الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

واشنطن وسيئول... وتحدي المجاعة الكورية الشمالية

واشنطن وسيئول... وتحدي المجاعة الكورية الشمالية
15 أكتوبر 2011 22:29
جيم وايت - نائب رئيس العمليات في منظمة «هيئة الرحمة» مات إلينجسون - مدير تطوير البرامج في منظمة «محفظة المحسنين» مما لاشك فيه أن عدداً من المواضيع المهمة تصدرت أجندة اللقاء الذي جمع بين الرئيس الأميركي باراك أوباما والرئيس الكوري الجنوبي "لي ميونج باك" هذا الأسبوع في البيت الأبيض، نذكر منها على سبيل المثال اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين، والاستراتيجيات المقترحة للخروج من الأزمة الاقتصادية العالمية، وإمكانية استئناف المحادثات السداسية مع جار كوريا الجنوبية الشمالي المشاغب، هذا بطبيعة الحال ضمن ملفات عديدة ذات اهتمام مشترك. غير أن ثمة موضوعاً آخر يتعين على الزعيمين الأميركي والكوري إعطاؤه أهمية كبيرة ومناقشته الآن، ألا وهو ضرورة استئناف تقديم المساعدات الإنسانية إلى شعب كوريا الشمالية الذي يتضور جوعاً ويعيش في ظروف بالغة الصعوبة، بكل المقاييس. والحقيقة أن المسألة ضرورية الآن وملحة وليس هناك وقت كثير نستطيع تضييعه تجاه هذا التحدي الإنساني. فخلال زيارة إلى كوريا الشمالية مؤخراً، كنا من بين عدد من المنظمات التي رأت رأي العين أن الجوع الشديد آخذ في الازدياد هناك (مقارنة مع ما رأيناه في زيارة قمنا بها في وقت سابق من هذا العام)؛ ذلك أن العديد من الناس -وبخاصة الأطفال والنساء الحوامل والأمهات حديثات العهد بالولادة- يعانون من مستويات خطيرة من سوء التغذية. ففي أحد المستشفيات، رأينا أطفالاً يتم إطعامهم بالملاعق طعاماً علاجيّاً غنيّاً بالمواد المغذية كنا قد قمنا بتوزيعه، في حين كان آخرون موصولين بوحدات تغذيهم بالجلوكوز عن طريق الوريد وبدوا قريبين من الموت. وعلى كل حال فقد كان المشهد مأساويّاً إلى حد بعيد وإن لم يكن مفاجئاً لنا؛ ذلك أننا كنا قد تنبأنا باحتمال ظهور موجة من المجاعة في كوريا الشمالية منذ أشهر؛ ولكن ما كان مفاجئاً هو غياب رد أميركي في مستوى خطورة الحدث. ذلك أنه بينما يهلك الأطفال الكوريون الشماليون، تغض الولايات المتحدة الطرف عن ذلك، وكأن شيئاً لم يقع هناك. وفي الشهر الماضي، كنا جزءاً من فريق يضم خمس منظمات مساعدات توجد مقراتها في الولايات المتحدة سافرت إلى كوريا الشمالية من أجل توزيع إمدادات الإغاثة من الطعام على المحتاجين. وقد أخذتنا زيارتنا التي استغرقت أسبوعاً إلى كل من أقاليم شمال هوانجاي وجنوب هوانجاي وكانجوان، وهي المنطقة التي كانت الأكثر تضرراً من نقص الغذاء بسبب عواصف قوية ضربتها هذا الصيف. وقد أتاحت لنا هذه الزيارة فرصة الاحتكاك بالكوريين الشماليين العاديين والتفاعل معهم في المستشفيات ودور الأيتام والمزارع والمدارس وحتى في منازلهم؛ ووجدنا أن أحوال الخدمات الصحية والأمن الغذائي قد تدهورت فعلاً بشكل كبير؛ حيث كان الأطفال الجوعى يعانون كثيراً بسبب استمرار نقص الطعام والإسهال الناتج عن استعمال المياه غير المعالجة وانعدام النظافة والظروف الصحية المناسبة. ولئن كانت السلطات الكورية الشمالية قد رافقتنا خلال هذه الزيارات، فإن حالات اتساع نطاق وحدّة الجوع لا يمكن أن تكون عرضاً تمثيليّاً منظماً لأن الأمر يتعلق بأطفال حقيقيين رأيناهم عياناً يتضورون جوعاً، وفي بعض الحالات، رأينا أطفالاً على شفا الموت بسبب سوء التغذية. لقد وقع التنبؤ سلفاً بهذا الوضع المزري في كوريا الشمالية خلال زيارة أدتها مجموعتنا نفسها التي تضم خمس منظمات إنسانية، هي "أصدقاء كوريا المسيحيون" و"خدمات المورد العالمية" و"هيئة الرحمة" و"محفظة المحسنين" و"رؤية العالم"، قبل سبعة أشهر. وقد قمنا في ذلك الوقت بإجراء تقييم للوضع الغذائي ولاحظنا تفشي سوء التغذية بشكل مقلق، ونقص الطعام على نطاق واسع، ورأينا أشخاصاً دفعهم اليأس والحاجة إلى جمع الأعشاب والنباتات البرية من أجل تناولها. وقد أثرت هذه المظاهر بشكل خاص على الأطفال والعجزة والمصابين بأمراض مزمنة والأمهات المرضعات. وفوراً بعد تلك الرحلة، أوصينا بشدة بأن تقوم الحكومة الأميركية بتقديم مساعدات غذائية عاجلة لهذه الفئات الضعيفة والشرائح الهشة من الشعب الكوري الشمالي. ولكننا لم نكن الوحيدين الذين قدموا هذه التوصيات؛ ذلك أنه على مدى السبعة أشهر الماضية، قامت ست فرق من هيئات من بينها برنامج الغذاء العالمي -الذي يعتبر الذراع الإنساني للأمم المتحدة- وحتى الحكومة الأميركية، بزيارة كوريا الشمالية؛ وخلصت إلى أن ثمة حاجة ملحة وعاجلة إلى تقديم المساعدة الغذائية. ولكن على نحو لا يصدق، فشلت الحكومة الأميركية في توفير الطعام للكوريين الشماليين الجوعى؛ حيث يقول بعض الخبراء -ومنهم مؤخراً رئيس الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، التي تعد المصدر الرئيسي للمساعدات الخارجية الأميركية- إنه لا يمكن إرسال مساعدات غذائية لأن الحكومة الكورية الشمالية قد تعمد إلى تخزين المساعدات أو تحويل اتجاهها إلى غير مستحقيها. ونحن نعلم أن الكوريين الجنوبيين يتقاسمون تخوفات وبواعث قلق مماثلة أيضاً. غير أننا نعلم أيضاً أن المساعدات الغذائية يمكن أن تصل إلى الأشخاص الذين هم في حاجة إليها. ففي 2008 و2009، أدارت مجموعتنا نفسها المؤلفة من خمس منظمات إنسانية برنامجَ مساعدات وفر الغذاء لنحو 900 ألف كوري شمالي على مدى فترة تسعة أشهر. واشتغلنا في ظل مجموعة غير مسبوقة من شروط المراقبة، حيث كان لدينا فريق -يضم أميركيين يتحدثون اللغة الكورية- عاش أفراده في الأقاليم التي كان يتم فيها توزيع المواد الغذائية. وتأكدنا من أن الأشخاص الجوعى هم من كانوا يحصلون فعلاً على المواد الغذائية، ورأينا أن حالتهم الصحية تحسنت بشكل كبير. والواقع أن فريقنا كان راضيّاً جدّاً عن عمليات المراقبة والإشراف التي قمنا بها؛ وكذلك الحال بالنسبة لممولنا السخي: حكومة الولايات المتحدة. ولذلك، فإننا نعلم أن المساعدات الغذائية يمكن أن توفر إغاثة حاسمة لأفقر فقراء كوريا الشمالية، كما أننا وجدنا أن السلطات الكورية الشمالية مستعدة وقادرة على تحقيق هذا الأمر. وتأسيساً على ما تقدم، وفي ظل حاجة مثبتة ومؤكدة وقدرة واضحة على مراقبة الطريقة التي يتم بها توزيع المساعدات الغذائية على المحتاجين من السكان، فإننا لا نفهم لماذا ما زالت الولايات المتحدة تعمل على تأخير تقديم المساعدات الغذائية على رغم تفاقم المجاعة في ذلك البلد الفقير. إن الحياة السياسية في كوريا الشمالية تتميز بالتعقيد، ومما لاشك فيه أنها يمكن أن تكون محبطة بالنسبة لأوباما وحتى لكل واحد منا؛ غير أن الواجب الإنساني بسيط: إن الأطفال المتضورين جوعاً في حاجة إلى الطعام، والولايات المتحدة تستطيع توفيره، وعلينا أن نتحرك الآن. وعلاوة على ذلك، فإن برنامج مساعدات غذائية تموله الولايات المتحدة ويديره عمال مساعدات أميركيون يمكن أن يكون له أيضاً تأثير جانبي إيجابي يتمثل في المساهمة في تحسين العلاقات بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية. ثم إنه في ظل قلة التواصل بين البلدين والشعبين أو انعدامه، يمكن القول إن فرصة عيش أميركيين في كوريا الشمالية، والاحتكاك بالمواطنين العاديين هناك والتفاعل معهم، وتقديم المساعدة وإبداء حسن النوايا من قبل الولايات المتحدة، تمثل فرصاً نادرة لتحسين العلاقات بين البلدين؛ حيث يستطيع كلا الجانبين النظر إلى برنامج مساعدات غذائية حسن التنفيذ باعتباره جهداً تعاونيّاً ناجحاً. وفي خطاب تنصيبه رئيساً للولايات المتحدة في العشرين من يناير 2009، تعهد أوباما لشعوب الدول الفقيرة بأن إدارته لن تألو جهداً من أجل المساعدة على "جعل مزارعكم تزدهر" و"إطعام الأجسام الجائعة". واليوم، نأمل أن يقوم الرئيس الأميركي وضيفه الكوري الجنوبي بتنفيذ مخطط يهدف إلى ترجمة هذه الكلمات القوية إلى أفعال من أجل شعب كوريا الشمالية. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©