الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

السودان: «تكتيات» مؤقتة

26 يناير 2011 19:40
هل الأزمة السياسية الحادة، التي تخنق الجميع وتنذر بأن أيام السودان المقبلة ستكون صعبة في طريقها إلى الحل العقلاني، الذي ظل حزب "المؤتمر الوطني" يرفضه وبشدة وسخرية، بل أحياناً بلغة وعبارات لم تعتدها الحياة السياسية السودانية؟ الإجابة قابلة أن تكون نعم أو لا. فما اتفق الناس بوصفة العقلانية تكاد تكون مفقودة في السياسة السودانية. بالأمس فوجئ الرأي العام ومن بينهم قادة قوى "الإجماع الوطني" (المعارضة) بالإعلان عن عقد اجتماع "استثنائي" بين المهدي والبشير. اجتماع لم يمهد له، وقد ظلت الحرب الكلامية بين حزب "المؤتمر الوطني" وحزب "الأمة" وبقية شركائه في قوى الإجماع الوطني على أشدها، وذلك قبل ساعات، وليس أيام سابقة للاجتماع الثنائي أو الاستثنائي. ذهب الصادق ومعه عدد معتبر من أركان حزبه، تلبية لدعوة البشير، لكن بعض قوى تحالف الإجماع الوطني أجمعوا على أن شريكهم الأكبر (المهدي) لم يحطهم علماً مسبقاً بترتيب هذا الاجتماع، لكن المتحدث الرسمي باسمهم صديق يوسف قال إن التجمع لن يعلق على اللقاء، إلا بعد أن يلتقي رئيس حزب "الأمة"، ويعرف منه تفاصيل المباحثات الثنائية، وأن تحالف قوى الإجماع الوطني غير ملزم بأي اتفاق ثنائي بين أي حزبين). المهدي عقب لقائه البشير صرح أنه نقل للحزب الحاكم ضرورة التوافق وإجراء المزيد من التوافق، ووضع برنامج وطني متفق عليه دون إقصاء الآخرين، وإنهما اتفقا على تشكيل لجنة مشتركة بين حزب" الأمة" و"المؤتمر الوطني". لكن الأمين العام لحزب "الأمة" رفض رفضاً قاطعاً دخول حزبهم مع "المؤتمر الوطني" في شراكات ثنائية أو الاستجابة لبعض المحاصصات الوزارية معتبراً الاتهامات الموجهة لحزبه بالدخول في حوار ثنائي بأنها مجرد عبارات فضفاضة متداولة للاستهلاك السياسي. وكأنما "المؤتمر الوطني" يعلم سلفاً أن محاولته "الاستفراد" بحزب "الأمة" أو "الاتحادي الديمقراطي" أو كليهما ستقابل بمعارضة قوية. فقد أعلن عضو المكتب القيادي لحزب "المؤتمر الوطني" عقب اجتماع القطاع السياسي للحزب عن ترتيبات المرحلة المقبلة، وتحديد التعاون معها مؤكداً أن هناك "جدولاً زمنياً" للقاءات مع الأحزاب، وسيعلن عنه الأسبوع القادم وأن الحزب سيواصل دعوته أحزاب المعارضة من أجل المشاركة في الحكومة ذات القاعدة العريضة، لكن الأمين العام لحزب "الأمة" رد قائلًا (من يتجرأ ويعرض علينا الوزارات؟ وزاد ليس هناك اتفاق خلف الأبواب المغلقة). لكن هل الأزمة السياسية السودانية في طريقها للحل. الإجابة عندي ما تزال يمكن أن تكون نعم أو لا.. لماذا؟ أولاً لو كانت خطة "المؤتمر الوطني" قائمة علي الاستفراد بحزب "الأمة" أو "الاتحادي" أو كليهما لتشكيل حكومة القاعدة العريضة، فإن هذا الأمر سيجد مقاومة شديدة من أكثرية قيادات وقواعد الحزبين ناهيك عن بقية القوى السياسية الديمقراطية. وثانياً يبدو للمراقب أن المجموعة الحاكمة لم تستوعب الدرس بعد، وأن العناصر النافذة ماتزال متمسكة بموقف المتشدد، وهي ليست على استعداد للتخلي عن موقفها، ويبدو الأمر كما عبر عنه البعض في وصف هذه "الحركة الذكية"، كما يتصورون أنهم يريدون مزيداً من الوقت، وأنهم يريدون ويطالبون بفترة انتقالية جديدة بعد يوليو القادم. الدعوة للتغيير أمام صعوبات الوضع الاقتصادي المتردي أصبحت أكثر عمقاً. والحكومة التي تعلن كل يوم أن أزمة دارفور قد انفرجت، وأنها قد بسطت سيطرتها علي جميع ما كان يعرف بالأراضي المحررة، يصطدم قولها هذا بالواقع المرير الذي يعرفه الناس جميعاً. وإذا كان الخطأ الأكبر الذي ارتكبه مهندسو نيفاشا، هو أنهم لم يروا الأزمة السودانية التاريخية، إلا من زاوية صراع وحرب الجنوب والشمال، فإنهم لم يدركوا أن أزمة السودان كانت وما تزال تحتاج إلى رؤية، وحل يعيد من جديد بناء الدولة السودانية قبل وبعد انفصال الجنوب. الحراك السياسي الملموس اليوم ليس ردة فعل لثورة تونس، بل نتيجة تراكمات أفرزتها سياسات "الإنقاذ" في كل مراحلها، والتي انتهت بالسودان الكبير إلى انفصال "الجنوب"، وربما هو أبعد من الجنوب في مثل هذه الحالة يتعين على القادة السياسيين أن يتخلوا عن"سياسات التكتيكات الذكية المؤقتة"، وأن يتجهوا بأنظارهم وعقولهم لوضع استراتيجية وطنية تحظى برضاء كل فصائل الشعب وبناء الدولة المدنية الديمقراطية، حينئذ يمكن القول بأن الأزمة السودانية في طريقها للحل.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©