الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

وقع السهام

وقع السهام
28 فبراير 2008 04:52
يقول السري الرّفاء في ''كتاب المحبوب'': ''وابن الرومي قد أبدع في (وصف) نظر الحبيب، وتأثيره في القلوب، مالم يذكره أحد فقال: نظرت فأقصدت الفؤاد بطرفها ثم انثنت عنه فظل يهيمُ ويلاي إن نظرت وإن هي أعرضت وقع السّهام ونزعهن أليم وأحسب أن الشاعر المبدع يجمع في هذه الكلمات بين خبرة الحب والحرب في صورة واحدة، فنظرة الحبيب التي تنغرس في صميم الفؤاد، كالسهم، ثم تنزع عنه فيظل هائما بعدها، تتمثل حسيا في حركة السهم الموجعة في حالتي الوقوع والخلع· وما أرق تعبير الشاعر عن هذا الألم المزدوج في قوله بعفوية ''ويلاي'' وإن كان محقق الكتاب يعلق بقوله ''كلمة ويلاي وردت هكذا في الأصلين وفي نهاية الأرب، وما أظن أن لها وجها فى اللغة''، وربما كان بوسعنا أن نعدها مثنى ''ويل'' بتخفيف الياء الأولى بالمدّ، فالشاعر يتوجع مرتين من النظر والإعراض برقة وصبابة وصحة لغوية أيضا· ثم يأتي شاعر آخر، وهو الحسيني بن الضحاك ليجمع قدرا من تجليات الحسن في نموذج أو مثال واحد قائلا: يا معير المقلة الجؤذر، والجيد الغزالا أترى بالله ما تصنع عيناك·· حلالا من جفون تنفث السحر يمينا·· وشمالا كنت من شتّى فأُلّفتَ، وجُمّعتَ مثالا حار في الحسن في خدّيك·· فجالا حبذا حبك، رشدا كان، أو كان ضلالا ربما نلاحظ على هذه الأبيات أنها لاتقع في منطقة المجون التي كانت تشدّ كثيرا من شعراء العصر العباسي إلى الجرأة على التقاليد ومنظومة القيم السائدة بتهتك صريح، بل تناوش بخفة روح ودعابة طريفة منطقة التجاذب بين الحلّ والحرمة والرشد والغيّ، فترى الافتتان بسحر النظرة العاشقة مما يثير الشفقة أقرب إلى اجتراح الحرام، كما ترى الوقوع في الهوى محببا مهما وصف بالصواب أو الضلال، ويصبح بوسعنا أن نعتبر تمجيد الجمال ومدح الحسن من قبيل تقدير الخير والحق في منظومة متسقة متناغمة مع بقية الفضائل الإنسانية· ولعل القارئ يذكر في صدد الحديث عن النظر الفتاك مااعتبره الأدباء والنقاد الأقدمون أغزل ما جادت به الشعرية العربية في عصرها الأول في قول جرير: إن العيون التي في طرفها حور قتلننا ثم لم يحيين قتلانا يصرعن ذاب اللب حتى لاحراك به وهن أضعف خلق الله إنسانا وتكمن بلاغة الغزل في المفارقة التي تجعل منتهى القوة في القتل يصدر عن أضعف خلق الله، وبراعة التعبير تتمثل في استخدام ''إنسان العين'' وهو نموذج للرقة والهشاشة والصفاء كأنه الإنسان في عمومه، بما يجعل صياغة الكلمات في نسق شعري بسيط وأخاذ المعادل الجمالي للنظرة الفاتنة·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©