الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

غافة الزمن حارسة الصحراء

غافة الزمن حارسة الصحراء
4 أكتوبر 2012
غافة.. ظل الرمل، ورقة الحياة، متهدجة متوهجة، دارجة مستدرجة، المعاني في حروف الكلم، مستدعية الحلم في عيون الرافلات بالهوى، متطورة عن نسل وفصل ونصل، وأصل وجزء وكل وبعض وجُل، وشظف ونهل، ولظى وحِلِّ، وابتهال ونَحِلِ، وكبرياء وسَهْلِ، وعنفوان وجلل، وصخب وزَلَلِ، وحَطب وبَلَلِ.. غافة.. تمشي على رصيف الذاكرة، تحطب في غابة الشعر، والسفر والسهرِ، والقترِ، والصبرِ، والحجرِ، تعانق شفاف وارتجاف الأفئدة، تسابق الحلم حين يبدو الحلم قافلة بأحمال وأثقال وأوصال، وأحوال، وأهوال، تلاحق الوعد، حين يغدو الوعد بنصال ونِبال، ووبال، وجِدال وأقوال، تصفد الشجن، بخيوط من حرير الهبات اليافعة، تجدل المسافة ما بين الوريد والوريد، وتشنق الخوف من تضاريس وتستفتي ضمير الغائب الغارب السارب، الذائب في أخاديد اللوعة المعذبة الشاحب عند غضون الجباه، المقطبة، الراهب في معاقل العزلة المبجلة، الواهب عمراً وقدراً، لأجل غايات النيران المشتعلة في تنانير القاطنين في البدايات المذهلة، الناعب على فنن الشاهقات المسربلات بالوحشة المدهشة، الشارب من سَقَط التراب، الذاهب في تجاعيد الأرض بأسئلة المستحيل والممكن الحاجب والمحتجب، عن لمعة الشمس، وسطوة الحريق، الطارب والمستطرب حين يعلو النشيد صحراوياً، بهياً، زهياً، نقياً، صفياً، عفياً، وحين ترقص الأجنحة طروبة بخصوبة الفرح الأزلي، وحين تنخ النوق معتنبة بأناقة الفطرة، ولباقة العبرة، ولياقة الفكرة. فيض الرمل غافة.. زمجرة التاريخ في ربوع الصحراء، وفياض الرمل المذهب بأقدام الجاثيات المزملات بحرقة الأيام الخوالي، وما فاه به الطير من أشجان وألحان وما ساور الأرض الندية، من نفرة الحجيج حين يسفر العشب عن مخمل الأخضر اليافع، وهي تهز الخزامي قداً برهافة النسيم، والله العليم، كيف تهفو الأفئدة وتغفو العيون على مجون، وجنون، وفنون، وكيف تقرأ النجوم ما يجري في صفحات الغيوم، وكيف يستدرج الحجر قدراته ليفشي سر الانتماء إلى الماء، وما تبديه الأنواء من بلاء وأدواء.. غافة.. كائن لا مهادن ولا متهاون، بل هي سر الهوى، بِقَدِمه، وجزالة قضهِ وانقضاضه وفوضاه الخلاقة، حين تبدو العلاقة ما بين الشجر والبشر، بسمات الدماء بالجسد، بصفات الخلق والأبد، هي المعنى في الصلب والترائب، هي المغزى في علو المناكب، هي الفهم والعلم، بما تصنعه الأرض، حين تكون الأرض جزيرة طيورها عيون نساء وأشياء من ناعسات كواعب وكل من صبوة الشوارب، وما بين النهرين، عشاق وأشواق، ومذاهب، وروافد سواكب ومعابد محاريبها صواخب. غافة.. قرنفلة الرمل سنبلة الصحراء جرَّحت، وسرَّحت، وشَرَحتِ، كيف تموت الطيور في أعشاشها إن نست التغريد، وكيف تذبل الأوراق إن ساورها الشك في الرفرفة، وكيف تنكسر الأغصان إن تجاهلت العزف، وكيف يضمر العشب، إن فرَّ من الاخضرار، وكيف تأفل الأقمار، إن غافلتها عيون الحسان، وكيف تكسف الشموس إن خاصمتها الشفاه، وكيف تغضب السماء إن توارت النجوم عن التحديق. غافة.. نعيم الأديم وبوح الأرض عن أسرار وأخبار اللواتي تفيأن، وخضن، وخضبن، وصخبن، واصطحبن، رعشة الكائنات الأزلية، عند كثيب، وحبيب ونخوة القلوب الدفيئة وصولة الجياد المكحلة بأثمد الأزمنة الحارقة، وصبيب اليافعين المتجلدين باستعارات القديم.. القديم، وبطش اليباب المهيب.. غافة.. على سفح وجرح تنمو أغصانها، كأنها الشريان تتفرع أشجانها كأنها الذاكرة الحقيبة المتداعية على جسد الأرض تفترش أحلامها وعداً أممياً، صاخباً، مرعباً، وللمدى تمد سيقان الهوى، متذرعة بالفراغات الوسيعة مستدعية بدايات الرمل، وذروة التجذر في الأتون متمادية في تفسير ما أخفته السنون، وفي البلوغ هي نبوغ الأشياء الخالدة، هي القوة الخارقة لا تستغرق زمناً في كتابة الجملة المفيدة، لا تستهلك وقتاً في بث الحكاية من البداية حتى النهاية. غافة.. مسافة ما بين السماء والأرض، طريق إلى الجنَّة، حين يكون الحب انتماءً ويكون العشق استقراءً لما يبثه البريق وقت الحريق، وعندما تبادر أنثى في زخرفة الحلم بأعواد الحياة ونيران الاكتواء.. هي القُبلة الأولى، ونشوة الشجر، هي القَدَرْ، الساخر والمستتر، تحت الجلد في أحشاء كل ما هو متجذر، هي المداهمة اللذيذة، هي الورطة الأجمل، عندما يخلو الشجر بالشجر، ويعلو كعب البشر، بغصن يلون الحياة بالأخضر المقتدر، هي حب الله وعد الله قدرته المتناهية، في الكِبر، العصية المستعصية، المترامية، في أكوان الأمْرِ والمؤتِمرْ، هي ـ يا رب ـ الصرخة المجلجلة في داخل يحصد أعشاق عشقه، ويستمر يبني مفرداته من كلمة بعدها كلمة، يتلوهما سعار وحجر، هي ـ يا رب ـ الملاءة القديمة، أرهفت الظل، وجمعت الخِل بالخِل، وأمعنت في درء النضوب واضبت في تجديل المشاعر، بأحلى خيوط الأمل. غافة.. منسوجة من قماشة الأرض، والعبق شبق المنتمين للألق، الحاطبين في براري الليل وما غسق الذاهبين بعيداً.. بعيداً، يخطبون ود السكينة يبحثون عن أنثى بلا مخالب، يسألون عن عيون لم تفشيها غاشية، تاركين على الأرض أثر احتباس، والتباس، والتماس، وحواس، ورقصة النوق على الأرض، الجدب.. نافرين من الليل، وفي الليل تتوحش الدروب، وتزجر الخطوب، وتبدو القلوب أشبه بالندوب، والأرض عجفاء تغتصبها الكروب. عيون وغصون غافة.. مستغرقة في الاسترخاء، غارقة في الفناء، غارقة من عويل الذين ناموا على أريكة فارعة متفرعة في الأتون والمتون، ليس لها من صوت غير هديل الحمام المتسرب بين دمائها كأنه المتسائل عن نبض وخض، المسترسل في التحديق باتجاهات الصحراء، بالغة الامتداد.. تشرق الشمس، وتهدي أهدابها للغصون، تفتش عن رسائل ماضية عن وسائل تعيد العيون للغصون لترسم لوحة جديدة تشكل على صفحتها أنفاس الذين رحلوا والذين استراحوا من ضيم، وغيم، وهم، والذين باتوا يروغون عن وجوههم غبار المراحل البائدة، الذين يهشون عن أقدامهم شوك الليالي المستبدة، الذين خبوا بعيداً بعد أن شردت النوق تسأل الله أن ينع وينع، وتراود الغاف بين فينة وأخرى، لأن الغاف يكمن في أحشائه بنت الخلود، وتاريخ لم يزل يحفظ رجفة القلب الودود، لم يزل يرتل آيات اليوم الموعود والعشب الممدود، والسر المفنود، لم يزل يحدق ويؤرق، ويورق، ويمرق، ويغدق ويغرق، ويطرق، ويسرق، ويبرق، ويدلق، ويقلق، ويغلق، ويشرق، ويطبق، ويرهق، ويهرق، ويزهق، ويمحق، ويسحق، ويغسق، وينزق، ويطفق، وينطق ليجلق، يحملق، ويرقرق، يزقزق، وينهق، وينعق، ويمض في تناقضاته متحدياً متمادياً مشيحاً بوجوم للأسئلة، متورماً بركام وتراكمات برماد المراحل، وحجرات المرحلة بقدرة القوافل الراحلة.. غافة.. هي الشفة المتسائلة، عن قُبلة وقِبلة، عن مسألة شبه مترهلة، عن خطوات تبعتها غزوات، لاحقتها نزوات وكبوات، هي التضور المتهور، المتطور عن نسل يسلخ نسلاً، عن فصل ينسخ فصلاً، عن نهايات شوهتها البدايات، وغايات تاهت في النوايا، ووشاية الرمل، حين شاهت الصحراء بوجوه غير الوجوه، ورائحة تحللت من روائح شاخ عبيرها وناخ بعيرها وأطاح الله بشهواتها.. غافة.. كأنها الساحر الساهر، يحتسي من يباب هفوته، ويسكر من جفوة وفجوة، ثم يمضي ثملاً متمايلاً متخايلاً كأنه الصغر، كأنه الحبر الناشف على صفحات عابسة، كأنه الخبر الجارف حين تبدو الجهات ثغرة شرسة، كأنه الكائنات الخائفة المحترسة، كأنه رغبة محتبسة، كأنه الزجاجة المثلومة هشمتها قوافل متوجسة.. غافة.. لا يبدو منها شيء الآن إلى أحلام الطير، وأسئلة النوق، التي لم تزل بعد ترفع أشرعتها باتجاه السماء، تبحث عن النماء، تسأل عن إنسان كان هنا، يرتب أشجانه بأعواد الغاف، يهذب إنسانيته بخضرة الغاف، يشذب مشاعره بالتفرع النبيل.. غافة.. بطلة الرواية، وثيمة البداية والنهاية، وحلم الرمل بأن تعلو خاصرته، جذور وبذور، وسطور، وثغور، ونحور، ليلون الفكر بالفرح، ويغسل الصحراء بطهور الأخضر، ويسرج خيول المحبة ببوارق الأمل، وأمنيات الذين لا زالت أيديهم خضابها من طين.. غافة.. صباح الصحراء.. رمش الرمل المبلل بالندى.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©