الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حديث الأصدقاء

حديث الأصدقاء
26 يناير 2011 19:50
كنا ثلاثة نجلس وسط رتابة الوقت وألق الدقائق، نستجدي من طراوة الأحاديث أعذبها ومن قصصها جماليتها، نقبل نحو الحياة أم هي التي تفر من هنيئات تبوح بأوزارها أو تعبر عما يشغلها. لم أرهما منذ شهور، أصدقاء، لا يعرف أحدهما الآخر، رغم أنهما جاء من مدينة دبي، انطلقا في مسار واحدا ولم يفكرا بأنهما سيلتقيان حول طاولة تلك اللحظة. إنها لعبة المسارات وفلسفة الحياة، فلم يكن ليبلغ الإنسان ذروة معرفته إلى هذه الدقة المتقنة. “راؤول” صديق ألماني نشأت صداقتنا منذ سنوات قلائل، وقد بدأ حديثه من منحى البيوت والإيجارات التي تتهاوى أسعارها، وطغى حديثه على الوقت، وإذا به ينسحب نحو بيته الجميل، وهو يقطن وحيدا، فبدأت أحاوره عن حياة الوحدة وما يشوبها، إلا أنه أدهشني حين قال إنه لا يشغل التلفاز إلا ما ندر، فسألته كيف يقضي سائر وقته؟ فأجاب قائلا: أنا من عشاق القراءة، ودلل على ذلك بفتح حقيبة مليئة بالكتب. حديث القراءة ذو شجون، فمن يبيت لها عاشقا ليس كمن يسترسل نحو التلفاز وبرامجه، بينه والقراءة مساحة وشرنقة من الجفاء. “راؤول” سرد قصة جميلة عن عمله، فقد عاد ليعمل بشركة لأدوية شعبية بعد سنوات من هجرها نحو مهن مختلفة، لكن الإعجاب بإصرار صاحب الشركة ونجاحه جعله يورد قصته، حينها لم يبلغ من العمر ثمانية عشر، ماتت أمه بسبب الأدوية الكيميائية لتخفيف الوزن، فقرر أن يبحث عن الحقيقة، بدأ رحلة لتأخذ سنوات من الجهد والدراسة، وامتدت مابين دول آسيوية وأخرى أميركية، حتى اهتدى إلى الأدوية العشبية المختصة. في لحظة السرد وفد الصديق الآخر كامل السويدي، هادئ ووقور، دائما يفاجئ أصدقاءه بحديث المتعة او بفكرة خارجة عن المألوف، حصل التعارف بينهما سريعا من منطلق الصداقات واللحظات التي تجمع البشر، فاللحظات التي لا تنسى دائما ما ترتبط بالتاريخ والمواقع والأحداث. فالتاريخ العام يلج بكينونة الفرد. معنى لا يمحى من الذاكرة، فالمرء يتذكر حالة كالتي حدثت يوم هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، كل بدأ يسرد موقعه والحالة التي استقبل فيها الخبر، حالة الذهول وعدم الفهم للوهلة الأولى، بل ساور الشك اليقين، وقد صنفت القنوات الإخبارية على أنها قنوات درامية تبث أفلام “هوليوودية” حية لأول مرة. وتتوالد الأحاديث وتمضي الرحلة الى مسارات مختلفة وشيقة، لم تكن الواقعة الأولى، التي تلتصق بالذاكرة، بل منا من شاهد قبلها سقوط المكوك الفضائي وانشطاره، لحظات مأساوية هي قيد ما تورده الذاكرة وما تنبئ به من لحظة الى أخرى. محطات الحياة لا تتوقف، ووجوه الانتظار بموعدها تحفل بنسيجها المقترن بالرؤى، وربما حديثها ذو نسق لا يخرج عن سكة الذاكرة، فمهما تفرعت الحياة فلابد من حالة التشوق والاقتباس والانشغال، هي حالة اللقاء المتوغل في العمق الإنساني منذ أزل السنين.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©