الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لهجة فصيحة تتضافر مع واقعية النص

لهجة فصيحة تتضافر مع واقعية النص
28 فبراير 2008 04:42
تستطيع لغة القصة أن تكون حاملاً اجتماعياً حين تتضمن مفردات وتراكيب شعبية، أو حين تستخدم العامية أداة للتواصل، أو حين تحيل على عادات أو محفوظات شفوية شعبية كالأمثال والأغاني، وقد حفلت القصة الإماراتية بالشعبي الذي يعبّر عن الاجتماعي بصور مختلفة، ابتداءً من استخدام العامية، وانتهاءً بذكر الأغاني الشعبية التي تختلف مناسباتها· على الرغم من الخلاف الدائر حول إمكانية توظيف اللهجة العامية في السرد، وفي الأدب عامة، وعلى الرغم من ميلنا إلى ضرورة استخدام لغة عربية فصيحة بسيطة، فإننا لا نستطيع أن ننكر إيحاء العامية في النص السردي، وقد وظف القاصون الإماراتيون، ومنهم باسمة يونس العامية في حواراتهم لإضاءة الشخصية، وهي تستفيد في قصة الشهادة من تلك اللهجة في إعطاء صبغة واقعية للحدث والشخصية، إذ تقدم جانباً من شخصية أبي مريم من خلال الحوار العامي التالي: ''يتهامس زائر وآخر في الديوانية: ـ حقيقة، يعطي الله من يشاء، أبو مريم ريّال طيب ويستاهل· ـ أبو مريم هامور على قولة اهل الكويت، عرف شلون يخطط، ودخل في قلب التجارة بقلب سبع· لا يا خوي وانا ابوك، الهامور هذا يلي انت تقول عليه، ما كان إلا سردينة هالطول، لكنه يوم انه تزوج، عرف شلون انه ينقي الحرمة يلي تريحه وتترس جيبه قبل مخه''· عامية ثانية غير أن ثمة مشكلة أخرى يطرحها المجتمع الخليجي، وهي مشكلة ''العامية الثانية'' التي تستخدمها العمالة الوافدة القادمة من شرق آسيا بشكل خاص، إذ تؤثر هذه العمالة تأثيراً كبيراً على اللغة، وتستخدم لهجة أصبحت مفهومة من قبل العامة، مما يشعر السارد في قصة ''الصرخة'' لناصر جبران بأنه غريب الوجه واليد واللسان في أرضه، لأن الغريب لا يكتفي بفرض لغته، بل عاداته وأغانيه أيضاً، ونقرأ مثل هذا الألم الذي يعبر عن اغتراب الذات في قصة ''هواجس'' لشيخة الناخي، كما تشير مريم جمعة فرج بذكاء إلى مشكلة التنوّع اللغوي التي يعانيها المجتمع الإماراتي وتنعكس على اللهجة المحلية، إذ تصبح اللهجة المستخدمة في قصة ''عبّار'' خليطاً يفهمه العربي والآسيوي والأوروبي على حد سواء· وتأتي المفردات ذات الرصيد الشعبي داخل سياق اللغة الفصحى شكلاً آخر من أشكال التعبير عن المجتمع الذي يمتلك مفرداته المتميزة، على نحو ما نجد في قصة ''أيام حارة'' لمحمد المرّ جانباً وفي قصة ''رطب ونخل'' لحارب الظاهري·· وفي قصة ''سيف والجرجور'' لإبراهيم مبارك نجد مفردات ذات صلة حميمية بالمجتمع الإماراتي فنقرأ عن الألياخ والدوابي واليواريف وغيرها، كما يعرفنا الحميري على ''السالية'' في قصة ''صافية خضراء العينين''·· إلخ تمجيد الشعبي ولا بد هنا من الحديث عن العادات الشعبية التي تظهر في النص القصصي الإماراتي، ولا يمكن تجاوز القاص محمد المر الذي لم تأخذه صدمة الحداثة والطفرة الاقتصادية بعيداً عن بيئته وثقافته، وإذا كان المرء يطالع في قصصه كثيراً من أجواء المجتمعات الغربية، فإنه كثيراً ما يعبّر أيضاً عن أجواء المجتمع الشعبي الإماراتي· وقد عقَد القاص قصصاً كثيرة لتمجيد الشعبي والتذكير به، ولعلنا نشير هنا إلى قصة ''في المتحف'' التي جعل فيها زيارة المتحف متّكأ للحديث عن عادات المجتمع الإماراتي· ويمكن للبيئة الشعبية أن تحضر من خلال الاسم ومن خلال العادات التي نقرأها خلال قصص شيخة الناخي، إذ نقرأ عن (حصة)، وهو اسم تكثر تسميته في الخليج العربي، كما نقرأ عن عادات موغلة بعيداً في الذاكرة، كحلقة التأديب (الفلقة)، (الخميسية)، التحميدة· ويبدو الرقص الشعبي واحداً من العادات الفولكلورية التي تعبّر عن جزء من التاريخ الفني للمجتمع الإماراتي، وثمة في قصة ''قرار'' لابتسام عبد الله المعلا إشارة إلى إحدى الدبكات الشعبية المشهورة في الإمارات، وهي (العيالة)· أما الأغنية الشعبية فقد ظهرت بأشكال مختلفة في القص الإماراتي، وجاءت في عدد غير قليل من القصص لتطور موقفاً حكائياً على نحو ما نجد في قصة ''عشرة دراهم'' لمحمد المرّ إذ إن (خميساً) الذي لا يريد أن يغني ولكنه عندما يلمح ورقة عشرة الدراهم يغيّر رأيه، مغنيّاً بصوتٍ أجشّ: ''والموسّدة زعلانة، زعلانة، تبغي رقاد الإثنينة، الإثنينة، ويا بو بلال عبّرني عبّرني''· ويمكن أن نشير إلى توظيف الأغنية في تطوير الموقف الحكائي من خلال قصة بعنوان ''حالة غروب'' لعبد الحميد أحمد، إذ يدفع العذاب والهوى (مبارك) إلى الغرق في الصمت أو الغناء الحزين، كما تظهر أغاني الأطفال في عدد من القصص القصيرة، لتعطي إحساساً غنياً بتدفق النبض الشعبي في السرد، وتعبّر مثل غيرها من الأغنيات عن مختلف المناسبات في المجتمع الإماراتي·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©