الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سعد مرتضى: السلام البارد خير من الحرب

سعد مرتضى: السلام البارد خير من الحرب
28 فبراير 2008 04:45
من القضايا التي حاول أن يحلها السفير سعد مرتضى مشكلة دير السلطان المملوك للكنيسة المصرية في القدس، والذي استولى عليه الرهبان الأحباش عام 1970 ولجأت الكنيسة إلى المحكمة العليا في إسرائيل حيث حكمت بأحقية كنيسة مصر بالدير، لكن الحكومة الاسرائيلية لم تسلمه للكنيسة بدعوى أن ذلك يعد تدخلاً منها في شؤون الأديان· وطرق مرتضى باب كل المسؤولين في اسرائيل، مؤكداً أن تسليم ذلك الدير إلى الكنيسة المصرية سوف يدفع عدداً من الأقباط إلى زيارة إسرائيل ويجعل البابا شنودة يرفع الحظر عن زيارة الأقباط إسرائيل، فقالوا له إنهم يتخوفون لو سحبوا الدير من الأحباش، فإن يهود الفلاشا قد يتعرضون لمضايقات في اثيوبيا وقد تم نقل يهود الفلاشا سراً إلى إسرائيل ولم يعد الدير إلى الكنيسة المصرية حتى هذه اللحظة· ''مهمتي في إسرائيل'' كتاب جديد صدر في القاهرة، ويضم مذكرات سعد مرتضى أول سفير مصري في إسرائيل تسلم عمله من يناير 1980 وحتى سبتمبر 1982 حيث سحبت مصر سفيرها من هناك احتجاجاً على دور إسرائيل في مذابح صبرا وشاتيلا· يدرك مرتضى في مذكراته ما أطلق عليه من خصوم اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل من أنه قام بالمهمة الملعونة، ويستعرض كل أفكار الذين رفضوا السلام بين مصر وإسرائيل، ويعلن تقديره واحترامه لكل الذين استقالوا من عملهم احتجاجاً على ما قام به الرئيس السادات منذ زيارته إلى القدس في نوفمبر 1977 مثل وزير الخارجية اسماعيل فهمي، لكنه يؤكد أنه اقتنع بما قام به السادات، وآمن به· وكان مرتضى سفيراً لمصر في المغرب، وكان يتردد عليها حسن التهامي مستشار الرئيس السادات عام 1977 ويلتقي سراً بموشي ديان برعاية ملك المغرب الراحل الحسن الثاني، وعلم هو بأمر تلك اللقاءات، وحين حاول أن يستفسر ويعرف طبيعة لقاءات وزيارات التهامي الذي كان يحمل لقب ''ممثل الرئيس'' كان الرد الذي تلقاه هو أن علم ذلك لدى رئيس الجمهورية وحده· بداية المهمة وبعد توقيع معاهدة السلام بين مصر واسرائيل، أبلغه د· بطرس غالي وزير الدولة المصري للشؤون الخارجية آنذاك بأن يستعد للسفر إلى اسرائيل ليكون أول سفير لمصر هناك، ووافق على الفور على الرغم من أن بعض أصدقائه نصحوه بعدم القبول، وكان عليه أن يعد طاقم السفارة الذي سوف يعمل معه، واتصل بعدد من الدبلوماسيين في وزارة الخارجية، ويذكر أن بعضهم وافق على العمل معه والسفر، لكنهم كانوا يعتذرون ثانية لأن أسرهم رفضت السفر معهم إلى إسرائيل وقدر هو ذلك· المذكرات ليست فيها أسرار كبيرة، وليست كلها مذكرات ذلك أن جزءاً كبيراً منها يمكن أن يدخل في أدب الرحلات، فقد حرص سعد مرتضى على أن يقدم وصفاً لاسرائيل من الداخل، وكان ذلك طريفاً ومفيداً والواضح أنه كتب أوراقه عام 1984 لكنها لم تنشر إلا هذا العام 2008 وبالتالي فقدت الكثير من جدتها وكان واضحاً في المقدمة حيث ذكر أنه لن يقول كل شيء، فهناك جانب يتعلق بالأزمات والقضايا السياسية التي لم تحل بعد، وعلى الرغم من هذا فإن المذكرات تلقي أضواءً على عدد من الأمور، يذكر مثلاً الترحيب الشديد الذي لقيه في إسرائيل من كل المسؤولين فقد تلقى الدعوات من مراكز الأبحاث والصحف والأحزاب والكنيست، وقادة إسرائيل، وكانت هناك شكوى، داخل اسرائيل من أن سفيرهم في القاهرة ''الياهو بن اليسار'' لا يلقى الترحيب في القاهرة، حيث لا تتم دعوته إلى الاحتفالات، وإن دعا هو احد إلى احتفال فإن المصريين لا يستجيبون، وإن خرج إلى المحافل العامة يتجنبه المصريون· الرئيس الجديد وحين اغتيل الرئس السادات ساد القلق إسرائيل حول مستقبل السلام مع مصر، وكان التساؤل في الصحافة الإسرائيلية عن هوية الرئيس الجديد حسني مبارك، صحيح أنه كان نائباً للسادات وكان موافقاً على السلام لكنهم تساءلوا هل يكون مبارك صورة من عبدالناصر أم صورة من السادات؟ وفي حديث لإحدى الصحف الاسرائيلية رد مبارك على ذلك قائلا: ' 'انا اسمي حسني مبارك'' ولما كان رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحم بيجين قد زار مصر عدة مرات، فقد كان مطروحاً أن يقوم الرئيس مبارك بزيارة اسرائيل ووافق مبارك على الزيارة وبدأ الترتيب لها، وهنا حدث الخلاف، فالرئيس هو الذي يجب أن يضع برنامج الزيارة، وكان لابد أن يلتقي رئيس الوزراء في مكتبه، ذلك أن بيجين حين جاء إلى مصر التقى السادات ثم مبارك في القصر الرئاسي، لكن المشكلة أن مقر رئيس الوزراء الاسرائيلي في مدينة القدس باعتبارها ''العاصمة الأبدية لإسرائيل'' ومصر ترفض ذلك تماماً، وترى أن القدس مدينة محتلة يجب أن تخرج منها إسرائيل، واقترحت مصر أن يكون اللقاء في تل ابيب، لكن بيجين اعترض فليس له مكتب هناك، وتساءلت إسرائيل حكومة وصحافة وكنيست: لماذا لا يذهب مبارك إلى القدس خاصة أن الرئيس السادات ذهب إليها عام 1977؟ وكان رد القاهرة أن السادات ذهب إلى القدس للصلاة في المسجد الأقصى، ولم يذهب للقاء سياسي أو رسمي هناك، وتأزم الموقف وجاء اسحق شامير وكان رئيساً للكنيست إلى القاهرة لبحث هذا الأمر، وأصرت القاهرة على موقفها وانتهى الأمر بأن ألغى مبارك الزيارة ولم يذهب إلى اليوم· مشكلة التطبيع كانت إسرائيل مندفعة نحو التطبيع مع مصر، ولم تكن مصر لديها ذلك الاندفاع، وكان الرأي الرسمي في مصر أن يتم التباطؤ في التطبيع ليكون ضغطاً على إسرائيل للتعجيل بمفاوضات الحكم الذاتي مع الفلسطينيين، وهو ما لم يكن بيجين متحمساً له، ومع الأيام بدأت المشاكل، كانت اسرائيل تشكو من أن مصر تسمح بتهريب السلاح عبر سيناء إلى الفلسطينيين في غزة وهو ما رفضته مصر تماماً، واشتكت مصر من أن اسرائيل تتباطأ في إقامة الحكم الذاتي وتوسع المستوطنات في الضفة الغربية وغزة مما يعرقل السلام· ومن بين مجالات التطبيع رأت مصر أن تبدأ بالزراعة والسياحة وفيما يخص الزراعة لدى اسرائيل خبرة في استصلاح الأراضي والري الحديث، وهكذا بدأت الوفود تروح وتجيء، وكذلك في مجال السياحة وكانت غالباً تتم من الجانب الإسرائيلي وحده· عبدالكريم الطبّال في أول عمل نثري له يلاحق الفراشات الهاربة ما أعيشه بعد الطفولة لا أحياه تحت عنوان ''فراشات هاربة''، وفي استعادة جميلة لمراتع الصبا ومراحل الطفولة والشباب المبكر، أطل الشاعر المغربي عبدالكريم الطبال هذه الأيام على الساحة الثقافية المغربية، بسيرة ذاتية حافلة بالصور والمشاهد واللقطات، التي ترصد فترة من حياة شاعر، لا يجادل أحد في كونه واحدا من مؤسسي القصيدة الحديثة في المغرب، وأحد رموز الحداثة الشعرية التي هبت على المشهد الثقافي في البلد، مند نهاية الخمسينيات ومطالع الستينيات، من القرن الماضي· سيرة الطبال، والتي لا تغطي سوى فترة قصيرة من حياته ومساره، حيث تتوقف في حدود العام ،1956 تطفح بهذه القدرة الواسعة على استحضار التفاصيل الدقيقة، ليوميات الحياة العائلية والاجتماعية والمعيشية والنفسية، للطفل الذي كان الشاعر، ذات زمن جميل مضى، محملا بكل عناصر البراءة والطراوة والفطرية الحالمة، قبل أن يتدرج الفتى في مسيرة العمر، ويصبح شابا يغادر مدينته الصغيرة ''شفشاون'' في الشمال المغربي، لاهثا وراء المعرفة، عبر اجتياز مسالك التمدرس، في مغرب الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي، مغرب كانت أراضيه الشمالية تحت الاحتلال الاسباني، ومناطقه الوسطى والشرقية والجنوبية، تحت السيطرة الفرنسية· سيرة ''فراشات هاربة''، تصور التشكلات الأولى لنفسية طفل، سيتحول إلى واحد من ألمع شعراء وطنه، وترصد الهشاشة العاطفية لهذا الكائن الصغير، الذي لم يكن يستسلم لنومته العميقة، إلا بين أذرع أمه، قبل أن يتململ العمر في رحلته التصاعدية، فيهاجر الصبي بيت الأسرة، ليبدأ رحلته الجديدة والخجولة، لاكتشاف عوالم جديدة في مدينة فاس، أكبر مركز للإشعاع العلمي والثقافي في المغرب وقتئذ، قبل أن ينتقل إلى مدينة تطوان، حيث أكمل هناك تعليمه العالي· هذه السيرة كتبت بلغة منتقاة، لغة شفيفة تختال في عذوبتها ورقتها· يفتتحها عبدالكريم الطبال بما يشبه البوح حين يقول: ''أحيانا أظن أن حياتي انتهت بكليتها وتفاصيلها، مع انتهاء الطفولة· فما توالى بعدها من الأيام والسنين، إنما هي وقفة على الأطلال، لأتذكر وأستعيد وأتخيل وأستنتج· وما أعيشه بعدها، إنما أعيشه ولست أحياه· وشتان ما بين العيش والحياة· وربما يكون الإحساس هذا غير ملتبس، خاصة بالنسبة إلى الشاعر الذي يحاول باستمرار، استعادة الطفولة في شعره، من أجل أن يحياها من جديد، ومن أجل أن يبعث ذاته من رفات النسيان· فالأشياء والكائنات والأحاسيس والأفكار، في زمن الطفولة الضائعة، ذات بريق خاص ودلالات سحرية معينة، وذات نكهات روحانية غريبة· ثم تتحول هذه كلها بعد موت زمن الطفولة، إلى طبائع جديدة ليس لها من السحر ما كان، فيضطر الإنسان وخاصة الشاعر بعد ذلك، إلى التعلق بالوهم، أو إلى الاستنجاد بالخيال، حتى تظل كما كانت في طبائعها الأصلية الأولى''· ويخلص عبدالكريم الطبال، الذي يأخذ في هذه السيرة موقع الراوي بضمير المتكلم، إلى الإقرار بأن هذه الحاجة الوجودية من أجل الحياة في طبيعتها الفطرية، هي التي رسخت القناعة لديه بأن الشاعر، هو إنسان متقاعد يعيش طفولته· وهو من أجل أن يظل في بؤرة الحياة، يحاول بكل حاسة فيه، القبض على ناصية الأحوال الهاربة المنفلتة· وهذا أول عمل نثري ينشره الطبال، بعد سلسلة إصدارته الشعرية المتوالية، دون أن يعني ذلك أن غوصه العميق في بحيرة الشعر لن يتوقف، إذ سيطلق الطبال ديوانا جديدا بعنوان ''في قارب واحد''، صدر ضمن منشورات منتدى أصيلة الثقافي عام ،2004 ليستتبعه في مطلع هذا العام، بمجموعة شعرية جديدة، بعنوان ''موال أندلسي''، ظهر في مدينة طنجة بأقصى شمال المغرب، ضمن سلسلة مجلة ''طنجة'' الأدبية· والشاعر عبدالكريم الطبال من مواليد عام 1931 في منطقة ''الشاون'' الجبيلة شمال المغرب· تابع تعليما عربيا أصيلا، حيث درس بكلية القرويين ابتداء من عام ،1947 ثم التحق بالمعهد العالي بتطوان بداية من سنة ·1954 حصل على شهادة في الدراسات العليا الإسلامية، رغم نزوعه الأدبي الجامح· واشتغل بالتدريس طيلة مساره المهني، قبل أن يخلد إلى التقاعد، تحت سماء مدينته المفضلة ''الشاون''، النائمة في أحضان الجبال، ليواصل في هدوء وسكينة، رحلة العمر على إيقاع رنات الشعر وبوح الوجدان· يوم مميز يستعرض تكلفة الأفراح في أميركا مستثمرون أذكياء ومستهلكون سذج يدفعون فواتير الزواج لم تعد حفلات الزفاف في الولايات المتحدة مجرد طقس احتفالي بالزواج بل تحولت الأفراح الأميركية إلى مظهر ثقافي يعكس طبيعة المجتمع الأميركي، وصار شكل الزفاف يعبر عن هوية الزوجين· ومع ترسخ هذه المعتقدات لدى الشباب الأميركي المقبل على الزواج، ارتفعت تكلفة حفلات الزفاف بصورة مطردة، حيث بلغ حجمها الاجمالي 161 مليار دولار سنوياً، كما ذكرت ريبيكا ميد، الصحافية في مجلة ''ذا نيويوركر''، في كتابها التحليلي ''يوم مميز''، الذي صدر في مايو الماضي، وهو نتاج ثلاث سنوات من التحقيق الصحافي في كل ما يرتبط بحفل الزفاف من منظمين ومصانع فساتين الزفاف ومعارض ومجلات وبرامج تليفزيونية وحتى شركات حجز شهر العسل· المناخ النفسي تحلل ميد في كتابها الجو النفسي العام المصاحب لحفلات الزفاف، والذي يؤثر على حجم الإنفاق والضغوط العصبية، لتخلص في النهاية إلى أن العاملين في هذه الصناعة يستغلون رغبة الزوجة في المقام الأول بأن تكون أجمل الجميلات في هذا اليوم المميز جداً في حياتها· وفي سبيل ذلك هم مستعدون لتصوير بعض الأشياء الكمالية على أنها ضرورة ليجنوا مزيداً من الأرباح· وتكشف ميد في كتابها بعض مظاهر بدع الأعراس بدءاً بخاتم الزواج وحتى شهر العسل· مستشهدة باستطلاع رأي أجري عام 1939 أظهر أن 16% من الزوجات تزوجن بملابس عادية كن يملكنها من قبل· الاستطلاع أظهر أيضاً أن ثلث الزوجات ممن تم استطلاع رأيهن لم يضعن خواتم زواج، وأن نحو ثلث آخر لم يقضين شهر عسل مع أزواجهن، لتؤكد أن مظاهر الزفاف السائدة في السنوات الأخيرة هي مظاهر مزيفة· وتوقعت ميد في حوار لها مع موقع "Salon" أن تتزايد هذه ''التقاليع الزفافية'' لتضخ مزيداً من الأموال في جيوب المستفيدين، الذين يعرفون كيف يديرون عجلة تجارة الزواج جيداً ليتربحوا من أجمل يوم في حياة كل شاب وفتاة· وقالت إن التقليعة القادمة قد تكون ''تبييض أسنان'' العروس، مع تخفيضات في التكلفة إذا ذهبت العروس بصحبة عريسها ووالدتها لكي يبيضوا أسنانهم جميعاً! تكلفة الأفراح عندما ثبتت المكاسب الكبيرة العائدة من الأعراس وحفلات الزفاف، بدأ الكل يحاول حجز نصيب له من الكعكة· وأنشأت شركة ديزني قاعات أفراح عالمية في التسعينات تحمل اسم شخصيات ديزني الكارتونية، وتصل قيمة حجز القاعة الواحدة (قاعة سندريلا على سبيل المثال) إلى ألفين وخمسمائة دولار للحفل الواحد من دون أي إضافات· وتشهد لاس فيغاس، مدينة أميركا الليلية، 122 ألف حفل زفاف كل عام، ويستغل مديرو القاعات شهرة فنانين ومغنيين كبار زاروا هذه القاعات في رفع سعرها، وهو ما حدث مع المغنية الأميركية بريتني سبيرز· ارتفاع تكلفة الأفراح أدى كذلك إلى نشوء مدارس لتعليم منظمي حفلات الزفاف، واعطائهم دروساً في فن التزيين وزيادة المتطلبات التي يصورونها للعروسين على أنها ضرورية، كما تعليمهم كيفية إقناع العروسين بأن الإعداد لحفل الزفاف ليس أمراً هيناً، ولذلك يجب الاستعانة بالمتخصصين في هذه الأمور· بماذا تقدم الغربيون؟ سؤال طرح في إطار أخلاقي واجتماعي قبل 77عاماً إذا أردت أن تبكي على العرب فابكِ بملء عينيك علي المقري في كتابه ''بماذا تقدم الغربيون ـ بحث أخلاقي ودرس اجتماعي'' قال محمد علي لقمان قبل سبعة وسبعين عاماً: ''إذا أردت أن تبكي على العرب فابك عليهم بملء عينيك، فأما أن يقوموا اليوم وإما أن لا يقوموا أبداً''· ولا نعرف ماذا سيكون حال العبارة الآن عند لقمان (1898 ـ 1966) الذي يعد من أبرز التنويريين العرب وأحد مؤسسي الصحافة الحديثة في عدن والجزيرة العربية وأول من كتب رواية في اليمن· فالكتاب الصادر أخيراً في طبعته الجديدة عن اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين ومركز عبادي في صنعاء يعيدنا إلى سؤال كان يقلق مفكري نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، ومنهم شكيب أرسلان الذي كان بدوره قد ألّف كتاباً بعنوان ''لماذا تأخر المسلمون؟''، وقد قدّم كتاب لقمان الذي أنجز في عام 1352هـ بناء على طلب المؤلف بدون أن يقرأه· خلع رداء الجمود يلخّص لقمان بدايةً مبحثه في السؤال المختار عنواناً للكتاب والإجابة عليه، فيجد أن المرء يستغرب ''كيف أن هذا الإنسان الأوروبي الذي لا يخرج عسلاً كالنحل، ولا مسكاً كالغزال، ولا حريراً كدودة القز، ولا سماً نقيعاً كالأفعى، هذا الإنسان الضعيف المعرّض للأمراض الفتّاكة من حمى جدري وطاعون وأوبئة عديدة قد أخضع الطبيعة وأجبرها على أن تخدمه خدمة العبد لسيّده حتى شارك الطير في ملكوته، والحوت في أعماق بحاره، والشرق في خيراته، دانت له الرقاب، وعنت العباد وتصاغرت النفوس أمام هذا المخلوق الذي لا يعرف للمستحيل معنى، ولا للكلال مرادفاً، وما ذلك إلاّ لأنه خرج من قيود الرجعية إلى ميادين العلم والعمل، فتعلم اللغات على اختلافها، وأخذ الحكمة أنى وجدها، ونشر العلم وعظّم رجاله، وكرّم أبطال التاريخ واحترم النظريات العلمية، وخلع رداء الجمود، وفضّل أمته على سائر الأمم، وقرر أنه أشرف الناس طراً، وأنه عين الوجود والمقصود من التكوين!!''· يرى لقمان أن من أسباب رقي الأوروبيين نظام التعليم المبني على أسس علمية، ونظام المدارس ووسائل التربية فيها، وتعليم البنات على وجه الخصوص· والمدارس الراقية تخرج تلامذتها وهم يحسنون في آن واحد بضعة علوم وفنون تكسب العقل مرونة، خلافاً لأنظمة التعليم في كثير من البلدان الشرقية حيث، كما يقول لقمان ''يتلقى التلامذة علماً واحداً فقط، وبذلك يتقيد نطاق تفكيرهم وتسوء أحوالهم، إذ لا يستطيعون العمل إلاّ في تك الدائرة التي حضرتهم المدرسة لها حتى أنك اليوم إذا ذكرت للفقيه مخاطبة أهل المريخ، قال: أستغفر الله، وإذا ما نطقت بنظرية داروين استعاذ بالله من الكفر، وهو ما يذكرني بقيام الكنيسة على كريستوف كولمبوس عندما أعلن عزمه على اكتشاف أميركا إذ وجد القسوس إن ذلك مخالف لقواعد كتبهم الدينية، وإنا لنرى بأم أعيننا ونسمع بآذان رؤوسنا في الجزيرة العربية أقوماً يرون كفراً القول بدوران الأرض حول الشمس رغم جميع الشواهد التي لا تقبل النقض والإبرام''· تمر البصرة وقطن مصر ويذكر عامل الاعتماد على النفس وأهمية العمل، حيث الأفرنجي، حسب تعبير لقمان ''يعمل ويفتش عن مواطن النقص في جميع أعماله ويصلح الخلل في كل لحظة حتى يبلغ بأعماله درجة الكمال''· وهنا يشير إلى جملة من الإنجازات في أوروبا وأميركا كصناعة السيارات والطائرات والبواخر، وابتكار الكهرباء والتلفون واللاسلكي والراديو والتلفزيون، ومكتشفات الطب والكيمياء والهندسة والفنون الجميلة، وعلوم الزراعة والساعة والطباعة والصحافة والسينما، وأصبح الغربي ينافس الأمم حتى في حاصلات بلادها الطبيعية ''إذ أصبحنا نراه يبيع الفحم للاستراليين والصباغ لليمن، وكأنه والحال كذلك يكاد يصدر التمر إلى البصرة والقطن إلى مصر!''· وقد وضع الغربيون الكتب العديدة ليتعلموا اللغات الأخرى، والعرب ''بحاجة ماسة لتعلم علوم النفس والأخلاق والفنون الجميلة والهندسة والرياضيات والكيمياء والملاحة والجندية والطيران والطب، ولا سبيل إليها إلاّ بتعلم اللغات الأجنبية، وهي الإنجليزية والألمانية والفرنسية والإيطالية والروسية على وجه الخصوص، وبقية اللغات الحية على وجه العموم''· والأوروبي، كما رآه لقمان ''يعرف قيمة العمل ويقدر الأعمال الجليلة وقليلاً جداً ما يميل إلى الخرافات والخزعبلات أو انتظار البخت والنصيب، فهو يجد ويكد غير تارك نفسه تحت سيطرة الحوادث أو متهماً بعجزه الأقدار'' وهو بذلك، كما يقول لقمان، كأنه ''تخلق بأخلاق القرآن من حيث نحن لم نعمل بها''· ويجد لقمان، في الكتاب الذي أعد نشره مجددا وقدمه عمر محمد عمر، أن الرياضة قد أدت إلى تنشيط الأوروبي وتحسين عمله، ويرى أن من الضرورة التخلص من العادات السيئة، مشيراً إلى الكثير من الإنجازات في هولندا وإنجلترا وايطاليا وفرنسا والمانيا· وينوه إلى عوامل ساعدت على نجاح الغربي كالتخطيط والتنظيم الدقيق للوقت والأعمال والأشياء، واغتنام الفرص في كل المجالات· ويؤكد على ضرورة التخصص في العلوم والفنون، والذي يرى أنه من أسرار تقدم الغربيين· ولا يغفل لقمان أهمية القوانين والنظم كالدستور البريطاني في تقدم المجتمع، وكذلك الحريات الفكرية التي كانت سبباً في إنقاذ أوروبا، والتوجه السياسي بناء على التقاء المصالح بين الأمم الأوروبية، وخضوع الحكومات لإرادة الشعوب· ويرى أن المصالح العامة تتغلب على أي اختلافات فقد نرى إنجليزيين يحتدم الخصام بينهما في البرلمان والمجالس السياسية لاختلافهما في المبادئ، ولكنهما يعودان إلى الصفاء والوفاء بعد مغادرة تلك المجالس بخلاف ما هو حاصل بين أهل بعض المذاهب الإسلامية· الباحث المغربي محمد الشيخ يقدم صيغا جوابية لإشكاليات الحداثة الحداثي وصف إنساني أولاً وأخيراً محمد نجيم ضمن سلسلة ''شرفات'' التي تصدرها منشورات ''الزمن'' والتي تواصل إصدار كتب تلقى الرواج الواسع من طرف شريحة واسعة من القراء والمثقفين في المغرب· أصدر الباحث والمفكر والفيلسوف المغربي محمد الشيخ كتابه الجديد ''ما معنى أن يكون المرء حداثيا''· هذا الكتاب الجديد الذي يحاول الجواب على السؤال: ما معنى أن يكون المرء حداثيا· وما معنى أن يكون حديثا· والسبب ـ حسب المؤلف ـ في هذا التخالف بين معنى أن يكون المرء ''حداثيا'' ومعنى أن يكون ''حديثا'' هو على التدقيق سببان: الوصف والموصوف أولهما: إنه لئن كان الوسم ''حديثا''· قد ينطبق على تاريخ الإنسان أفعالا وصنائع - وذلك شأن أن نصف أحد ''المجتمعات البشرية بأنه ''حديث''، بمثل ما نحن نصف به ''سيارة'' ما أو أثاثا بعين النعت ذاته: ''حديث''، فإن الوسم ''حداثي'' ما كان من شأنه، بدءا، أن ينطبق إلا على ''الإنسان'' دون سواه من مصنوعاته، فلا مساغ لوصف هذا ''القطار''، مثلا، بأنه ''حداثي''، وإنما نقول عنه: إنه ''حديث''، وإنه، تثنية، ما كان من شأنه أن يسري إلا على الإنسان حامل دعوى ''الحداثة'' هذه و''المتحمس'' لمشاريعها و''المنافح'' عنها، ومن ثمة، صح القول: إنما المرء يكون ''حديثا'' بالولادة في ''مجتمع حديث''، وهو يصير ''حديثا'' ببذل الجهد لفهم ''روح العصر'' - والتوحد بها والرضا عنها والقبول بها نبراسا له في حياته وهاديا· وهكذا، فإننا نقول عن ''المرء'' الذي يدافع عن قيم ''الحداثة'' بأنه ''حداثي''، ولا نقول عنه: إنه حديث''· اللهم بضرب من التجوز في اللفظ والتسهل في العبارة· كما نقول عن ''المجتمع'' الذي يتبنى، عن وعي، هذه الرؤية المخصوصة لحياته بأنه ''مجتمع حداثي''· وقد ترتب عن هذين التوضيحين، أن نعت ''الحديث'' وسم لواقعة حاصلة تتمثل في كل ما مت للزمن الحديث بصلة وتواجد فيه، وذلك حتى وإن هو كرهه أو ضاده - وذلك كان نقول مثلا ''الكتاب الحديث'' - وإن وسم ''الحداثي'' نعت لدعوى ومشايعة: أي أنه توصيف لموقف من الزمن الحديث مترض له ولفلسفته في النظر والعيش· بيد أن استعمال لفظ ''الحداثة'' مازال يحتفظ في ذاته بهذا ''الالتباس الأصلي المؤسس'' الذي تدل فيه ''الحداثة'' على ''واقعة'' (مجموع التحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية التي شهدتها أوروبا بدءا من القرن السابع عشر إلى اليوم، والتي امتدت لتشمل اغلب أصقاع العالم)، وعلى ''دعوى'' (تبني المرء للمبادئ والقيم والمعايير التي أفضت إلى هذه التحولات ومشايعته لها والمنافحة عنها وقبوله بمنطقها ونتائجها الايجابي منها والسلبي)· وهو معنى ''الحداثي'' على التحقيق· الحديث والحداثي ثانيهما: أن الفارق بين ''الحديث'' و''الحداثي'' ـ حسب المؤلف ـ أن من شأن المرء أن يحيا في الزمن الحديث، ومع ذلك يبقى ''قداميا'' في أفكاره و''رؤاه'' و''تصرفاته'' و''سلوكاته'' و''قيمه'' و''مبادئه''· فيكون المرء ''حداثيا'' بالنسبة للزمن الذي عاش فيه، وغير ''حداثي'' باعتبار مضادته لروح عصره وقوله بآراء ورؤى وتصورات ''قدامية''· فيكون بذلك ''حديثا'' بالانتماء، أو يكون ''حديثا'' بالزمن، ''قداميا'' بالقناعة· ويكون مشاركا لأهل زمنه بالزمن الحديث، وغير مشارك لهم بالاعتقاد· وبالجملة، من شأن المرء أن يكون ''حديثا'' بالاضطرار - لأنه ''قذف'' به ليحيا على عهد ''الزمن الحديث''، ولو كانت الخيرة بيده لاختار أن يحيا في زمن غيره - ولا يكون المرء ''حداثيا'' إلا عن اختيار، إذ لا شيء ''يلزمه'' بأن يقبل روح عصره، وأن يشارك أهل زمنه بالمبدأ، وبهذا جاز القول: إن هو حقق أمرنا، وجد أننا كلنا - أعني أبناء القرون الثلاثة الأخيرة -يقول الباحث في المقدمة - ''حديثين'' بالزمن، ولن نكون ''حداثيين'' إلا بالانتماء· غير أن القول في ''فلسفة الحداثة''، شأنه شأن أي ''قول جامع'' ـ قول ''مهمل''· ولذلك ارتأى المؤلف أن ''يقيده'' بسؤال هو الذي اتخذه عنوانا ودالة: ما معنى أن يكون المرء ''حداثيا''؟ والحال أنه يصعب الجواب عن هذا السؤال على وجه الجملة· ولذلك كان يلزم، من الناحية المنهجية، تفصيل مستلزمات الجواب عنه إلى جهتي نظر اثنتين: أولهما، الجواب عن السؤال ببيان بعض الاندماج من ''مؤسسات الحداثة'' الاجتماعية والسياسية: شأن: ما معنى ''الأسرة الحداثية؟'' وما دلالة ''المجتمع الحداثي؟'' وكيف تكون ''الدولة الحداثية''؟ ثانيهما: الجواب عن السؤال ببيان ''مبادئ الحداثة'' و''قيمها'' التي عليها نهضت· هذا مع سابق العلم، أن تلك ''المؤسسات الحداثية'' ما نهضت إلا على هذه ''المبادئ''، وأن هذه ''المبادئ'' ما حققت إلا بفضل تلك ''المؤسسات'' وغيرها من ''المؤسسات'' وغيرها من ''مؤسسات الحداثة''· وكأن ههنا شقين في الجواب عن السؤال: ما معنى أن يكون المرء ''حداثيا''؟ شق عملي، وشق نظري، وكأن الباحث أخذ بمبدأ ''الترفق'' بالقارئ حتى ينقله من الأمر المشخص -المؤسسات ـ إلى الشأن المجرد ـ المبادئ· ويحاول هذا الكتاب المهم أن يقدم صيغا جوابية لإشكاليات الحداثة من كل جوانبها بطرق علمية ومنهجية معاصرة دقيقة، ويعتبر محمد الشيخ من أبرز الأصوات الشابة التى برزت مؤخرا في المشهد الفكري والفلسفي في المغرب·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©