الأربعاء 8 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحملة الوطنية: «لا .. لصديق السوء» تستمد ركائزها من الثوابت الدينية والتراث الشعبي

الحملة الوطنية: «لا .. لصديق السوء» تستمد ركائزها من الثوابت الدينية والتراث الشعبي
26 يناير 2013 22:51
قيل قديماً: «الرفيق قبل الطريق».... وليس هناك أبلغ من قول الحق سبحانه وتعالى في تحذيره من خليل السوء، عندما قال: (.. ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا * يا ويلتي ليتني لم أتخذ فلانا خليلا * لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا). معلم البشرية الأول ينبهنا إلى أهمية انتقاء الصديق، عندما يقول عليه الصلاة والسلام: «المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل»، بل يمعن في تجسيد تأثيره في تشبيه بليغ رائع، ويقول صلاة الله وسلامه عليه: «الصديق مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما يحذيك، وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبة ونافخ الكير إما أن يحرق بدنك وثيابك، وإما أن تجد منه ريحا خبيثة». خورشيد حرفوش (أبوظبي) - تزامناً والحملة الوطنية التي تنهض بها جهات عديدة في الدولة تحت شعار «لا.. لصديق السوء» وتستمر حتى ?21 فبراير المقبل، نفتح هذا الملف المهم، حيث نناقش من خلاله أهم الجوانب المؤثرة التي تتعلق باختيار الصديق على الصعيد الأخلاقي والتربوي والسلوكي والاجتماعي. نحن أمام لغة رقمية لها دلالاتها على أرض الواقع، فإذا كانت دراسة مركز الدراسات ودعم اتخاذ القرار في شرطة دبي تشير إلى أن ?88% من متعاطي المخدرات في الدولة قد بدأوا مشوار الإدمان من خلال أصدقاء السوء، وأن هذه النسبة تتفق والدراسات العالمية لمنظمة الصحة العالمية التي تشير إلى أن 92% هي متوسط النسبة العالمية لتأثير أصدقاء السوء على رفاقهم نحو تعاطي المخدرات والمسكرات والإدمان عليها. جرائم العنف وفي آخر دراسة عربية منشورة، كانت لجامعة نايف للعلوم الأمنية بالمملكة العربية السعودية، تذهب إلى أن 17,5% من جرائم القتل والعنف في العالم العربي تتم بتأثير من أصدقاء السوء، كما أن تذهب نفس الدراسة إلى أبعد من ذلك وتشير إلى أن 76% من المراهقين يستمدون سلوكهم العدواني، وتكوين آرائهم من أصدقائهم حول كثير من قضايا ومجالات حيوية مؤثرة تتعلق بأنماط السلوك والملبس والبرنامج اليومي وممارسة الهوايات. من ثم كانت أهمية إطلاق الحملة الوطنية التي ترفع شعار «لا..لأصدقاء السوء» التي تحذر الآباء والأمهات وكافة مؤسسات المجتمع بدءاً من جمعية توعية ورعاية الأحداث، وبمشاركة ?28 جهة ودائرة في إمارات لتنفيذ برامج توعية يقدمها الخبراء والمتخصصون في مجال العلوم التربوية والتعليمية والسلوكية والثقافة والاجتماع والصحة والأمن والرياضة وغيرها عبر كافة وسائل الإعلام ووسائله، ومواقع التواصل الاجتماعي، والتحذير من مخاطر ما يعرف بـ «صديق السوء الافتراضي» الذي يهدد الصغار والصبية والمراهقين عبر الإنترنت، ويكون له تأثير أكثر تدميراً عن صديق السوء الفعلي. صحبة الأشرار أوجز الإمام الشافعي في وصفه لمكانة الصديق والصداقة بنعتها «بالإخوة»، وقال: «إن الشق الذي يتوسط حبه القمح يرمز إلى أن نصف الحبة لك، والنصف الآخر لأخيك»، فيما حذر«ابن المقفع» من صحبة الأشرار، عندما قال: صحبة الأخيار تورث الخير.. وصحبة الأشرار تورث الندامة. ويوضح الدكتور سالم بن نصيرة، بالهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف في أبوظبي، البعد الأخلاقي والديني لصديق السوء، ويقول: «الإنسان كائن اجتماعي يحب الألفة، ويأنس للرفيق، ويتميز بالشعور النفسي بالمشاركة وتبادل الإحساس بالوجود المشترك مع غيره ويريد أن يشعر معه بالأمن والأمان والحب والاطمئنان، ومن هنا جاء التأكيد على ضرورة إقامة علاقات مع الآخرين وحسن معاملتهم والصبر على آذاهم لتكتمل المصالح. فالاعتدال في علاقاتنا مع الآخرين وإنصافهم في كل حالات الحب والكره والرضا والغضب هو الحكمة التي تبقي على روابط المودة وتقضي على آثار العداوة، وتسد ثغرات الشيطان التي ينفذ منها إلى الصداقات والمودات، وما أجمل ما يقول ذلك الحكيم: إذا أحببت ففكر في البغض لعلّه يكون، وإذا كرهت ففكر في الحب لعلّه يكون، وكم يضطر الإنسان في حياته إلى مصادفة من عاداه ومعاملة من جافاه فلم تندفع في حال الكره حتى لا تترك مجالا للعفو والتسامح. قيمة الصداقة يضيف الدكتور بن نصيرة: «إن الإنسان بطبعه لا يكمل وحده لجميع مصالحه ولا يستقل بجميع حوائجه، فلا يمكن أن يعيش وحده، فبالضرورة يلزمه أن يعاشر الناس، لذلك يقرر علماء الاجتماع حاجة بعض الناس إلى بعض فكل واحد منهم يجد تمامه عند صاحبه وأن الضرورة داعية إلى استعانة بعضهم ببعض لأن الناس مطبوعون على النقصان ومضطرون إلى تماماتها فهم محتاجون إلى الاتفاق والائتلاف كالشخص الواحد الذي تجتمع أعضاؤه كلها على الفعل الواحد النافع، يقول صلى الله عليه وسلم: «رَأْسُ الْعَقْلِ بَعْدَ الإِيمَانِ بِاللَّهِ التَّوَدُّدُ إلى النَّاس». والإنسان بحكم معاشرته غيره تصبح له علاقات معهم، فيكون له الأصدقاء والأعداء والنافعون له والضارين به، وأشرف العلاقات التي تربط الإنسان بغير وأنبلها بعد القرابة الصداقة، والصديق مأخوذ من الصدق وهو خلاف الكذب وهو من صدقك عن نفسه ليكون على نور من أمرك، ويصدقك أيضا عند لتكون على مثله من أجل فضيلة الصداقة يشارك الناس بعضهم ويتعاشرون عشرة جميلة. والأصدقاء أنواع منهم من هو لا بد منه على كل حال لأنه قوام الحياة وسبب النفع ومنهم من هو سبب الشقاء والهلاك، لذا ينبغي أن ينتقي المسلم أصدقاءه ويحسن اختيارهم، فكما تقع الطيور على أشكالها، فالإنسان كذلك يقع على أشباهه وأقرانه ممن يشعر معم بالحب والاطمئنان. معايير يكمل الدكتور بن نصيرة: «من الخصائص التي تتسم بها الحياة الذهنية للمراهقين الانبهار بالجديد واحتقار القديم ونبذه وتجنبه، فالجديد عندهم هو الحقيق بالتقدير، لذا فإنك تراهم يسعون وراء كل مستجد سواء كان فكراً أو سلوكاً أو ملبوساً، فيحدث صراع بينهم وبين جيل الآباء، ينبغي أن يفسر على أنه ظاهرة صحية وليست مرضية، فهم يميلون أحياناً للجديد لا لشيء إلا لأنه جديد، ويمتنعون عن القديم لا لشيء إلا لأنه قديم، فيقعون في الشطط والخروج عن الحدود والضوابط الاجتماعية، والانحرافات العقدية والفكرية. فقد يحدث أن يكون في الأسرة شاب مراهق يتعرض لتيارات فكرية متشددة والانضمام لجماعات متطرفة، فإن دور الأسرة هنا معالجة الموضوع بحكمة وبعد نظر، ومعالجة هذه الظاهرة تتم بشيء من الموضوعية والاعتدال دون التقليل من حجمها وآثارها ودون التهويل في ذلك أيضاً، فالغلو في التعامل مع الأبناء ينشئ تطرفاً مضاداً كرد فعل، وهذا يعني عدم حرمانه من إقامة علاقات مع أقرانه أو منعه من أداء شعائره الدينية كحل لهذه الظاهرة، بل واجب الإحاطة بهم يقتضي متابعتهم ومعرفة طبيعة علاقاتهم مع الآخرين ومتابعة أنشطتهم الدينية والثقافية والاجتماعية وتعميق القيم الأخلاقية فيهم، وتنمية البعد الاجتماعي فيهم من تعاون وتسامح، لضمان حسن استقامتهم وتجنب انحرافهم. فمسؤولية الأسرة كبيرة للغاية في توجيه المراهق الوجهة الصالحة التي تساعده على الابتعاد عن التيارات المنحرفة والتغلب على أزماته النفسية، وذلك بالقدوة الحسنة، فالأب كي يكون مثالاً صالحاً لابنه المراهق ينحو به منحى الاعتدال والاتزان، ينبغي المراوحة بين الشفقة والشدة في التعامل معه، الشفقة في حنوه وتفهم مرحلته العمرية ويساير ركب الحضارة المتغير، وتقدير آرائه ومجهوداته وإرضاء غروره فيشعر بالارتياح النفسي فيستقيم ويسير في الطرق السوي. ولا ننسى كذلك دور المجتمع ومؤسساته في الإحاطة بالمراهق وتأهيله ومراجعة سلوكياته نحو الاستقامة والاعتدال في مواقفه وسلوكه يؤسس لحياة تؤمن بالوسطية بعيدة عن التطرف والإفراط والتفريط، وذلك بمساعدته على بناء شخصيته وحسن تعامله مع المجتمع ومكوناته ليتفاعل معه بإيجابية ويجسد أبعاده كفرد صالح فيه. فغالباً ما تكون الصحبة مصدر المراهق في معارفه ومعلوماته مما يجعل للرفقاء دوراً محورياً في دفع الفرد نحو الانحراف الفكري المتشدد، يقول عمر رضي الله عنه: «وَاحْذَرْ صِدِّيقَك إِلاَّ الأَمِينَ مِنَ الأَقْوَامِ، وَلاَ أَمِينٌ إِلاَّ مَنْ خَشِيَ اللَّهَ، وَلاَ تَصْحَبَ الْفَاجِرَ فَتَعَلَّمَ مِنْ فُجُورِهِ، وَلاَ تُطْلِعْهُ عَلَى سِرِّكَ وَاسْتَشِرْ فِي أَمْرِكَ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ الله». في ظلال الله يشير الداعية الإسلامي ربيع الكهلان، إلى معايير العلاقة بين الأصدقاء، ويرى أن معيار الوسط في حبهم أو بغضهم هو الله سبحانه وتعالى أن تحبهم لله وأن تبغضهم لله، وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله»، فذكرهم وذكر منهم: «رجلان تحابا في الله، اجتمعا على ذلك وتفرقا»، وقال صلى الله عليه وسلم: «ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاوَةَ الايمَانِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لا يُحِبُّهُ إِلا لِلَّهِ وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ»، فالحق على كل مسلم الاقتصاد في كل شيء من أمره وترك الإفراط والغلو فيه وذلك أن التحابب في الله من أفضل أعمال المسلمين، يقول عبد الله بن مسعود: لا ترضين أحداً بسخط الله ولا تحمدن أحداً على فضل الله ولا تذمن أحداً على ما لم يؤتك الله، فإن رزق الله لا يسوقه حرص حريص ولا يرده عنك كراهية كاره، وإن الله بقسطه وعدله جعل السرور والفرح في الرضا واليقين، وجعل الهم والحزن في السخط. ونقل عن الشافعي أنه قال: «الانقباض عن الناس مكسبة للعداوة، والانبساط إليهم مجلبة لقرناء السوء، فكن بين المنقبض والمنبسط»، وقال أكثم بن صيفي: الانقباض من الناس مكسبة للعداوة وتقريبهم مكسبة لقرين السوء فكن للناس بين المبغض والمقارب، فإن خير الأمور أوسطها. مظاهر سلبية تنتقل للمراهقين في ظل غياب دور الأسرة الاختصاصي الاجتماعي عمر الناجم، يؤكد ضرورة عدم إغفال المتغيرات العصرية الجديدة عند تناول موضوع رفاق السوء، ويقول: «كانت الأسرة والمدرسة في السابق تتصدران ترتيب المصادر المؤثرة في عملية التنشئة الاجتماعية للطفل، ومن ثم يأتي دور الأصدقاء والبيئة المحيطة، أما الآن فقد تغير الحال، وأصبحت الوسائل التكنولوجية، ووسائل الاتصال، والإنترنت، والمحمول تحدث تأثيراتها القوية في ظل غياب أو تراجع دور الأسرة، لانشغال الأب، وخروج المرأة للعمل، وتوزيع بعض المسؤوليات على الخدم والسائق وغيرهم، وفي ظل ذلك يتقدم دور الصديق أو الرفيق مع هذه الحالة، ويبرز دور الصديق «الافتراضي» عبر مواقع التواصل الاجتماعي الإلكترونية، وغرف الدردشة، و«الفيس بوك»، لدرجة أننا لو سألنا الأبناء من هم في سن المراهقة، عن أصدقائهم، سنكتشف أن نسبة كبيرة منهم عرفوا أصدقاءهم من خلال هذه الوسائل، بل إن الأمر تتضاعف خطورته بالنسبة للإناث، فمعظم الآباء والأمهات لا يلتفتون إلى خطورة الفتاة الصديقة لابنتهم لمجرد أنها أنثى، ويغيب عنهم ما قد تنقله أو تسببه من ضرر، إن مصدر الخطورة في أن نجد صديقاً له تأثيراته المهيمنة على المراهق، وهو في نفس الوقت مجهول وغائب عن الواقع الذي يعيشه الابن، وقد تمكنت الأجهزة الأمنية في الدولة من رصد كثير من المظاهر السلبية التي انتقلت إلى المراهقين من الجنسين عبر صديق السوء الافتراضي، لذا ينبغي توعية الآباء والمسؤولين في المدارس لحماية الأبناء من الوقوع تحت تأثير هذه الوسائل.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©