر في صناعة النفط، فيصفه بأنه: «... الشاب الذي ربح ذلك المزاد في كليفلاند في عام 1865. حتى في ذلك الحين، في السادسة والعشرين من العمر، كان جون د. روكفلر قد ترك انطباعاً منفراً. طويل القامة ورفيع القوام، أدهش الآخرين كمعتزل، قليل الكلام، بعيد وزاهد... ».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©