ريشة تكتب الغزل وتقيم الأعراس

تأثر كثير من الفنانين التشكيليين المصريين بالنوبة وعاداتها وتقاليدها ومنهم تحية حليم وجاذبية سري وحسين بيكار، وقدم كل منهم رؤيته لهذه المنطقة، وبالرغم من براعة هؤلاء الفنانين إلا أن النظرة الفنية لفنان من أهل النوبة تختلف عما قدموه على مستوى الرؤية والمعالجة· والفنان التشكيلي د· عمر عبدالظاهر أحد أبناء النوبة استطاع خلال عشرين عاماً أن يقدم عشرة معارض خاصة كلها عن النوبة، وآخرها معرضه بمركز الجزيرة للفنون بالقاهرة الذي قدم فيه تنويعه فنية متميزة· وقد تزينت جدران القاعة بلوحات عمر عبدالظاهر خريج الفنون الجميلة وتصور الحياة البسيطة خاصة حياة النساء وبعض الطقوس والعادات المرتبطة بأهل النوبة كالأعراس وإطعام الطيور والصيد والزراعة· وهناك أكثر من لوحة ترصد الأعراس في النوبة وطقوس الاحتفال في تزيين العروس بمعاونة صديقاتها، ولوحات للنساء النوبيات وهن يعكفن على إعداد الأطعمة خاصة الخبز في الأفران البلدية أو طرق إطعام الطيور ومعاونة الأزواج في الصيد، وهناك لوحات أخرى يعبر فيها الفنان عمر عبدالظاهر عن الحب الصادق في النوبة من خلال رصد علاقة الرجل بالمرأة أو التغزل في المرأة النوبية، واستعان ببعض أبيات من الشعر الشفاهي الموروث مثل ''يا عقد الذهب 33 بكارة، لاشالت مطر ولا ولدت على بكارة، ريقها كالعسل زي سكر العصارة''، وفي كل اللوحات هناك موتيقات وزخارف من النوبة في الخلفيات وعلى الجدران كالمثلثات والطيور مثل الهدهد والحمام أو الحيوانات التي يعلقها النوبيون على أبواب المنازل كالتماسيح والغزلان· ويقول الفنان عمر عبدالظاهر إنه أحد أبناء النوبة التي تحظى بخصوصية على مستوى المكان والبشر والعادات، وهناك تفاصيل لا نهائية موجودة داخل ذاكرته ورأى أن يعبر عنها فقد خبر الحياة في النوبة، ودخل بيوتها وتعايش مع أهلها وأراد أن يرسم النوبة من داخلها وليس من خارجها خاصة أن معظم من رسم النوبة من الفنانين يعد من خارجها بالرغم من أن هناك محاولات جيدة لفنانين مثل تحية حليم، وجاذبية سري وحسين بيكار وكلهم قدم مساهمات عظيمة عن النوبة· وأضاف أنه يؤكد في أعماله أن النوبة بيئة مغابرة، بمعنى أن ناسها يتفردون بالعادات والتقاليد وتأثير المكان على سلوكياتهم وحياتهم، وصور الحياة اليومية كالأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والطقوس المرتبطة بالأفراح والزفة والحنة، وكل هذا لا يقدمه بصورة تعبيريه تركز على الملامح وتستعين بالموديل وإنما ما يقدمه يندرج تحت الواقعية الاجتماعية فهو يقدم النوبة وجوها وروحها معتمداً على خياله الفني وذاكرته الممتلئة بالتفاصيل· وقال إن معرضه الأخير شهد تنوعاً مقصوداً لتوسيع رؤيته عن الحياة في النوبة فأفرد مساحات للنساء النوبيات لأنهن يقمن بمجهود مواز لمجهود الرجل داخل البيت وخارجه، كما ركز على الطقوس المرتبطة بالأعراس ورسم المسحراتي والأنشطة المرتبطة بالصيد والزراعة والحياة داخل البيوت النوبية، كما رسم أكثر من لوحة من علاقة الرجل النوبي بالمرأة وكذلك الحب والغزل في النوبة، واستعان في هذه اللوحات ببعض الأشعار الشفاهية· وأضاف أن تجربة الكتابات على اللوحات جديدة وينوي استكمالها في معارض قادمة بأفكار مختلفة قد تكون على حساب الأشخاص الموجودين داخل اللوحة خاصة أنه حريص على تحسين وتطوير أسلوبه الفني باستمرار، وهو دائم التنقيب عن موضوعات مختلفة من داخل النوبة، معتمداً على التغيير في الأسلوب والحركة واستعمال اللون والموتيفات التي يتفرد بها المكان في النوبة وكذلك النيل والشمس الساطعة وضيق البيوت· وقال عمر عبدالظاهر إنه لا يفضل في أعماله اللجوء إلى الصور الفوتوغرافية وإنما يلجأ إلى الاسكتشات خاصة في زياراته المتكررة إلى النوبة وإن كانت هناك لوحات يقوم برسمها مباشرة بعد أن يختمر الموضوع في ذهنه·