الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العدد كامل والعدة ناجزة

العدد كامل والعدة ناجزة
4 أكتوبر 2012
مما بدا لافتاً في هذا السياق أيضا، انتشار المجسمات واللافتات المعلنة عن مكان وزمان المهرجان على طول الطريق المؤدية إلى مركز كلباء الثقافي الذي استقبل سائر فعاليات التظاهرة المسرحية الجديدة، كما ان إدارة المهرجان كانت سبقت حفل الافتتاح بمؤتمر صحفي عقد بدائرة الثقافة والإعلام في الشارقة وتكلم فيه رئيس الدائرة عبدالله العويس واصفا المهرجان بـ”الفعل الثقافي الجديد الذي حظي بمباركة ودعم من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، ليعزز العطاء الثقافي ويستكمل الروافد التي تغذي الحركة المسرحية الإماراتية”، مشيرا إلى ان المهرجان يسعى إلى التعريف بأسماء جديدة في الإخراج والتمثيل وسائر مجالات العمل المسرحي، وإن اشتراط استخدام اللغة العربية في كل العروض المشاركة جاء لتعميق علاقة الشباب بهذه اللغة الثرية. بدا مهرجان الشارقة للمسرحيات القصيرة، منذ لحظة انطلاقته، مكتملا لناحية العدد والعدة. إذ شارك فيه نحو مئة شاب وشابة من الشارقة وكلباء وخورفكان والفجيرة ودبي ومدن أخرى ومن بلاد عربية عدة، استوعبتهم أعمال المهرجان التي بلغت 12 عرضا تنوعت في أساليبها ومضامينها، كما تعددت اتجاهاتها بين الواقعية والتعبيرية والعبثية إلخ.. وهذه النسبة الشبابية في معظمها كانت خضعت لورش ودورات تدريبية نظمتها إدارة المسرح التي يرأسها مدير المهرجان أحمد بورحيمة خلال العامين الماضيين، وشاءت ان تختبر ما قدمته من تدريبات بهذا المهرجان الذي جاء متقشفاً في كلفة انتاج عروضه وهو ما دلت عليه الخشبة التي بدت خالية إلا من بعض المكعبات دائما! لكن من بين المشاركين من استحسن ذلك كونه يساعد على فحص قدرات المخرج في الاشتغال على العنصر الجوهري في المسرح وهو: الممثل، من دون زوائد أو مكملات كالأزياء والاكسسورات والألوان. نصوص العالم أكثر ما استهلكه الكلام حول المهرجان في منابر مختلفة هو تصدي هؤلاء الشباب لنصوص مسرحية غربية وعربية معقدة شكلا ومضموناً، وهي لكتّاب مثل هنريك إبسن وهارولد بنتر وصموئيل بيكت وأوغست سترينبيرج ويوجين يونسكو، وكما هو معلوم فإن لكل واحد من المذكورين سيرته الخاصة مع المسرح والحياة والموت إلخ.. لكل واحد منهم هويته الثقافية المختلفة كليةً قياساً إلى الهوية العربية، لكن فيما علمنا فلقد تم اختيار هذه النصوص من قبل إدارة المهرجان لأنها غدت اشبه بـ”المانفستو” المعرّف باتجاه مسرحي معين؛ فمسرحية “مشاجرة رباعية” ليوجين يونسكو والتي أخرجها بدر الرئيسي على سبيل المثال تبين علاقة مسرح العبث باللغة وبمنظوراتنا إلى بعضنا البعض إلخ.. والملمح ذاته نجده في مسرحية “لغة الجبل” لهارولد بنتر والتي أخرجتها عبير جلال، ولحد ما تلعب مسرحية “مجلس العدل” لتوفيق الحكيم والتي أخرجتها سهير مصطفى على الخيط ذاته. ولعل من وجوه التوفيق ان بعض هذه النصوص الغربية ناقش قضايا عربية في الأساس، فبحسب بعض المصادر استلهم هارولد بنتر مسرحيته “لغة الجبل” من مشكلة الأكراد في جنوب تركيا، وهي تحكي قصة قبيلة تمنع من استخدام لغتها الأم وبهذا المعني تصلح المسرحية لتعمم على مناطق كثيرة في العالم تشهد مشكلات مماثلة. أما مسرحية “ السموم” لأوغست سترينبيرج والتي ترجمها إلى العربية فاضل الجاف فهي تستند إلى حكاية فتاة جزائرية مع جندي فرنسي في منطقة بسكرة التي كانت عبارة عن معتقل كبير لكل معارضي الاستعمار الفرنسي في الجزائر. الفتاة الجزائرية الجميلة، تتمتع بقوة داخلية خارقة، تمكنها من ريح الصحراء، والغناء الموحي، وتمكنها من ان تقود الجندي الفرنسي إلى الانتحار. الحال، ان أوغست سترينبيرج حظي بالحصة الأكبر في خشبة المهرجان، فثمة إلى جانب “السموم” مسرحية “الأقوى” التي أخرجتها سميرة النهال، وهي تقارب قصة زوجة تدعى أكس تقابل الفتاة التي تخونها مع زوجها وهي “ي” في مقهى ذات يوم، ويدور الحوار بينهما لنعرف ان الزوجة كانت تعلم بكل تفاصيل علاقة والد أولادها مع “ي”، ولكنها أرادت المحافظة على بيتها وسكتت على الأمر، وعلى “ي” ان تعرف انها فعلت ذلك قوة وليس ضعفاً! ومع ذكر صموئيل بيكت وهارولد بنتر ويوجين يونسكو بين كتّاب نصوص مهرجان المسرحيات القصيرة، نتبين توجهاً غالباً إلى مسرح العبث ولكن لعل الأمر هنا لا يتعلق بحساسية المخرجين أو اختياراتهم، فثمة لجنة تولت اختيار النصوص ـ كما ذكرنا سابقاً ـ لكن السؤال يظل ملحاً: لماذا هذه الغلبة لنصوص مسرح العبث؟ والسؤال يتجدد حين نعلم ان الحلول الإخراجية التي تقترحها نصوص هذا الاتجاه المسرحي هي الاقلّ؛ فمسرح العبث هو مسرح للكتّاب أكثر من أي شيء آخر، لذلك تجد ان أبرز أعلامه هم في الواقع كتّابه؟! ظواهر وخبرات مما يمكن عده بين ظواهر المهرجان، الخبرات التي أظهرها المخرجون الشباب في الحديث عن عروضهم وحلولهم الإخراجية في الندوات التطبيقية، إذ تعرفنا هنا على وعي مسرحي شاب يعرف جيدا كيف يدافع عن خياراته وكذلك كان ملفتاً ان كل مخرج كتب رؤيته الفكرية في مطوية عرضه؛ فها هي نور غانم مخرجة “المشهد الاخير..” لصموئيل بيكيت تقول معبرة عن رؤيتها: “في دواخلنا ثمة “متسلط” قابع، ينتظر فقط لحظة خروجه، يتحين الفرص متى ما وجدها أنفجر في وجوهنا كما لو انه لم يعرفنا قط!”، فيما تقول عائشة الشويهي مخرجة “لعبة الغولة” للكاتب المصري محمد حسن عبدالحافظ: “إذا نجح أحدهم في التفريق بين اثنين وزرع الفتنة والعداوة فسيكون من السهل أن يسيطر عليهما ويقرر مصيرهما”. إذاً، على هذا النحو قدم كل مخرج فهمه للنص الذي أخرجه، وقبل ذلك كان كل واحد من المخرجين كتب تصوراً رمزياً لطريقته الإخراجية، كما أجاب على اسئلة للجنة فنية حول أسلوبه الإخراجي وبالتالي يمكن القول ان إدارة المهرجان اختبرت جوانب مختلفة من قدرات المشاركين قبل ان تقدمهم للجمهور، وعلمنا ان إدارة المهرجان سوف تستهدف المتميزين بدورة تدريبية أخرى في وقت لاحق. ايضا مما ظهر في خبرات المخرجين الجدد ان بعضهم لم يكتف بالنص الذي قدم له بل اشتغل عليه اعداداً وتعريباً إن جاز القول، كما فعل يوسف الكعبي حين ابدل عنوان هنريك ابسن الموسوم “بيت الدمية” إلى “أريد حلاً”، وحلت لجين محل “نورا”. أما نور غانم فعمدت إلى تطعيم نص صموئيل بيكت “المشهد الأخير” بنص شعري للعراقي خزعل الماجدي. وما لا شك فيه ان توجه محمد آل رحمة إلى اخراج مسرحية “القرنفلات الحمراء” لجيلين هوجز منحه الريادة عربياً في اخراجها إذ لم يسبق ان قدم المسرح العربي هذه المسرحية التي كتبت عشرينات القرن الماضي وترجمها أخيرا الكاتب المصري محمود كحيلة. اخيراً، مما بدا لافتا لنا ايضا ان إدارة المهرجان خصصت جائزة يومية لأفضل ممثل وممثلة ويصوت الجمهور على اختياره في صندوق مخصص وُضع بمدخل المسرح، ولم نلحظ أي اعتراض على هذه الطريقة الديمقراطية التي فرزت بين الأفضل والأضعف في الأداء التمثيلي. لا بد من الإشارة إلى ان هذا التوجه من إدارة المهرجان لا ينطوي فقط على تفعيل لعلاقة الجمهور بالعروض المقدمة في المهرجان، ولكنه أيضا يظهر اهتماماً متساوياً بين الممثلين والمخرجين في المهرجان، وهو أمر تثبته قائمة الجوائز المخصصة ايضا. ونغلق القوس هنا على اشارة لغلبة الحضور الانثوي في المهرجان، فإلى جانب هدى القايدي المنسقة العامة ثمة المخرجات سميرة النهال وسهير مصطفى وعبير جلال وعائشة الشويهي وفاطمة الطرابلسي.. لا بد من ذكر الأعمال الأخرى التي شاركت وهي “جرة الذهب” للكاتب الجزائري رشيد بوشعير واخراج أحمد الكعبي، و”الغرباء لا يشربون القهوة” تأليف محمود دياب واخراج رامي مجدي، و”الجلاد والمحكوم عليه بالإعدام” للكاتب فتحي رضوان واخراج فاطمة الطرابلس، و”العرض الأخير” لفرقة مسرحية من قطر وهي من تأليف فهد ردة الحارثي واخراج فالح فايز. وفي ما يتصل بلجنة التحكيم فقد ضمت عبد الله راشد وخليفة التخلوفة وعلاء النعيمي ووفاء الخازندار وفيصل الدرمكي. الحداد مكرماً واختارت اللجنة المنظمة للمهرجان سعيد مبارك الحداد كشخصية للمهرجان، ويعرف الحداد في الوسط الثقافي الإماراتي بتأسيسه مسرح كلباء الشعبي وهو درس المراحل الأولية في ذات المدينة وتدرج في الدراسة ليصل إلى كلية الآداب قسم التاريخ بجامعة بيروت العربية حيث حاز البكالوريوس عام 1994 ـ 1995، وتابع في ذات القسم حتى نال الدبلوم العالي ومن ثم حاز شهادة المجاستير 2006، وعن اطروحته الموسومة “المراكز الحضرية في دولة العربية المتحدة من العصور الحجرية حتى نهاية العصر الحديدي” حاز شهادة الدكتوراه عام 2012 من جامعة عين شمس بجمهورية مصر العربية. وقد شارك في العديد من العروض المسرحية بدءاً من العام 1977 حيث كتب وأخرج ومثّل مسرحية قصيرة بعنوان “حكاية من الماضي”، وفي العام ذاته أعدّ وأخرج مسرحية بعنوان “كفاح من أجل العلم” من تأليف أحمد جمعة موسى الهورة؛ كما كتب وأخرج وصمم ديكور مسرحية “حقك علينا يا بحر” 1979، وفي العام التالي قدم مسرحية “شركة بن طاعن”، مؤلفاً ومخرجاً ومصمماً لموسيقاها وديكورها، وهي المسرحية الأولى لمسرح كلباء وأشرف عليها الفنان التونسي المعروف المنصف السويسي، وشارك أيضا في الدورة التدريبية الأولى التي نظمها مسرح الإمارات القومي وكان بين من شاركوا بالتمثيل في العرض المسرحي الذي خلصت إليه الدورة وهو بعنوان “دوائر الخرس”، تأليف عبد الرحمن الصالح، إخراج المنصف السوسي. ولاحقاً شارك الحداد في 28 عرضا مسرحيا ومن أبرزها “عودة الرحلة الطويلة”، عن رواية “اللؤلؤة” لجون شتاينبك، وكان أعدها عبد الرحمن المناعي، وأخرجها حسين علي عام 1999، و”جحا في الإمارات”، تأليف سعدية العدلي، وهي من اخراجه عام 1994. في الملتقى الفكري: هكذا نريد المسرح نظمت إدارة المهرجان ملتقى فكرياً موازياً لاختياراتها من النصوص المسرحية الغربية إذ ناقش سؤال: كيف السبيل إلى مسرح عالمي؟ وانطلقت فعاليات الملتقى ظهر يوم السابع والعشرين من الشهر الماضي، وبعد مقدمة قصيرة حول أهمية سؤال الملتقى قدّم المسرحي السوداني محمد سيد أحمد الناقد السوري هيثم الخواجة الذي قدم مداخلة مطولة استعرض خلالها مجموعة من الوسائل التي يمكن ان تنهض بالمسرح العربي بحيث يترقى ويصل إلى سلم العالمية ومن الوسائل: الترجمة، والمشاركة في المهرجانات الدولية بكثافة. من جانبه تكلم عبد الفتاح صبري عن غياب المسرح العربي في المصادر المعرفية الغربية ودعا إلى بذل المزيد من الجهود لتعزيز الحضور العربي عبر المسرح في سائر بلدان العالم وخاصة أوروبا. وطوّف دكتور صالح هويدي في مداخلته بين الأدب والمسرح مبرزاً جهود العرب في التعرف على ثقافة الآخر وانتهى في مداخلته إلى ضرورة تبني استراتيجية نوعية لايصال الصوت الفني العربي إلى العالم. اما عزت عمر فقدم مداخلته مستندا إلى العلاقة التفاعلية الحية التي كانت للعرب في وقت سابق مع ثقافات العالم مبيناً بعض المواقع. زكريا أحمد تحدث عن اشكاليات الترجمة من العربية وإليها فالأمر هنا لا يخضع لنظرة استراتيجية ويقوم في الغالب على المصادفة أو الميل الفردي لا المؤسسي ما يتسبب في كثير من المشكلات التي ليس أقلها ان معظم الأعمال العربية التي ترجمت إلى الانجليزية لم تجد منفذا لتوزيعها وقبعت بالسنين في مخازنها. أحمد الماجد قال ان كثرة المحظورات في المسرح العربي تعيق تطوره وهو دعا إلى رقابة أقلّ تشددا في التعامل مع النصوص المسرحية في الوطن العربي. محمد سيد أحمد تكلم كيف ان حياتنا المعاصرة هي بوجه ما حياة عمومية تضم كل ثقافات العالم لكن المشكلة في ان موقعنا هو موقع المستهلك لا المنتج في هذا السياق.اما خالد البناي فقدم عرضاً موسعاً لأثر المسرح المدرسي في تأسيس بدايات مسارح الوطن العربي، مشيراً إلى ان السنوات القليلة الماضية شهدت تراجعاً في الاهتمام بهذا المسرح المهم داعياً كافة المؤسسات الثقافية العربية إلى ان تعيد النظر في علاقتها بالمسرح المدرسي وتسعى إلى تطويره. وبعد عرض موسع للكيفية التي معها يكون المسرح عالمياً اشار عمر غباش في ورقته إلى أهمية استغلال التطور التقني الحاصل الآن لتجسير مسافتنا إلى العالم وعلى رغم صعوبة المشوار إلا ان السير فيه ليس مستحيلا، بحسب غباش. يحيى الحاج كان آخر المتداخلين ولكنه كان الوحيد المتفائل بإمكانية ان يأخذ المسرح العربي موقعه النافذ والمهم بين مسارح العالم في السنوات القليلة المقبلة، وقال الحاج انه يرى ذلك على ضوء مشاهداته لما يقدم في سائر انحاء الوطن العربي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©