الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

غيوم وحجارة

غيوم وحجارة
4 أكتوبر 2012
الغربان تحللت الجثث بسرعة ونبتت أزهار في غاية الجمال. أتت الغربان من خلف المحيط وحطت على أكتافها وغادرت. العقل نسى عقله عند الشاطئ. عاد في المساء والقمر مغمور بالسحب الشاردة. بدأ يغني ويرقص لأول مرة منذ طفولته. نام في بيت جاره. عند الصباح رأى الناس لأول مرة في حياته بهذا الجمال. الظل يكذب على نفسه دائماً. حاول أن يكذب على ظله فنظر إلى أسفل فلم يجده. أنف الخنزير نظر كل الناس إلى بعضهم بعضاً فرأوا أفيالاً وقططاً وأنوف خنازير وكلاباً ضالة وسباعاً وضباعاً وعصافير، فعرفوا أن أصل الإنسان ليس قرداً. لغة الطير الاسم مكتوب بأرقام أحادية ساحرة. جلس ويده على الرمل تجمع وتطرح. خطط مربعات ومثلثات ودوائر رمادية. تعلم لغة الطير الغريب، لم يفهمه أحد حاول الطيران فكسر رجله اليمنى القصيرة الوحيدة المصنوعة من الزجاج. الدمية دخلت المرأة الثملة تغطي وجهها خيوط من زعانف أسماك القرش. صمت كل الناس ما عدا القزم المتورم الأنف. وقف على طاولة عالية الارتفاع وقبّلها بعنف والتصق على جسدها بشكل لولبي. أمرت الناس بالرقص والضجيج. خرج من رحمها طفل دمية يحمل تيجاناً مرصعة باللؤلؤ، ويبلغ طوله ألف ذراع، يجمع السحاب ويرش البرد على الناس. الجثة حدث بالفعل في قرية، شمال السودان؛ بعد أن تتبعوا خيطاً رفيعاً طويلاً من الدم يتلوى بين الأمواج وجدوا جثة الغريق تهتز بين أسراب الأسماك الجائعة. مد الجميع أيديهم دفعة واحدة وسجوه على سطح المركب القديم المملوء برؤوس الأسماك وأحشائها الذابلة، وضعوا على جسده غطاءً قصيراً يستر حتى ركبتيه. عند الشاطئ آلاف من البشر يصطفون ونصف سيقانهم في الماء وصورهم مقلوبة وترتج مع عويل النساء والأطفال. بعض الأطفال تذكروا أن أهلهم الكبار كانوا يقولون لهم، إذا غرق أحدكم فاضربوا رأسه بحجر وكانت هذه حيلتهم لتتبع جثة الغريق. الخطوط في اليوم الأخير بدأ كل الناس يسيرون في خطوط مستقيمة. الإمام هذه قصة غير حقيقية لكنها حصلت مع إمام القرية الشرس. فقد عقله بعد الخلاف على بعض النصوص. ظل يروي للجميع عن الجنة، فكان يتحدث عن مطاراتها التكنولوجية، وسينماتها المعلقة بين الأشجار، فكلما صفق الناس كثيراً أبدع في الخيال حتى استرد عقله. الصندوق حدق بعينه الوحيدة العوراء إلى شفتي المرأة التي أمامه في المركب. بلع لعابه حتى نشف. أطال رقبته ليراها من أعلى. لم تحرك ساكناً. غمز بعينه فغمزت له. مد يده ببطء إلى صدرها فشعر بقوته واستدارته. بكى بكاءً شديداً لأنها المرأة الوحيدة التي تجاوبت معه. عند الشاطئ حملها التاجر في يده وخرج بعد أن وضعها في صندوق الدمى. الموت أحمد ومحمود تقابلا مصادفة. أحمد يعمل في محل خياطة لأكفان أغنياء المدينة. ومحمود لص محترف ويدرب أطفال الحي الفقير. خلع أحمد نظارته الذهبية التي سرقها من أحد الموتى ونظر بشفقة إلى صديقة محمود. يا محمود متى تموت. الغريب يكرهه بشدة. يسبه في أي لحظة. يترك له الطريق في الشارع العام. يحاربه محاربة شرسة. لكنه للأسف لم يقابله في حياته. الرمادية الفتاة الوحيدة عند أمها المطلقة أصيبت بداء عضال لم تعرف أسبابه. غير أن الغريب يعرفه جيداً. لقد سُرقت الروح واستبدلت بالضوء. كان جسدها مشعاً في الليل والنهار كالكهرمان. بعد عام تحولت إلى كرة رمادية باردة. تتدحرج مع نور البرق حتى نهاية الغابة السوداء. وترجع قبل الغروب فتاة صماء. سمع أهل القرية قصتها فجمعوا الحطب وأحرقوها بالليل. الطيورالسوداء أشعل سيجارته الكوبية بأدب جم وملامح هادئة. مد رجليه على طاولة العاج المستوردة من أدغال أفريقيا. نظر إلى السماء بصفاء وطيبة إنسانية. تجمعت فوقه طيور سوداء. تحمل في مناقيرها أسماكاً مالحة وناشفة. سقطت الأسماك وبقيت الطيور تحلق. غيوم وحجارة مات في الصيف. كان يوماً حاراً ورطباً. الغيوم تحوم حول الأرض، والطيور والناس يتزاحمون على الظلال. ودع الناس عند المقابر، ودخل قبرة. رتبت الحجارة فوق بعضها بإتزان، فكانت كطائر الكوركي واقفاً على رجله وظله يتعرج بين القبور. العائد كان شخصاً جميلاً وعظيماً ورائعاً يحب الحياة. لماذا رحل. في منتصف الطريق عاد من الموت، لم يخبر أحد فدخل خلسة ووقف بين الناس. طائر الكركر موسيقى هادئة تتسرب إلى قاع الروح وتفصل الجسد المنسي منذ سنين. زحف طائر الكركر، الذي صنف لتوه من فصيلة الطيور اللابنة، حول الآلة الموسيقية واقتلع الوتر الأخير. عندما سمع الصوت الحزين أعاد الوتر ورقص رقصة بدون اتزان. فلف حول نفسه في دائرة تضيق كلما اتسعت الموسيقى. فذاب شوقاً. ولكنهم قالوا انتحر. الرسالة عمود الكهرباء الوحيد في منتصف القرية الفقيرة يضيء إضاءة خافتة وحزينة. جلس الحارس الليلي يعد نقوده. مر العاشق المجنون يعد رسائله منذ بداية الخليقة. يرتبها ويصنفها ويفصل منها فساتين لمحبوبته المجهولة للناس ولكنه يعرف أدق تفاصيلها. يشير دائماً إلى قلبه في حزن. alialjacks@yahoo.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©