الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مهرجان أبوظبي السينمائي يدهش رواده في يوم العائلة

مهرجان أبوظبي السينمائي يدهش رواده في يوم العائلة
17 أكتوبر 2011 09:03
أمس الأول كان جمهور السينما في أبوظبي على موعد مع يوم العائلة، وذلك استناداً إلى مقولة استنبطها مهرجان أبوظبي السينمائي الخامس تقضي بأن المتعة المشهدية حق للجميع، وليست حكراً على فئة دون أخرى، توافدت العائلات بمختلف شرائح مكوناتها العمرية إلى مجمع “المارينا مول”، حيث كانت فعاليات الأنشطة الحرة تسير جنباً إلى جنب مع مجموعة من الأفلام، التي ترضي تطلعات أفراد العائلة جميعهم، تعرض في الصالات المتعددة لسينما فوكس التي يحتضنها المجمع. (أبوظبي) - أمضى الجميع يوماً حافلاً بالمتعة المتمازجة مع فائدة من النمط النادر، وخرج الجميع أيضاً راضين عن حصيلة ترفيهية وافرة، لتعلن السينما مجدداً أنها مرآة عاكسة للحياة، يجد فيها كل متابع ما يبدو مكملاً له على صعيد التطلعات والأحلام والهواجس أيضاً. بهجة الطفولة في الطابق الأرضي من مجمع المارينا، كانت الأنشطة الحرة التي تختص بالأطفال تستقطب جماعات واسعة منهم، تسابقوا للفوز بما تقترحه عليهم الجهة المنظمة من رسم على الوجوه يجمع بينهم وبين نواياهم المضمرة، وإصغاء منجذب نحو أحد المهرجين الذي يعرف تماماً كيف يثير البهجة والدهشة في ذواتهم الطرية، ليسارع بعضهم لاحقاً نحو موقع للتصوير مكافئ لمثيله الذي يختص بأهل الشهرة، يمنحهم صوراً فوتوغرافية تقبل التعديل عبر تقنية “الفوتوشوب”، لتصبح مماثلة لصور المشاهير من أهل السينما، أيضاً في الجهة المقابلة كان أحد ممتهني فن الخفة يزرع الدهشة في أذهان صغار، وكبار أيضاً، أحاطوا به يتابعون بشغف كيف يخفي بعض الأشياء ليعيد إظهارها ببراعة تليق بساحر حقيقي، وليس بعيداً كانت مجموعة من الأطفال تنكب بجدية بالغة على تلوين رسومات بريئة تفتقت عنها عبقريات طفولية مذهلة، في حين وقف الأهل يتابعون إنجازات أطفالهم بجدية قد لا تحتملها اللحظة، وإن كانت قابلة لتفسير وفق قاعدة الرغبة في أن يحقق الأبناء ما عجز عنه الأهل. تمرد محبب يتابع ماهر الرياحي باهتمام شديد الخطوط الملونة التي ينسجها ابنه عماد ذو السنوات الست باهتمام لافت، يوجه له التعليمات الصارمة، ينظر الولد ينظر نحو أبيه بشيء من الريبة، لكنه لا يبدي حرصاً على الالتزام بتوجيهاته، لعله لا يثق بموهبته المتهالكة تحت عبء الكثير من السنين، ويفضل الاعتماد على فطرة نقية لم تكدرها تعقيدات العيش. هل أنت واثق من أنك قادر على تعليمه؟ نسأله بنبرة تشي ببعض الاستفزاز، أحاول ذلك.. لكنني غالباً ما أفشل في المحاولة.. يجيب متصنعاً الجدية، وإن كان يعجز عن مداراة فرح خفي، لعله ذلك الشعور بأن الابن قد أصبح قادراً على إبداء تمرده، مما يعني أن عوده بدأ يتصلب، وفي ذلك بشرى للأهل مهما ادعوا العكس. بعض الأطفال حاولوا أن يتعلموا من المهرج بعض وسائله المضحكة، أمعنوا النظر في يديه بينما هو يقذف، مع مساعدته، إطارات بلاستيكية في الهواء ثم يستعيداها ببراعة ملحوظة، لم ينجح الصغار في ذلك، لكنهم لم يبد عليهم الأسف، لعلهم في لحظة ما قرروا أن يستفيدوا من كونهم مشاهدين أي من كونهم صغاراً، مفضلين التريث في دخول حلبة الكبار. في مسرح الأطفال أمكن للأهل أن يحظوا ببعض الفائدة، حيث خصصت زاوية للماكياج، والأمر في صميم اللعبة السينمائية، استساغت بعض الأمهات، الموقف وسلمن وجوههن لعاملات محترفات يطوعن الملامح حتى تغدو متناسقة بما يفوق التوقع. رحلة إلى البدايات حصل ذلك كله، وربما أكثر منه، مما لم تطوقه الملاحظة في الطابق الأرضي من مجمع المارينا مول، وفي الأعلى كانت القاعة المحيطة بصالات سينما فوكس تضيق بروادها، فئات عمرية مختلفة توافدت لتشهد أعمالاً سينمائية مميزة لا يتيحها المشهد دوماً، الأطفال أيضاً كانت لهم حصتهم: مختارات من أفلام الرسوم المتحركة القصيرة، حملت توقيع المخرج السويدي يوهان هاكلباك، وأخرى تعود إلى بدايات الصناعة السينمائية الملونة تضم شخصية ميكي ماوس المحبب إلى قلوب أطفال صاروا كباراً ولا يزالون يحنون إليه. التظاهرة السينمائية عرضت كذلك أعمالاً روعي في انتقائها أن تكون معبرة عن تاريخ السينما مثل فيلم “رحلة إلى القمر” الذي شكل لدى إنتاجه في عام 1902 فاتحة عهد أفلام الخيال العلمي مطلقاً نبوءة كان لها أن تتحقق بعد مضي أكثر من نصف قرن، واستقطب مزيجاً من الشرائح العمرية، حيث كانت الصالة تضيق بالصغار والكبار على حد سواء، وهم يتابعون بشغف كيف كان السابقون يتعاملون مع حدث كان نوعاً من الجموح الذي ينتاب المخيلة في لحظة تقارب الجنون، ثم أضحى أمراً اعتيادياً مألوفاً، وإن تكن مساحة الغرابة واسعة في سياق المقارنة بين الماضي والحاضر، فإن توثيقها بصرياً، والتمكن من استعادتها بعد مرور أكثر من قرن، يدفع بالذهن نحو التساؤل عن السينما بوصفها لغزاً إبداعياً فائق الإيحاء، ويشير من طرف خفي إلى براعة الاختيار لدى القيمين على المهرجان الذين رأوا فيه أكثر من مجرد كرنفال مشهدي، بل توغلوا بعيداً نحو استكناه التداعيات المتأتية من صور تقبل الحركة وتجيد التماهي مع الواقع وصولاً إلى تأبيد اللحظة. كشف المستور المناسبة تضمنت أيضاً فقرة “أنقذ من النيران”، وهي تنطوي على مقتطفات من أفلام سحيقة القدم تؤرخ لنوادر السينما في بداياتها، حيث كان الزمن متاحاً ومبرراً للعثرات التقنية الكثيرة التي بوسعها أن تثير الضحك، لكنها من الجهة الأخرى تبوح بما اختزنته عقول الرواد وأفئدتهم من إصرار على بناء العمارة السينمائية، وتحصينها بما يضمن استمرارها على مر الزمن، بالرغم من تواضع القدرات والإمكانات. الفقرة قدمت على وقع عزف موسيقي على البيانو تولاه الممثل الكوميدي سيرج برومبيرج، وهو أحد مؤرخي السينما المحترفين، وقد أمكن لمشاهدي هذه الفقرة أن يحظوا بفرصة مشاهدة إحدى الروائع السينمائية المنجزة في عام 1923 تحمل عنوان “شبكة الحب” للمخرج باستر كيتون، بعدما كان الظن أنه قد فقد ولم يعد إليه من سبيل. ومن اليابان، حضر الفيلم المثير للدهشة “أتمنى”، حيث تنوع الموقف المشهدي بين تقنيات بصرية مبهرة وسرد روائي مغاير للمألوف، أخوان فرقت بينهما ظروف الحياة بسبب انفصال والديهما، تهيأت لهما فجأة سبل اللقاء في مكان غير متوقع. إن كان من سمة جامعة لجمهور يوم العائلة أمس الأول، فهي تلك الدهشة الصافية التي بدت راسخة في الوجوه، الملامح، الجميع كان مسحوراً بما رأى، والجميع كان متعطشاً للمزيد.. تقول أمال يوسف، موظفة مصرف، إنه يوم يصلح للذكرى، وتضيف: “كنت أتوقع أن أشاهد ما يثير الدهشة، لكن ما حصل فاق التوقعات”. بدوره، يوضح إبراهيم العبيدي، محاسب، أنه عاشق مزمن للسينما، لكن هذه الخلطة التي حظي بها كانت ذات نكهة مغايرة لكل المناسبات التي مرت به سالفاً. أما ريما عيراني، موظفة، فتؤكد أنها جادة في كون هذا اليوم يستحق التوثيق عبر فيلم سينمائي متقن، تنفذه أياد محترفة، إذ ليس قليلاً، على حد تعبيرها، أن يتلقى المشاهدون كل هذه الجرعات من الدهشة في مناسبة واحدة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©