السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

احتجاجات وول ستريت: «افرضوا الضرائب على الأغنياء!»

احتجاجات وول ستريت: «افرضوا الضرائب على الأغنياء!»
17 أكتوبر 2011 00:24
جيسيكا برودر نيويورك لم يسبق لبرينان ماكفارلاين أن شارك في مظاهرة من قبل؛ لكن في السابع عشر من سبتمبر، حزم هذا الجندي السابق في البحرية والمتحدر من بلدة ماوا بولاية نيوجيرسي حقيبته التي حوت أغطية وبطانية، وهو غير متأكد مما إن كان سيعود إلى بيته تلك الليلة، ثم ركب القطار متجها إلى الحي المالي في مانهاتن. النشطاء من مختلف أرجاء الولايات المتحدة كانوا يلتقون في حديقة زوكوتي خلال أول يوم من تجمع حركة "احتلوا وول ستريت"، وهو تجمع قائم منذ عدة أسابيع من أجل مناهضة جشع الشركات الكبرى، حيث رفعوا لافتات كتب على بعضها "الديمقراطية وليس البلوتوقراطية"، "لا حرب إلا حرب الطبقات"، و"لا أملك الإمكانيات لتوظيف لوبي". خلال المظاهرة، هتف المئات من المحتجين ورقصوا ومشوا في مسيرة على طول شارع برودواي. ووقف ماكفارلاين وسط الحشد رافعاً لافتة كتب عليه بخط اليد: "افرضوا ضرائب على الأغنياء". وقال ماكفارلاين الذي يدرس التاريخ بجامعة مونتكلير في نيوجرزي: "أعتقد أن فرض ضرائب على الأغنياء وإبعاد الأغنياء عن السياسة يمثل قضية مركزية"، مضيفا: "إذا أصلحت ذلك، فإنك تستطيع إصلاح بقية المشاكل". العديد من المحتجين كان لديهم نفس الرأي؛ حيث قالت كلوديا فورد، وهي مساعدة إدارية تعمل في بنك وتعيش في الجانب الغربي لمنهاتن: "أنا هنا لأنقل هذه الرسالة: إن التضحية المشتركة هي طريقة مؤدبة للقول ادفعوا الضرائب!"، مضيفة: "إن الأمر لا يتعلق بحرب طبقية، بل بدعم بلدنا". فورد كانت ترتدي قميصاً أزرق فاتح اللون كتب عليه "افرضوا الضرائب على الأغنياء: هل تدركون أنهم لا يخلقون وظائف بواسطة الإعفاءات الضريبية؟". كانت تبيع أزرارا وملصقات عليها نفس الشعار مقابل 3 دولارات للقطعة الواحدة، وتقول: "إني لست هنا من أجل الربح، بل أبيعها بكلفتها الحقيقية". المارة بدوا منقسمين، حيث يقول دانييل كوبرز، وهو رجل أعمال زائر من مدينة ميونخ الألمانية: "تبدو مظاهرة سلمية"، مضيفا: "لو حدث هذا في ألمانيا، لكان شيء ما يحترق في هذه الأثناء". لكن آخرين كانوا أقل تسامحاً حيث كانوا يصيحون: "جِدوا لأنفسكم عملا!". لكن لابد من الإشارة هنا إلى أن بطالة الشباب بلغت 18 في المئة هذا الصيف. والواقع أن الأميركيين لا يخرجون إلى الشوارع عادة من أجل الحديث حول الضرائب، لكن هذه الأوقات أوقات مختلفة. فقبل نحو شهر على بدء المظاهرات، نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالا بات مشهوراً اليوم للمستثمر الملياردير وارن بافيت تحت عنوان "كفوا عن تدليل أغنى الأغنياء" يؤيد فيه زيادة الضرائب على الأغنياء. لكن المقال لم يرق للجميع. فحتى بعض الذين يتفقون مع بافيت يعتقدون أن انتصاره للموضوع إنما هو مؤشر على اللامساواة نفسها التي يسعى إلى إصلاحها، حيث يقول ماكفارلاين، المحتج والجندي السابق في البحرية، "إننا لسنا في حاجة إلى رجل غني ليقول لنا ذلك"، مضيفا: "أشعر بالاستياء لأنه غني، فهو يستطيع إسماع صوته على نحو لا يستطيع آخرون القيام به". وبينما يواصل الاقتصاد تراجعه، تزداد الأصوات على كل الجوانب ارتفاعا وقوة. كما أن التخوفات بشأن الضرائب (وهو موضوع يناقش دائما بين المراقبين والمشرعين والاقتصاديين، وينزعج منه الجميع تقريبا كل شهر أبريل) بدأ يتسرب إلى كل أميركا. واللافت أن الموضوع يثير آراء قوية لا تتطابق دائماً مع الخطوط الطبقية. فعلى بعد أربعة مربعات سكنية من موقع المظاهرة، جلس ريتشارد جول، وهو محارب سابق شارك في حرب فيتنام ومشرد اليوم، على مجموعة من صناديق البريد وظهره مستند إلى الواجهة الرخامية لأحد البنوك، وأمام قدميه كوب قهوة ورقي، لم تكن النقود التي بداخله كافية لتغطي قعر الكوب. ويقول جول عن المحتجين: "إنهم لا يفهمون النظام في الواقع. إن الأغنياء لا يضطهدون الفقراء". ثم أضاف يقول: "إنني رجل فقير ولكني لا ألوم أي شخص غني"، مضيفا: "إذا كنت تريدهم أن ينفقوا أموالهم لتحسين الاقتصاد، فيتعين عليك أن تمنحهم إعفاءات ضريبية. عليك أن تمنحهم شيئاً ما بالمقابل". لا أحد في وسط المدينة علم بالأمر في اليوم الأول من تجمع "احتلوا وول ستريت"، لكن المعارك حول الضرائب كانت على وشك الاحتدام. ففي تلك الليلة، وبينما خلد ماكفارلاين وزملاؤه المحتجون إلى النوم في الحديقة مستعملين اللافتات كأفرشة، كان مزيد من الأخبار يرد تباعا: فقد خطط أوباما لاقتراح ضريبة جديدة على المليونيرات، سماها: قاعدة بافيت". بثروة تقدر بحوالي 39 مليار دولار، يعد بافيت ثاني أغنى رجل في أميركا. وعندما يتحدث بافيت، فإن الأسواق تصغي إليه. غير أنه يكرر العبارة نفسها منذ أكثر من عقد من الزمن: "إنني أدفع ضرائب بمعدل أدنى مقارنة مع سكرتيرتي... وبكل صراحة أعتقد أن ذلك أمر جنوني". هكذا قال بافيت خلال خطاب في عام 2000 بجامعة كولومبيا في نيويورك، حيث قدم دعمه لهيلاري كلينتون خلال محاولتها الأولى لتصبح عضوا في مجلس الشيوخ. وبعد أحد عشر عاماً على ذلك، تعكس اللازمة التي ما فتئ بافيت يكررها - "افرضوا مزيداً من الضرائب علي!"- الموقفَ ذاته: أن المعدل المنخفض للضريبة على أرباح رؤوس الأموال إنما يخدم مصلحة المستثمرين الأغنياء على حساب أصحاب الرواتب من الطبقة الوسطى. غير أنه لأول مرة انتشرت قصة موظفة الاستقبال لدى بافيت هذا الانتشار الواسع، منتزعةً دعما قويا من "المكتب البيضاوي" وتحذيرات من حرب طبقية من جمهوريين في الكونجرس. وبالتالي فربما يجدر بنا الآن أن ننسى "جو السمكري"، لأن سكرتيرة بافيت هي البطلة الجديدة للطبقة العاملة في "الكساد الكبير" الآن. واللافت أنه عندما تحدث بافيت عن سكرتيرته في عام 2000، أحدثت كلماته رجات سطحية في وسائل الإعلام، ثم ما لبثت أن غابت عن المشهد. ولكنها اليوم عادت لتثير جدلا ساخنا عبر الولايات المتحدة، بل إنها ساهمت حتى في تأجيج سجال عبر العالم. ففي ألمانيا وفرنسا، أخذ مواطنون أغنياء يقدمون عرائض لحكوماتهم من أجل فرض مزيد من الضرائب عليهم، في وقت يبدو أن بعضهم بدأ يتخذ مواقف باعتبارهم أبناء عمومة بافيت الأيديولوجيين. وفي إيطاليا، قال لوكا دي مونتزيمولو، رئيس شركة فيراري، مؤخرا ما معناه أن الأغنياء -وهم الأشخاص أنفسهم الذين لديهم من الإمكانيات المادية ما يسمح لهم باقتناء سياراته- يستطيعون تحمل ضرائب أعلى وينبغي أن يدفعوها. وفي الولايات المتحدة، هناك حجة تبدو ظاهريا أنها تتعلق بالمال، لكنها في الواقع شيء أعمق من ذلك بكثير: صراع حول شخصية الدولة يدور بين نموذجين في صميم الحلم الأميركي: فمن جهة هناك الفرداني الذي نجح بفضل كده وجهده الخاص، ومن جهة أخرى هناك المؤمن بضرورة المساواة بين جميع المواطنين. فهاتان الشخصيتان تتصارعان في المخيلة الوطنية منذ أن قامت مجموعة من المستوطنين المتمردين برمي صناديق الشاي في ميناء بوسطن. لكن لماذا أصبحت فكرة فرض ضرائب على الأغنياء بمثل هذا الانتشار اليوم؟ الجواب يتكون من شقين، فأولا هناك مسألة عجز ميزانية الولايات المتحدة: ذلك أن الحكومة الفدرالية غارقة في الديون إلى أذنيها حيث وصل الدين الوطني إلى مستوى قياسي هو 14.8 تريليون دولار. غير أن الأدوات اللازمة من أجل تشجيع النمو وخلق سيولة مالية على المدى الطويل (زيادة الضرائب وخفض الإنفاق) تخلقان انقساما بين الديمقراطيين والجمهوريين. أما السبب الآخر، فيأتي من الحياة خارج أروقة الكونجرس؛ ذلك أن أكثر من 46 مليون أميركي يعيشون اليوم في الفقر، حسب بيانات إحصاء أفرج عنها في الثالث عشر من سبتمبر. وهذا الرقم هو الأعلى من نوعه منذ أن شرع مكتب الإحصاء الأميركي في تدوين البيانات قبل 52 عاماً. وعلاوة على ذلك، فإن معدل البطالة يرفض بعناد التزحزح عن 9 في المئة، مما دفع رئيس الاحتياطي الفدرالي بن برنانكي إلى إعلان "أزمة وطنية". ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©