الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لا محل للعرب من الإعراب في سيناريو الخراب!

8 مارس 2016 23:34
المعادلة في سوريا هي أن القوى الدولية والإقليمية تحارب والسوريون يموتون. وربما هي المعادلة نفسها في كل الأزمات والقضايا العربية. فالعرب يختلفون ويتقاتلون ويدمرون ويخربون لحساب مقاول أجنبي إقليمي أو دولي. والقوى الإقليمية والدولية تختلف وربما تتصارع في قضايا وأزمات أخرى بالعالم. لكنها دائماً تتفق ضد العرب وتتصالح على حساب العرب. وهناك دائماً تناقض وفجوات كبيرة بين الولايات المتحدة وروسيا وتركيا وإيران. لكن الدول الأربع ردمت الفجوات على حساب العرب، وبلغت مرحلة الانسجام والاتفاق ضد العرب. والقول بأن السوريين يقررون استمرار القتال أو وقف النار أو المشاركة أو عدم المشاركة في المفاوضات لا محل له من الإعراب ولا نصيب له من الحقيقة، فليس للعرب من الأمر شيء. والزعم بأن سوريا ستبقى موحدة لو وضعت الحرب أوزارها لا نصيب له أيضاً من الحقيقة. فالسوريون انقسموا نفسياً قبل أن ينقسموا جغرافياً، وأصبحت بينهم ثارات لن تمكنهم أبداً من العمل معاً. ولن تعود سوريا موحدة سواء بقي الأسد أو رحل، بل أزعم أو أجزم بأن سوريا لن تعود دولة مستقلة، سواء بقي نظام الأسد أو رحل، والاحتلال لم يعد عاراً عند العرب، كما كان في الماضي، بل أصبح واقعاً يتعايش معه العرب لدرجة أنهم يستدعون المحتل جهاراً نهاراً، ويستقوون به علناً، ويسلمونه الأوطان طوعاً كما فعل «الحوثيون» في اليمن، وكما فعل حزب «نصر الله» في لبنان، ويفعل في سوريا، وكما فعل نظام بشار الأسد باستدعائه روسيا وإيران، وكما تفعل ما تسمى فصائل المعارضة السورية باستدعائها أميركا وتركيا، وكما فعل النظام في العراق بالارتماء التام في أحضان إيران. والمدهش في السلوك العربي أن الأنظمة والميليشيات التابعة لها أو المناهضة تستدعي المحتل الأجنبي فقط وتطالبه في كل لحظة بالتدخل العسكري، بينما ترفض تماماً وجود قوات عربية على أراضيها، العرب يرون أن التدخل العربي احتلال، لكنهم يرون التدخل الأجنبي شرفاً ووطنية ومدعاة للفخر، لم تعد هناك تلك الحساسية المفرطة القديمة من الاحتلال الأجنبي، مثلما لم تعد هناك حساسية وفزع من اكتشاف أو ضبط جواسيس، فالاحتلال أصبح تدخلاً لحماية الشعوب، والجواسيس والعملاء أصبحوا ناشطين حقوقيين يُشار إليهم ببنان الإعجاب والإكبار. هناك سيولة خطيرة في المشهد العربي، أدت إلى اختلاط الأوراق وميوعة المفاهيم ورمادية المواقف والتعريفات، والحقيقة هي الضحية دائماً، ولم يعد بالإمكان معرفة من على حق ومن على باطل، بل إن الباطل في الساحة العربية أعلى صوتاً وأقوى حجة وأكثر نفيراً، وأعجب باطل في المشهد العربي هو رفض العرب للعرب، وترحيبهم بالأجنبي حتى أنه يصدق على ما يسمى الوطن العربي الكبير ما قاله أمير الشعراء أحمد شوقي: أحرام على بلابله الدوح... حلال للطير من كل جنس؟ لم يعد هناك محل من الإعراب للأوطان أو للدول الوطنية في أمتنا العربية التعيسة، خصوصاً في الدول التي ضربها «تسونامي» الخريف العربي المشؤوم، حيث تآكل الوطن وتآكلت الدول الوطنية لصالح الميليشيات والمنظمات الإرهابية التي تركت طويلاً لتهلك الحرث والنسل تحت زعم أنها حركات أو منظمات مقاومة ضد إسرائيل، وتعامل معها العرب بتراخ وتلكؤ حتى تغوَّلت، بينما لم نر منها أي مقاومة حقيقية ضد إسرائيل، بل رأينا فقط مقاومة شعارية حنجورية زادت إسرائيل قوة واستقراراً وسكينة، بل إن إسرائيل هي التي استفادت من وجود هذه المنظمات الإرهابية، حيث استخدمتها بقوّة في تسويق أفعالها وجرائمها وتبرير ممارساتها لدى المجتمع الغربي. وهذا المجتمع الغربي أو المجتمع الدولي الذي كنّا نعول عليه كثيراً، أصبح يرى أن جرائم إسرائيل لا تساوي شيئاً إذا قيست بجرائم العرب ضد العرب. وبالتبعية لم يعد لجامعة الدول العربية محل من الإعراب، لأن الحالة الميليشياوية هي التي تسود الأمّة على حساب الدول الوطنية. وهذه الحالة الميليشياوية الإرهابية يتعامل معها العرب والعالم بطريقة الكيل بأكثر من مكيالين، والموقف الخليجي الحاسم باعتبار حزب «نصر الله» منظمة إرهابية، كان ينبغي أن يأتي قبل ذلك بكثير. وهناك منظمات أخرى ما زالت خارج لائحة الإرهاب، وربما يأتي دورها متأخراً جداً أو بعد فوات الأوان نظراً للتردد العربي الذي ما زال يجعلنا نرى أنها منظمات مقاومة ضد إسرائيل. والتردد في التعامل مع الظاهرة الإرهابية هو الذي يجعل العرب يصلون دائماً متأخرين، والذي يصل متأخراً أفضل منه ذلك الذي لا يصل أبداً. وقناع إسرائيل الذي يضعه الإرهابيون هو سبب التردد، وينبغي نزعه وإسقاطه وتمزيقه بعد ما ثبت أنه قناع زائف. في فلسطين، ما زالت الولايات المتحدة متمسكة بحل الدولتين، لكنّ الفلسطينيين أنفسهم ليسوا متمسكين بهذا الحل، بل هم متمسكون بحل الدول الثلاث: دولة غزة ودولة الضفة ودولة إسرائيل. والحالة الفلسطينية سوف تنسحب على كل الدول العربية التي تضربها الثقافة أو الظاهرة الميليشياوية. ففي سوريا ستجد القوى الدولية والإقليمية نفسها أمام حل الدولتين أو الدول الثلاث. ولبنان يسير نحو حل الدولتين أو الثلاث، والعراق يتجه إلى السيناريو نفسه، أي سيناريو الدول الثلاث. والدول الوطنية ماتت بالفعل أو قتلتها الميليشيات، لكننا لم نعلن وفاتها أو لم ندفنها بعد، وما زال العرب متمسكين بأمل كاذب أنها على قيد الحياة. والجيوش النظامية في كل دول الخريف العربي تحارب ميليشيات أو عصابات، لذلك تطول الحروب ولا تحسم. وقد يبقى العرب في حالة حروب إلى ما لا نهاية، خصوصاً مع الاتجاه القوي إلى تقسيم المقسم وتفتيت المفتت وغض الطرف الدولي عن هيمنة إيران ومخططاتها التي تنفذها بأذرع ميليشيات عربية سُنية أو شيعية تحت شعار مقاومة إسرائيل وتحرير القدس، ومع استمرار مسلسل الدمار والخراب ستبقى الجملة العربية في السيناريو الدولي والإقليمي لا محل لها من الإعراب. *كاتب صحفي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©