الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

شخصية الجوائز الأدبية تراوح بين الخصوصية والعولمة

شخصية الجوائز الأدبية تراوح بين الخصوصية والعولمة
12 أكتوبر 2013 01:11
الجوائز الأدبية سمة حضارية وتقليد ثقافي عريق. ونحن في الإمارات تسلل هذا الشيء الجميل إلى حياتنا الثقافية تدريجياً، فما أن يطل الموسم الثقافي في سبتمبر، حتى تطل جوائزنا الإبداعية، ومنها الأدبية في احتفالياتها السنوية. جوائز متعددة وكما هو معروف في عالمنا العربي وفي دول الخليج، هناك جوائز إبداعية وأدبية متزايدة ومتعددة، وهي معنية باللغة والثقافة العربية على المستويين العربي عموما والمحلي. والأهم أن لهذه الجوائز سمعة دولية على الرغم من حداثة عهدها مقارنة بدول أوروبا وأميركا، من هذه الجوائز على سبيل المثال لا الحصر جائزة الشيخ زايد للكتاب، وجائزة سلطان العويس الثقافية، وجائزة عبد العزيز البابطين للشعر، وجـــائزة نجـــيب محفوظ للروايــــة، وجــائزة أبو القاسم الشابي في تونس. غير أنه يحق لنا أن نتساءل كما تساءل الكاتب البريطاني «ملفين براغ» حول جائزة «مان بوكر للرواية الإنجليزية» في دورتها الأخيرة، هل يمكن أن تتحول جوائزنا الأدبية العربية مستقبلاً إلى مؤسسات تديرها شركات عالمية مختلفة الثقافات فتفرغها من شخصيتها، بدعوى قد تطلقها دور النشر لإنعاشها في السوق؟ الواقع أنك تشعر بالخوف على جوائزنا التي لم تجرب بعد فوضى عولمة الجوائز، إضافة إلى أننا لا نتمنى لجوائزنا الوطنية التي تضع أقدامها على الطريق أن تكون غير دقيقة في تصنيفها لنفسها. نطمح لأن تكون جوائزنا الإبداعية عالمية، ولكن نتساءل في النهاية.. هل يعني ذلك أن تتحول الجوائز الأدبية إلى تقليد سوقي عالمي استهلاكي سنوي؟ وربما كان هذا هو، ما يذكرك به اللغط الذي أثير حول عولمة جائزة مان بوكر للرواية الإنجليزية مؤخراً. تحولات البوكر الإنجليزية كانت جائزة مان بوكر للرواية الإنجليزية التي يشارك فيها كتاب دول الكومنولث وآيرلندة، قد استهلت موسمها لعام 2013 بالإعلان عن قائمتها الطويلة في يوليو الماضي ثم القصيرة في 10 سبتمبر. وتضمنت القائمة التي تسبق الإعلان عن الفائز بالجائزة، وهو عادة ما يعلن عن اسمه في 15 أكتوبر، ستة من الأسماء المتميزة، من بينها الآيرلندي «كولوم تويبين» عن روايته «عهد مريم» من منشورات دار «بنجوين»، والإنجليزي «جيم كريس»عن رواية «الحصاد» صادرة عن «بيكادور»، إضافة إلى روائيين آخرين من أمثال الكاتبة الشهيرة «جمبا لاهيري» عن رواية «الأرض المنخفضة» من منشورات دار«بلومزبيري»، إلى جانب كتاب من نيوزيلندا وكندا وزيمبابوي. وبالتزامن مع هذا الحدث المهم أميط اللثام عن أن الجائزة بصدد التوسع في مشاركاتها لتشمل من عام 2014 الرواية الأميركية، وربما مشاركة أعمال روائية من ثقافات أخرى حول العالم. جائزة مان بوكر للرواية التي يتجاوز عمرها الأربعين سنة، وكما هو معروف واحدة من أهم الجوائز الأدبية العالمية، وكما أن لها نكهتها الإبداعية الخاصة، فهي ذات تأثير قوي ليس في مستقبل الفائزين بها فقط، وإنما الناشرين الذين سرعان ما تتحول أنظار العالم إليهم. وربما فتحت التصريحات الأخيرة لمنظميها الباب على مصراعيه لجملة من التساؤلات عن عولمة الجوائز الأدبية، الموضوع المتجدد بين آن وآخر، من خلال مان بوكر للرواية! وربما ذكرنا ذلك أيضاً بدعوة عدد من المثقفين والكتاب البريطانيين، ومنهم الحائزون الجائزة منذ أعوام، إلى إطلاق جائزة وطنية للرواية تتبنى فكرة عدم مقايضة المعايير الإبداعية بالمعايير السوقية التجارية في الأدب، وهو ما يعني ضمناً أهمية الاحتفاظ بهوية الجائزة الأدبية، غير أن ذلك بدا صعباً. وعلى هامش مان بوكر لهذا العام، وفوضى الثقافة والسوق، نتساءل لماذا نموذج العولمة القادم إلينا عبر جوائز هي في الأساس عالمية مثل مان بوكر وغيرها ؟ وقد قدمت بوكر للرواية عموماً العديد من الأسماء حتى من خارج نطاقها الثقافي واللغوي، وهو ما نراه في جوائز متفرعة، منها كجائزة «مان بوكر الدولية» التي فازت بها مؤخراً القاصة والمترجمة الأميركية «ليديا ديفس»، وقد استحقتها عن جدارة لما تتمتع به أعمالها القصصية من خيال وكثافة مؤثرة في لغتها الآسرة. وكذلك جائزة «كين للرواية الإفريقية» التي أُسست سنة 2000، كما دأبت الجائزة ضمن مغامراتها، على استحداث جوائز فرعية لها في دول ناطقة رسمياً بلغات أخرى، مثل جائزة بوكر الروسية والهندية والعربية. نتساءل مرة أخرى لماذا؟ خاصة وأن المصير الذي آل إليه عدد من هذه الجوائز هو الفشل وعدم صحة نظرية السوق في الأدب، لأنه يفقده شخصيته، كما هي الحال في الجائزتين الروسية والهندية، ولا تزال بوكر العربية على المحك، على الرغم من أننا استفدنا بالفعل من ترجمة الرواية العربية إلى لغات أخرى. وربما لخصت عبارة الكاتب البريطاني جيم كريس الواردة روايته ضمن القائمة القصيرة، عن إمكانية أن تفقد الجائزة العالمية شخصيتها «على الرغم من إيماني بحق كل شخص في الحصول على الجوائز الإبداعية، إلا أنني أعتقد بأن الجوائز ينبغي أن تكون لها شخصيتها، وأحياناً ترتبط هذه الشخصية بحدودها»، ربما لخصت هذه العبارة ما يجب أن يقال في التوجهات الجديدة نحو عولمة الجوائز الأدبية بغض النظر عن مرجعياتها الثقافية. الجوائز الأدبية تقليد إنساني تاريخي راقٍ، وهي بمثابة الحاضنات الملائمة لإنعاش الأدب والإبداع والمبدعين والناشرين والقراء، وخلفيتها الثقافية هي بمثابة العامل الأهم في قدرتها كروافد، على تقديم شيء مهم، يمكن إضافته إلى فسيفساء الثقافة العالمية. إن أحداً لا يتصور أن شهرة الأعمال الإبداعية التي تقدمها هذه الجوائز وأهميتها، تأتي من عولمتها قبل أن تكون لها مرجعية ثقافية محددة. لا أحد يتصور أن روحها تأتي في الأساس، من تحولها إلى لاعب في السوق، وإلى أغلفة وعناوين صارخة مرادفة لقوانين العولمة. والواقع أن ما يثار الآن من لغط بين أميركا وأوروبا، حول أن تكون للجوائز الأدبية شخصياتها أو لا تكون، وعلاقته الجدلية بالتجارة والاستهلاك المنافي للمعايير الفكرية والذوقية والجمالية، يبدو بالنسبة لنا كالمثل القائل أن الشيء بالشيء يذكر.
المصدر: دبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©